من الطبيعي أن يشعر البعض بالقلق مع مغادرة إدارة ترامب ومجيء إدارة بايدن، إذ إن هوة الخلافات بين أمريكا والعديد من دول العالم اتسعت،
نهار العشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل، سوف يشهد العالم بداية رئاسة أمريكية جديدة، رئاسة تأتي بعد سباق انتخابات غير مسبوق، ترك الكثير من الندوب على الجسد الأمريكي، وخلف من ورائه العديد من التساؤلات القلقة الحائرة حول العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بنوع خاص.
ولعل السؤال الأولي الذي يواجه الباحثين في الشأن الأمريكي موصول بواقع حال أمريكا تلك التي يتحسب العالم لها ولإدارتها القادمة، الأمر الذي يوجب علينا النظر العميق إلى المشهد في الأيام الحالية.
يكاد الأمريكيون بداية الأمر يشعرون بحالة من الاضطراب خلال العقدين الماضيين، وذلك من جراء رئاسات جمهورية وديمقراطية غير مستقرة، ذلك أن البداية من عند بوش الابن وإشكالية الحروب الخارجية في أفغانستان والعراق، ناهيك بسلسلة الحروب على الإرهاب، ثم ثماني سنوات من إدارة ديمقراطية لباراك أوباما فضلت القيادة من خلف الكواليس، وشجعت التيارات الأصولية للوصول إلى الحكم في الشرق الأوسط، وأخيرا جاءت إدارة الرئيس ترامب لترفع شعار "أمريكا أولا"، وحدثت خلال أربع سنوات تغيرات ذهنية كثيرة حول صورة الولايات المتحدة في عيون الناس، وربما في عيون الأمريكيين أنفسهم.
والشاهد أنه من الطبيعي أن يشعر البعض بالقلق مع مغادرة إدارة ترامب ومجيء إدارة بايدن، إذ إن هوة الخلافات بين أمريكا والعديد من دول العالم اتسعت، والكل يتساءل: "هل سيقدر للرئيس بايدن أن يملأ تلك الفجوات وأن يجسر العلاقات مع الخارج، بعد أن ترك ترامب آثارا بعينها لا تخفى على أحد؟".
الثابت هنا أن قصة الرئاسة الأمريكية الجديدة تبدأ من الداخل الأمريكي، وتمتد إلى الخارج، لا سيما أن النسيج المجتمعي الأمريكي لا يبدو في حالة جيدة.
الذين تابعوا نتيجة الانتخابات يدركون أن الفارق بين المرشحين ليس كبيرا إلى حد كبير، وهذا يعني أن هناك تشظيا أمريكيا داخليا واضحا، لا سيما أن ترامب الذي رحل، قد ترك من ورائه تيارا شعبويا ترامبيا إن جاز التعبير.
والمؤكد أن الرئاسة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس بايدن قد ورثت عبئا أمريكيا داخليا ثقيلا، إذ نفخ ترامب في روح أمريكا البيوريتانية، في مقابل أمريكا الجاكسونية، الأمر الذي حكما سينعكس على سلام واستقرار الداخل الأمريكي.. ما الذي نعنيه بهذا الكلام؟
باختصار غير مخل أمريكا البيوريتانية، هي أمريكا الأنجلوساكسونية، أي الرجل الأبيض سليل المهاجرين البيض الأوروبيين البروتستانت الذين حضروا على متن السفينة مايفلاور في أوائل القرن السابع عشر واستوطنوا ولاية ماساشوستس وما نحوها.
هولاء اليوم يشعرون بقلق وخوف شديدين من انتقال الحكم والغلبة إلى الأمريكيين الجاكسونيين، أي أتباع الرئيس أندرو جاكسون، أولئك الذين يفسحون المجال لأمريكا الهويات والعرقيات الأخرى، من الأفارقة والآسيويين، من الخلاسيين والمسلمين، ولهذا فإن روح أمريكا لم تعد مستقرة والأصوات تتعالى من الفريق الأول بالحرص من الفريق الثاني، بل ومحاولة قطع الطريق عليه، ومنعه من الوصول إلى سدة الحكم.
