إشكاليات نقل السلطة تحتاج إلى جهاز بيروقراطي حقيقي للتعامل، وليس فقط مجرد هيئة انتقالية تتبع جهاز الخدمة العامة
على الرغم من تضارب بعض تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية المعنيين بنقل السلطة الفيدرالية إلا أن هذا الأمر ارتبط بالفعل بالخطوات التنفيذية والإجرائية والجوهرية المتعلقة بمسار تحقيق النقل، والذي يحتاج للملايين من الأموال لتمويل المشروع الانتقالي، وهو ما حرص على توفيره مبكراً الرئيس المنتخب بعد الدعوة لجمع التبرعات من مؤيدي الحزب الديمقراطي، إضافة لرجال المال والأعمال المستقلين، مع شركات الميديا والمال والبيزنس الكبرى.
والرسالة أن نقل السلطة ماض في طريقه، ولن يتعثر حيث لا توجد مصلحة لدى أي طرف حتى الحزب الجمهوري والرئيس ترامب في تأجيل الإجراءات، إذ لوحظ أن المحكمة الفيدرالية العليا لم تتدخل في مسار ما جرى من مواجهات حقيقية، وأنها نأت بمفردها عما كان يجري في إطار أن المحاكم الفيدرالية تقوم بدورها، وأنه لا توجد ملفات أكثر إلحاحاً يمكن أن تحتاج إلى حسم، وهو ما تم بالفعل، ومن الواضح أن المحكمة العليا فرضت ستاراً على أعمالها؛ احتكاما لصلاحياتها، وقد فضل الرئيس ترامب عدم التورط بالذهاب إلى المحكمة في أصوات بنسلفانيا أو جورجيا أو أريزونا، رغم نصائح بعض المحلفين من الجانب الجمهوري، والرسالة أن هناك حرصاً ديمقراطيًّا وجمهوريًّا، وبرغم كل ما جرى من تعرض للديمقراطية الأمريكية تبقى أسسها وجوهرها الأقوى والأوضح على المستويات كافة، خاصة أن الرأي العام الأمريكي لم يكفر بعد بالديمقراطية الليبرالية، وما زال يراها النموذج الأكبر والأعظم.
إن إشكاليات نقل السلطة تحتاج إلى جهاز بيروقراطي حقيقي للتعامل، وليس فقط مجرد هيئة انتقالية تتبع جهاز الخدمة العامة، وهو ما يدركه فريق المفاوضين من الجانبين، خاصة أن تسمية الفريق الانتقالي لتولي المواقع أمامه بعض الوقت، وقد يأخذ إجراءات تطول، خاصة أن البدء بالأصل يكون في وزارة الدفاع الأمريكية مع البدء في إطلاع الرئيس الأمريكي المنتخب على الملفات الأكثر إلحاحا وأهمية للأمن القومي الأمريكي، وبالتالي فإن جو بايدن سيكون -قبل يناير المقبل- قد ألم بكل الـتفاصيل الخاصة بالملفات الاستراتيجية والسياسية، وهو ليس غريباً عنها، فقد سبق وأن كان نائباً للرئيس، ويعلم كافة الأطر الحاكمة التي يعمل من خلالها الرئيس الأمريكي، فهو رجل دولة بمعنى الكلمة، وقادر على تحقيق الاندماج القومي على الفور وصهر مصالح الأمة الأمريكية سريعاً، بعد أشهر طويلة من المواجهات والاستقطابات والتجاذبات التي عمت أرجاء الأمة الأمريكية بأكملها، وتسبب فيها الرئيس ترامب والجمهوريون.
سيظل الحديث المباشر عن مرحلة ما بعد ترامب قائماً، خاصة أن تيار الشعبوية واليمينية الذي حكم أمريكا لأربعة سنوات لن يتراجع، وفي تقدير الرئيس ترامب أن الحفاظ على هذا التيار قد يعيده للحكم مباشرة في 2024 والرسالة التي لها معنى أن ترامب قد يخطط -ومن الآن- في تحقيق المعادلة الصعبة ولن يتراجع عنها بصرف النظر عن رغبة الجمهوريين في الاستمرار في صدارة المشهد السياسي من زاوية الكونجرس، فهذا أمر معتاد وسبق وأن فعلوا ذلك مع رؤساء سابقين وليس مع الرئيس ترامب فقط، وقد جهز جو بايدن فريقاً محدداً قام -بحسب الأسس المتبعة- بجمع سبعة ملايين دولار؛ حتى يتمكن من العمل مع فريق من 350 شخصا، وقد نص القانون على منح فريق الرئيس المنتخب إمكانية الوصول إلى الكثير من الملفات، لكن كل شيء يعتمد في نهاية المطاف على حسن نية الفريق المنتهية ولايته، وفي المقام الأول الرئيس المنتخب، وفي بعض الأحيان يكون من الصعب محو آثار الحملة الانتخابية ومسارات نتائجها، ولحين تولي الرئيس المنتخب جو بايدن.
فالرئيس المنتخب يشرف على دقة تطبيق القوانين، ويعين جميع المناصب في الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت المناصب العليا كالوزراء ورؤساء الإدارات، وأيضاً أعضاء المحكمة العليا يتم تعيينهم من قبل الرئيس مع مشورة وموافقة مجلس الشيوخ، ما يعني أن الأشخاص المعينين يجب أن يوافق عليهم مجلس الشيوخ، وللرئيس الحق في العفو ووقف تنفيذ العقوبات في الجرائم المرتكبة ضد الولايات المتحدة، باستثناء القضايا المتعلقة بالإقالة بقرار قضائي، كما أن المراسيم التنفيذية الصادرة عن الرئيس لها طابع عادي ملزمة التنفيذ، لكن مفعولها يمكن أن يوقف أو يلغى بقرار من الكونجرس.
يملك الرئيس حق الفيتو، وبمقدوره أن يستخدمه ضد أي قانون، عدا التعديلات الدستورية. ولوقف فيتو الرئيس يتعين على مجلس النواب أن يعيد التصديق على القانون بثلثي الأصوات. والممارسة الطويلة تشير إلى أن الكونجرس يتغلب فقط على ما نسبته 7 – 11% من فيتو الرئيس الذي يشكل وينفذ السياسة الخارجية. ويشارك شخصيًّا، أو من خلال ممثليه، في المفاوضات الدولية، ويعقد الاتفاقيات الدولية، ويستقبل السفراء والممثلين الرسميين الآخرين، ويعين السفراء والقناصل والممثلين المفوضين الآخرين.
ويملك الرئيس الأمريكي صلاحيات غير محدودة عمليًّا في المجال العسكري، ويمكنه أن يعطي أمراً للقوات المسلحة ببدء عمليات عسكرية على أراضي الدول الأخرى من دون إعلان حالة الحرب؛ إذ إن حق إعلان الحرب يملكه الكونجرس. مثل هذه العمليات يمكن أن تجرى في غضون 60 يوماً، وعند الضرورة يمكن زيادة هذه المهلة 30 يوماً أخرى، ويجب على الرئيس فقط تقديم تقرير بهذا الخصوص إلى الكونجرس، ويقدم الرئيس أيضاً مقترحات إلى الكونجرس بشأن الإنفاق العسكري في إطار ميزانية البلاد، ويحدد طريق واتجاه تطوير القوات المسلحة، ويعين القيادات العسكرية العليا بموافقة مجلس الشيوخ، ويمنح الرتب العسكرية.
هذه مهام الرئيس الفيدرالية، وأي حجب أو منع يتطلب الصلاحيات الفيدرالية يتم التعامل معه على الفور، وعدم إفساح المجال أمام أية ممارسات غير مشروعة، وهو ما يعلمه الرئيس الراهن والرئيس المقبل الذي يعرف جيداً مهام الحكم الرئيسية واختبرها وتعامل معها، وبالتالي لن تكون هناك إشكاليات حقيقية بصرف النظر عما يجري في الوقت الراهن من تفاصيل، خاصة أن الرئيس المنتخب يعلم جيداً كيف سيتجه لرأس نظام الحكم مباشرة، وبدون أن يصطدم بأيٍّ من مؤسسات النظام الفيدرالي لاعتبارات متعلقة بالتوقيت والمهام، وحدود الحركة المتاحة والتي تؤسس على مرجعيات فيدرالية في المقام الأول.
وفي كل الخيارات، فإن الرئيس بايدن يدرك أن هناك، وعلى الجانب الآخر، مؤسسات ضابطة لحركة المجتمع الأمريكي، وسيكون لها دور مباشر في نقل السلطة لتسهيل أو تقيد حركته، وهو ما يضعه الديمقراطيون على رأس أولوياتهم السياسية والاقتصادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة