صناعة الفخار.. حرفة مصرية تقاوم الاندثار
أحد شيوخ صناعة الفخار بمصر يؤكد أنها مليئة بالأسرار المهمة، ولا بد أن يتعلمها الإنسان من الصغر حتى يستوعب كل جديد فيها.
تزخر الحضارة المصرية بالأسرار والفنون المختلفة التي تمثل ألغازا حتى يومنا هذا، ومنها صناعة الفخار الذي عرفه الإنسان حين بدأ رحلته مع الاستقرار ومحاولاته الأولى لإقامة تجمعات بشرية.
وتوضح الباحثة الدكتورة إيمان مهران في كتابها "الفخار الشعبي في مصر.. وذاكرة الحضارة المصرية" اكتشاف أقدم حضارة فخارية بمصر في مناطق نقادة والبدارى والعمري وغيرها من الأماكن خلال عصر ما قبل الأسرات، مشيرة إلى أن علماء الحملة الفرنسية على مصر عندما بدأوا عام 1798 توثيق مظاهر الحياة المصرية لفت نظرهم ما كان لهذه الحرفة من أهمية.
وقسمت الدكتورة إيمان مهران صناعة وفن الفخار إلى عدة أنواع نستعرضها فيما يلي:
الفخار الروماني
اشتهرت وتنوعت الفنون الرومانية الفخارية وتركت مقابر "كوم الشقافة" دليلاً على تنوع تلك المنتجات، ومعروف أن "كوم الشقافة" هي مقبرة رومانية تعود إلى القرن الثاني الميلادي، ونحتت في الصخر تحت الأرض.
وسميت بهذا الاسم نسبة إلى "الشقف" وهو كسر الأواني الفخارية والتي كونت ما يشبه التل "الكوم"، واسم "كوم الشقافة" هو الاسم العربي الذي أطلق على المنطقة إحياء للاسم اليوناني القديم، ووُجِدَ بها جرار لحفظ رماد الجثث بعد حرقها، وتعتبر تلك المقبرة أكبر المقابر الرومانية عامة، وتقع بمنطقة كوم الشقافة بحي كرموز، بمدينة الإسكندرية.
الفخار القبطي
توضح الدكتورة إيمان مهران أن الفخار القبطي اعتمد على الاستمرارية للأشكال القديمة التي كانت موجودة في مصر الفرعونية، ولكنه حمل رموزاً ارتبطت بالعقيدة المسيحية، وترك أشكالا كثيرة اعتمدت على الاستمرار في نفس طريقة التشكيل مع وضع عناصر ومفردات تتلاءم مع التشكيل وتعكس العناصر الرمزية في العهد القبطي، لنجد السمكة وعنقود العنب والصلبان وغيرها من الرموز القبطية التي تعبر عن المعتقد المسيحي ليصبح الفخار القبطي فنا له خصوصيه تميزه كأسلوب وسط الأساليب الأخرى.
الفخار في العصر الإسلامي
تشير الدكتورة سعاد ماهر في كتابها الشهير "الفنون الإسلامية" إلى أن الخزف كان موازياً في تقدمه لصناعة الفخار، والدليل على ذلك شبابيك القلل التي تشبه في دقتها الدانتيلا، وشباك القلة هو الجزء الذي يوجد بين بدن القلة ورقبتها.
وتكشف جولة في منطقة الفواخرية بمدينة الفسطاط في حي مصر القديمة بالقاهرة أن الوضع الحالي للفخار الشعبي في مصر لا يعكس هذا التاريخ العريق، حيث يقتصر استخدامه على طبقات اجتماعية فقيرة، كما أنه لا يعبر عن مستوى المنتج الذي كانت مصر بلغته في السابق في العديد من مراحلها التاريخية المختلفة والمتنوعة والتي تدل على عبقرية الشخصية المصرية.
وعن تعلم صناعة الفخار وتاريخها، يقول الحاج محمد حسن، من شيوخ المهنة، إنه ورثها عن عائلته وأجداده الذين عملوا بها وعمل على تعلمها منذ صغر سنه.
ويضيف: "مهنة صناعة الفخار مليئة بالأسرار المهنية المهمة، ولا بد عند تعلم مهنة الفخار أن يبدأ المتعلم من الصغر حتى يستوعب كل جديد والأفكار الموجودة بالمهنة وأن يكون لدى المتعلم حس فني وذوق ورؤية وهو ما يتضح بعد ذلك على شكل الصناعة لدى المتعلم لأنها مهنة تحتاج لصبر وذكاء وحب".
وبسؤاله عن أسباب حفاظ الفخار المصري على مكانته وتاريخه بين دول العالم، أكد الحاج محمد أن ذلك يعود إلى مهارة وحب العامل المصري لمهنة الفخار وعمله بإتقان شديد.
وعن أنواع الطين المستخدم في الصناعة، قال: "هناك عدة أنواع منها الطين الأسواني والأسبوكلة والبروسلين وطمي النيل وأفضلها لدينا في العمل هو الطين الأسواني، وأتمنى أن تهتم الدولة بتلك المهنة وتساعدنا وتقدم لنا ما يشجعنا على البقاء".
من جانبه، قال الفنان محمد مندور، أحد رواد صناعة الفخار في مصر: "المصريون ظلوا يتوارثون هذه الحرفة والمهنة التي ازدهرت في العهد الروماني واتسمت صناعة الفخار عن غيرها باستخدام العجينة الحمراء والزخارف السوداء البارزة، وفي العصر القبطي عمل بهذه الحرفة بعض الرهبان بجوار الأديرة وزخرفوا الفخار ببعض الزخارف التي ترتبط بالمسيحية، وعند دخول الإسلام لمصر أضيفت لهذه المهنة عناصر إبداعية على النمط الجمالي الإسلامي".
وعن تطور مهنة الفخار وصناعته، أكد مندور أن مهنة الفخار بلغت قمة التطور في العهد الفاطمي وبلغت درجة شديدة من الرقي وانقسمت إلى مجموعتين، الأولى ذات رسوم منقوشة تحت طلاء ألوان واحدة، والأخرى ذات زخارف بالبريق المعدني، وأخذ هذا التطور حتى الدولة الأيوبية، وفيها أيضا استمد الفنانون الرسوم الحيوانية.
وأضاف: "صناعة الفخار شهدت تدهورا في العصر المملوكي وزادت عملية التدهور في ظل الحكم العثماني، ولكن في العصر الحديث أخذت هذه الصناعة تسترد جزءا كبيرا من تاريخها القديم، وبرزت أسماء كبار وفنانين عظام في صناعة الفخار، وبدأوا في تطوير المهنة، وهذا واضح في تلك المنطقة العريقة بالفسطاط بمصر القديمة وهي منطقة الفواخير الموجودة خلف الكنيسة المعلقة، وبجوار المتحف القبطي وبجوار مسجد عمرو بن العاص، وتحمل المنطقة الكثير من الفنون والفنانين والمواهب العظيمة، الذين يحولون الطين إلى أعمال فنية عريقة تبهر الجميع".