ديتيب وميللي جورش.. ضغوط متزايدة لمواجهة أذرع أردوغان بألمانيا
السلطات الألمانية تواجه ضغوطا لاتخاذ موقف صارم ضد الدور المشبوه للتنظيمات التركية المدعومة مباشرة من أنقرة على أراضيها
يتزايد الضغط على السلطات الألمانية لاتخاذ موقف صارم ضد الدور المشبوه للتنظيمات الإسلامية التركية المدعومة مباشرة من أنقرة على أراضيها، باعتبارها "طابورا خامسا" و"أجهزة تجسس".
يأتي هذا في وقت تظهر فيه بعض الولايات الألمانية التي تتمتع نوعاً ما بالاستقلالية عن الحكومة المركزية في ظل نظام فيدرالي، قدرا من التخبط حول التعامل مع هذه المنظمات.
ففي وقت تبرم فيه ولاية راينلاند بفالتس (جنوب غرب) اتفاق تعاون حول تدريس الدين الإسلامي في مدارسها، مع الاتحاد الإسلامي التركي "ديتيب"، تطرد ولاية هيسن (وسط) المنظمة نفسها من مدارسها بسبب "أفكارها المتطرفة وخضوعها لأنقرة".
وفيما حصدت ولاية هيسن الكثير من الثناء على موقفها من "ديتيب"، أكبر تنظيم تركي في ألمانيا، فإن ولاية راينلاند بفالتس تعرضت لانتقادات كبيرة بسبب دور الاتحاد نفسه وغيرها من المنظمات الإسلامية التركية، المشبوه في الأراضي الألمانية، ما يعكس إدراكا واسعا في البلاد لخطورة هذا التنظيم.
أذرع يديرها أردوغان
وفي هذا السياق، قالت صحيفة نويه زوريشر تسايتونغ السويسرية الناطقة بالألمانية في تقرير نشرته اليوم الخميس: "معظم التنظيمات الإسلامية في ألمانيا، وفي مقدمتها "ديتيب" والتنظيمات الإسلامية التركية الأخرى، كيانات سياسية بالأساس لا تعبر عن المسلمين".
وتابعت: "في ٢٠٠٦، طالبت السلطات الألمانية من التنظيمات الإسلامية الالتزام بالدستور ومبادئ الديمقراطية، والانفصال عن أي أطراف ثالثة (دول أو تنظيمات خارجية)".
لكن اتحاد "ديتيب"، وفق صحيفة نويه زوريشر تسايتونغ، لم يفعل ذلك، وظن لسنوات طويلة أنه فوق القانون، ويوفر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان له الحماية.
وأشارت الصحيفة إلى أن أردوغان نفسه يستغل التنظيم لإعاقة اندماج نحو ٤ ملايين تركي في ألمانيا، ويعتبر كل فرد فيهم سفريا لسياساته وأفكاره المتطرفة.
وفي هذا الإطار، ذكرت وثيقة للبرلمان الألماني تعود لفبراير/شباط 2019، وأطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها أن "خضوع "ديتيب" بشكل كامل لمؤسسة الشؤون الدينية التركية في أنقرة "ديانيت"، معروف للسلطات الألمانية"، مضيفة: "ديانيت تخضع مباشرة لأردوغان".
وبدورها، قالت الصحيفة السويسرية إن ميزانية "ديانيت" السنوية تصل إلى مليار يورو، وتوظف حوالي ٩٠ ألف شخص.
وأضافت أن "إمكانيات (ديانيت) البشرية والمالية الكبيرة مكنتها من احتضان ديتيب بشكل كامل، وإمدادها بالأموال والأئمة".
وأوضحت أن "الأئمة الأتراك العاملين في ألمانيا مدربون جيدا ولا يعرفون اللغة الألمانية، وينكبون على تحقيق الأهداف التي رسمتها أنقرة".
تجسس على المعارضة
وجاء في الوثيقة البرلمانية نفسها أنه "منذ صعود أردوغان لسدة السلطة، تعمل أنقرة على تأسيس منظمات وهياكل في الأراضي الألمانية لتحقيق هدف أساسي هو محاربة معارضيه من الأتراك المقيمين في ألمانيا، وفرض رؤية النظام التركي المتطرفة على المجتمع".
وأضافت أنه منذ محاولة الانقلاب المزعومة في تركيا في يوليو/تموز 2016، ترصد السلطات الألمانية محاولات مكثفة من (ديتيب) لممارسة نفوذ على المجتمع التركي في ألمانيا وكذلك الألمان من أصل تركي.
ولفتت الوثيقة إلى أن "الأئمة الذين ترسلهم (ديانيت) إلى مساجد (ديتيب) في ألمانيا يتجسسون على الأتراك".
ونبهت إلى أن "هؤلاء الأئمة يجمعون معلومات عن المعارضين الأتراك المقيمين في ألمانيا، وخاصة أعضاء حركة الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب ضد أردوغان".
ووفق صحيفة نويه زوريشر السويسرية، فإن السلطات الألمانية وجهت منذ 2016، تهم التجسس إلى 19 إماماً تابعين للاتحاد بعد أن قاموا بالتجسس وكتابة تقارير موجهة للحكومة التركية عن أعضاء في حركة الداعية غولن.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث يدير اتحاد "ديتيب" في ألمانيا مجموعة من الدبلوماسيين الأتراك يصل عددهم إلى ١٥ شخصا يقودهم الملحق الديني التركي السابق في برلين كاظم تركمان.
ويستغل هؤلاء الحصانة الدبلوماسية في التحرك بحرية وتنفيذ سياسات أردوغان، ورصد المعارضين للنظام التركي والتجسس عليهم، ووضع خطط نشر الأفكار المتطرفة في ألمانيا، وفق الصحيفة السويسرية.
الصحيفة لفتت أيضا إلى أن "ديتيب" لا تتحرك منفردة لتنفيذ سياسات أنقرة في ألمانيا، حيث تلعب أيضا جماعة ميللي جورش (الرؤية الوطنية) المقربة من الإخوان المسلمين، نفس الدور.
وتابعت: "ديتيب وميللي جورش، متقاربان من الناحية الأيديولوجية بشكل كبير، ويجمعهما التطرف".
ألمانيا تتحرك ضد الخطر التركي
ونقلت الصحيفة السويسرية عن مصادر ألمانية لم تسمها قولها: "فشلت السياسة الألمانية الرامية لتحويل (ديتيب) وغيرها لمنظمات ألمانية مستقلة".
ومضت المصادر في حديثها، قائلة: "يجب أن يكون لذلك عواقب"، موضحة "يعد منح هذه التنظيمات أي مساعدات مالية حكومية تحت أي بند، غير منطقي، كما أن وجودها في المدارس الألمانية مضر".
وأضافت: "حان الوقت لاتخاذ إجراءات صارمة ضد التدخلات التركية تحت ستار التنظيمات الإسلامية، لأن ما تفعله أنقرة ليس اختراقا سياسيا وأمنيا فحسب، بل إنه إضرار بالتماسك المجتمعي".
كما ذكرت وثيقة للبرلمان الألماني مؤرخة بـ5 مارس/آذار ٢٠١٩، أن الحكومة الألمانية ترصد وتنتقد بشكل متزايد منذ 2016، خضوع "ديتيب" إداريا وماليا للدولة التركية، لذلك قررت خفض مستوى التعاون مع الاتحاد التركي، وبالأخص منذ 2017.
وقالت الوثيقة ذاتها: "لم تعد الحكومة الألمانية تمنح تمويلا حكوميا لأي مشروعات تخص الجاليات المسلمة في ألمانيا، ويشرف عليها ديتيب"، مضيفة: "وفي نفس الوقت، تنتقد الحكومة في محادثات مع قيادة الاتحاد خضوعه الكبير لأنقرة".
ونقلت الصحيفة السويسرية عن الخبيرة الألمانية ذات الأصول التركية، نيكلا كليك، قولها: "ديتيب لم تعد جمعية معنية برعاية الشؤون الدينية للعمال الأتراك مثلما كان الحال وقت تأسيسها في ١٩٨٤، بل باتت طابورا خامسا يديره أردوغان داخل ألمانيا".
وتابعت الخبيرة في شؤون التنظيمات الإسلامية التركية: "يجب على الحكومة الألمانية حماية المعارضين الأتراك المقيمين على أراضيها من "ديتيب" وغيرها، من سياسات الجانب التركي وطابوره الخامس".
ويشرف اتحاد "ديتيب" على 860 مسجدا منتشرة في 16 ولاية ألمانية، ويضم 200 ألف عضو. فيما تشرف ميللي جورش على ٣٢٣ مسجدا في عموم ألمانيا.
ووفق مركز الدراسات التابع للبرلمان الألماني، فإن ارتباط ديتيب بالنظام التركي ليس محل شك.
وذكر المركز في تقرير صدر عام 2018 أن "ديتيب مرتبط بشكل مباشر بمديرية الشؤون الدينية التي تخضع لإشراف مباشر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".
وتصنف السلطات الألمانية المنظمة التركية بأنها تمثل تهديدا للديمقراطية.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMjIzIA==
جزيرة ام اند امز