على عتبات رئاسة أمريكية جديدة تمضي إدارة الرئيس ترامب والعالم من ورائها، خلف أزمة جائحة كوفيد- 19 التي ولدت كوارث اقتصادية واجتماعية، فخلال أقل من عام خسرت أمريكا أكثر من ربع مليون شخص، وما يتجاوز العشرة ملايين مصاب، وتكبد الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولارات خسائر، الأمر الذي حدا برئيس البنك المركزي الأمريكي للقول بأن أمريكا وربما العالم من ورائها سوف يعرف أزمة اقتصادية أشد هولا من أزمة أمريكا المالية 2008، وأنه إذا استمرت الجائحة من غير لقاح أو علاج، فإنه من الجائز جدا أن تصل الخسائر إلى ما يتجاوز أزمة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين.
على أن ظهور اللقاح ترك أثرا مزدوجا وفي وقت يقترب فيه بايدن وإدارته من تسلم زمام السلطة، أما الأثر الأول فتمثل في علامة الاستفهام غير البريئة التي طرحت على موائد النقاش الأهلي المجتمعي والإعلامي على حد سواء، ومفاد العلامة: "لماذا ظهر اللقاح وبسرعة بعد رحيل الرئيس ترامب، وهل كان الأمر مرتبا له أم أن المسالة عشوائية، وفي زمن يصعب فيه أن يؤمن المرء بذلك؟".
أما الأمر الآخر فمرهون بمدى قبول الناس لهذا اللقاح، سواء من الأمريكيين أو من غيرهم من شعوب العالم، لا سيما أن هناك الكثيرين ممن يؤمنون جازمين بأن ظهور الجائحة، كان الطريق المطلوب لتلقيح البشرية، بهدف أبعد هو التحكم في جينات وعقول البشر من خلال تكنولوجيا النانو التي تحمل أجساما غريبة مطلوب تسريبها إلى الجنس البشري.
وهنا فإننا لا نؤيد رأيا ولا نعترض على الآخر، وإنما نشير إلى أن حالة الانقسام حول اللقاح سوف تبدأ أمريكيا وتمتد إلى بقية العالم، ما يجعل القصة في مبتدأ الأوجاع إن جاز القول.
ولعله من نافلة القول إن الشرق الأوسط يشعر بقلق خاص، ذلك أن بايدن هو نائب أوباما، وعليه فربما يكون الرئيس الجديد ماضيا على درب سلفه.
هنا يتوقف المرء أمام تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب جوزيف بايدن لقناة "إن بي سي" الأمريكية، والتي أشار فيها إلى أن ولايته لن تكون بمثابة فترة ثالثة لحكم الرئيس السابق أوباما، غير أن البعض لا يزال يتخوف من أن تركيبة إدارة بايدن الجديدة تحمل توجهات أفراد لهم ولاءات أيديولوجية لفكر الرجل الذي تجرأ على الأمل، وإن اكتشف الجميع بعد ثماني سنوات أنه كان أملا زائفا وبعيدا عن الحقيقة.
رئاسة بايدن الجديدة تحتاج إلى قراءة خاصة من دول الشرق الأوسط، إذ لا تزال هناك ملفات عديدة مفتوحة ومهمة، وقد أشار بعض من أركان إدارته الجديدة مثل وزير الخارجية "أنتوني بلينكن"، إلى أن بلاده سوف تتعامل برؤية عصرانية للعالم كما هو الآن ومن غير التوقف عند 2008 أي زمن استلام أوباما السلطة أو 2017 حين غادرها وحل محله دونالد ترامب، الأمر الذي يأمل معه المرء أن تكون رئاسة عقلانية، لا سيما أن الذين يعرفون بلينكن يصفونه بأنه رجل وسطي معتدل، ولديه خبرة دبلوماسية عريضة تجعله قريبا من آذان بايدن بشكل كبير.
الرئاسة الأمريكية الجديدة أمر مهم وحيوي بل ومصيري لأقطاب أخرى حول العالم، لا سيما الصين وروسيا، وهنا تمضي التساؤلات القلقة الحائرة من حول الرئاسة الجديدة، وكيف ستتعاطى مع الصين القطب القادم لا محالة، وبأي أدوات ستلاقي روسيا التي أضحت ثعلبا يقفز، لا دبا تتهدده خطواته الثقيلة.
رئاسة أمريكية جديدة أمر يستدعي نظرات تحليلية معمقة لما يجري في الداخل الأمريكي أولا، وتاليا النظر إلى الخارج في محاولة لاستقراء القادم في رحم الغيب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة