يتلاقى العالم مرةً أخرى حول دائرة الحوار، للاستجابة الملحة لنداء الأرض الذي بات صوته مسموعاً ومدوياً في بعض الأحيان، مما جعل مسؤولية الالتفاف والالتفات والاهتمام ذات طابع جمعي إنساني، وببعد فردي لا يقل في أهميته عن البعد العالمي بصورته الضخمة.
إن السعي نحو التحفيز التوعوي والثقافي والديني والاقتصادي والسياسي والتنوير الفكري البيئي صار حاضراً بحلة لا يمكن إخفاء صراحتها، مما يشير إلى ضرورة «إنعاش الضمير الإنساني» نحو محيطه وبيئته. وحتى يقترب الهدف من مراده كان من الضرورة بمكان إشباع ذلك الضمير بمادته التي تشبهه، فكان للكلمة القادمة من أفواه القيادات الدينية بالغ الأثر، وهو أثر يُعَوَّل عليه في مشروع الإنسان الأكبر اليوم، ألا وهو «إحياء الوازع الأخلاقي»، وإنعاش حس المسؤولية الإنسانية الجمعية، والتي تفضي جميعها لإسهام مباشر في إنقاذ كوكب الأرض من تداعيات الجور وسوء الاستخدام، والاستغلال بدلاً من الاستثمار.
اتجهت أنظار العالم أجمع، وتركزت أكثر فأكثر نحو ما يحيط بها من بيئة، وملامح مناخية، بعد أن تعالت أصوات الأرض معبِّرةً عن استيائها فيما لا تزال تواجهه وحيدةً وآملة بمساعدة أبنائها الذين تحملهم على ظهرها مذ وجدت البشرية، خاصة لم يعد يبقى مجال للمجاملة أو التحمل في ظل «فواجع» مناخية متعددة، من تصحر وجفاف واحتباس حراري وغيرها.
لا بد من الاستدامة والعناية بالمواءمة مع كل جديد ومستحدث، إذ يتغير هذا العالم وتتغير متطلباته واحتياجاته، وكما قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس دولة الإمارات وموحد كلمتها على المحبة: «ستعيش الأجيال القادمة في عالم يختلف تماماً عن ذاك الذي اعتدنا عليه، لذا فمن الضروري أن نُعِدَّ أنفسَنا وأولادنا لذلك العالم الجديد». وفي ذات السياق فقد سجلت دولة الإمارات العديدَ من نقاط الاهتمام النوعية في مجال الحفز المناخي، سواء فيما يتعلق بالتخطيط المستقبلي أو على مستوى الإجراءات الآنية النشطة، وغير ذلك من الممارسات والسياسات والخطط التي تتعاضد جميعاً فيما بينها سعياً للحد من ظاهرة التغير المناخي عبر خفض انبعاثات غازات الدفيئة، والغاز الطبيعي المحروق، وزيادة استثمارات الطاقة النظيفة وتطوير تقنياتها، وغيرها من الجهود التي تتشارك في فضاء المجتمع الدولي للقضاء تدريجياً على المواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون لا سيما أن «صلاح البيئة أو فسادها، إنما هو مرهون بالإنسان نفسه، فالإنسان هو مهد البيئة وإطارها، والبيئة هي الإنسان وأخلاقه وسلوكياته، سواء أكان ذلك على المستوى الفردي أم المستوى الجماعي».
وفي سياق الاعتراف الإنساني بمشترك الإنسانية في صورتها العامة الفضفاضة في التحديات كما الإنجازات، لا سيما ذات الصلة بالتكوين الأخلاقي والثقافي والتوعوي، يأتي دور القيادات الدينية كمنارة إرشاد وتثقيف وتوضيح للرسالة السماوية الخالدة التي لم تتهاون في صون كل ما من شأنه حظ النفس الإنسانية كوجود وكرامة وكيان ذي حقوق، وبالتالي فإن الحفز الديني في مجال الوعي المناخي تنبغي بلورته وتشكيل خطاب خاص به يدفع بهدف استراتيجي جامع، موحد للضمير الإنساني والإسلامي، من خلال إنعاش حس المسؤولية الجمعية، وتنشيط جهات التعاون والمشاركة العالمية في الوقوف صفاً قوياً ضد «نزيف الأرض»، إيماناً بقدرة الإنسان على التغيير والإعمار. وعليه تأتي أهمية ذلك تأتي الدور القيادي الديني في مجال التوعية المناخية، وحفزها كقراءة تتلاقى مع المقاصد السامية التي يمكن رؤية أنوارها من قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن قامَتْ على أحَدِكم القِيامةُ وفي يَدِه فَسْلةٌ فلْيَغرِسْها».
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة
** نقلا عن صحيفة "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة