الرئيس الأمريكي يهدد أيضا بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من السيارات الأوروبية وأجزائها
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي، على مرسوم يقضي بزيادة الرسوم المفروضة على الواردات من منتجات الصلب بنسبة 25%، وعلى منتجات الألومنيوم بنسبة 10% من بعض البلدان. وجاء في نص الوثيقة التي وزعها المكتب الصحفي للبيت الأبيض أن "هذه الرسوم تعتبر إضافة إلى جميع الرسوم وغيرها من الرسوم المفروضة التي تطبق على منتجات الصلب أو الألومنيوم المستوردة.
إن الرئيس الأمريكي يهدد أيضاً بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من السيارات الأوروبية وأجزائها، إذا لم يتم التوصل لاتفاق تجاري بين بلاده والاتحاد الأوروبي، والحجة الأمريكية المستخدمة من جديد هي حماية الأمن القومي
وقد استثنى الرئيس الأمريكي منتجات الصلب من أستراليا والأرجنتين والبرازيل وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية، وكذلك منتجات الألومنيوم من أستراليا والأرجنتين وكندا والمكسيك من زيادة الرسوم. وقال الرئيس ترامب في معرض تبريره لفرض هذه الرسوم بأنه يفعل ذلك بما يلبي مصلحة الاقتصاد الأمريكي، ويخدم حماية الأمن القومي الأمريكي، ومن المقرر أن تدخل هذه الرسوم الجديدة حيز التنفيذ ابتداء من 8 فبراير 2020.
وكانت الولايات المتحدة قد سبق وفرضت رسوما جمركية قدرها 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألومنيوم في مارس 2018، ولكن لم تستثن وقتها من هذا القرار سوى المكسيك وكندا، الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "النافتا". ومن أجل تسويغ فرض هذه الرسوم كانت قد بدأت سلسلة تحقيقات أولية أمر بها ويلبور روس وزير التجارة الأمريكي في شهر أبريل 2017، للنظر فيما إذا كانت واردات الولايات المتحدة من الصلب تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي وفقا للمادة 232 من ملحق قانون التجارة الأمريكي لعام 1962. وقد أشارت الوزارة إلى ارتفاع "هائل" في واردات الصلب خلال عام 2017 وتعطل نحو 30% من الطاقة الإنتاجية الأمريكية للصلب مع تغطية الواردات لنحو ربع الاستهلاك الأمريكي.
وكانت خلاصة تقرير وزارة التجارة بشأن الصلب تشير إلى أنه ليس هناك أي شك حول تأثيرها على الأمن القومي، إذ جادلت الحكومة بأن الصلب مهم في صناعة الدفاع، إذ يدخل في صناعة السفن الحربية والغواصات، كما أن هناك أنواعا معينة من الصلب المخصوص تدخل في صناعة الطائرات المقاتلة. ولكن المفارقة أن القوات المسلحة تستخدم نسبة ضئيلة جدا من إنتاج الصلب، ولكن بعض المنتجين الأمريكيين يدعون أنهم لكي ينتجوا أنواعا معينة مرتفعة التكلفة من الصلب المخصوص فإن عليهم الاعتماد على بيع الأنواع الأقل من حيث النوعية بكميات كبيرة من أجل تغطية تكلفتهم الثابتة. كما تشير الحكومة أيضا إلى أهمية الصلب في مشروعات البنية الأساسية المهمة كمشروعات الاتصالات والسدود.
وعلى حين كانت الولايات المتحدة لا تستورد في عام 2017 سوى نحو 2% من وارداتها من الصلب من الصين إلا أنها كانت تستورد نحو 31% من مشترياتها العالمية من الألومنيوم من الصين، وفي إطار خطة الرئيس الأمريكي لخفض العجز التجاري مع الشركاء التجاريين وعلى رأسهم الصين فقد تم فرض هذه الرسوم. علاوة على أهمية هذا المعدن الذي يدخل في صناعة الكثير من المنتجات من الطائرات والسيارات إلى علب المشروبات الغازية.
وعلى الرغم من ذريعة الأمن القومي التي يتذرع بها الرئيس الأمريكي لإعادة فرض رسوم جمركية مرتفعة على منتجات الصلب والألومنيوم، فقد كان السبب الحقيقي هو عدم قدرة الصناعة الأمريكية على منافسة الواردات، ولذا تم فرض هذه الرسوم لتشجيع الصناعة المحلية وزيادة الإنتاج المحلي وزيادة فرص العمل المتوفرة للمواطنين الأمريكيين.
والواقع أن الرسوم التي تم فرضها في مارس 2018 لم تستطع تحقيق أهداف زيادة الإنتاج المحلي من الصلب، وتوفير المزيد من فرص العمل كما كان مأمولا. فوفقا لورقة بحثية عرضت لبعض نتائجها وكالة بلومبرج يوم 6 يناير فقد تحمل الأمريكيون تكلفة الرسوم الجمركية في معظم القطاعات التي تم فيها زيادة الرسوم، إلا أن هذا لم ينطبق على الصناعة المهمة سياسيا وهي صناعة الصلب. حيث أشارت الدراسة إلى تنفيذ الرئيس ترامب ما وعد به في حملته الانتخابية من توفير الحماية للصناعة المحلية حينما قام بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب في مارس 2018. وكان الهدف من هذا القرار هو حماية الصناعة من ممارسات الإغراق التي تقوم بها بعض الدول مثل الصين، وهو ما لاقى ترحيبا كبيرا من المصنعين في الولايات المتحدة الذين أعلن عدد منهم خططا لزيادة مستوى إنتاجهم.
وكشفت الورقة البحثية المشار إليها أن الاتحاد الأوروبي إلى جانب دول أخرى تضم كوريا الجنوبية واليابان قد تحملوا نصف تكلفة التعريفة الجمركية الأمريكية على واردات الصلب. وبينما تعد هذه أنباء طيبة للشركات الأمريكية التي تطلب الصلب، إلا أنها تعد بمثابة أنباء سيئة للعمال الذين كان يحدوهم الأمل في أن الرسوم الجمركية التي فرضت سوف تستعيد فرص العمل في الولايات المتحدة مرة أخرى كما أعلن الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية. وربما يوضح ذلك أن الإنتاج الأمريكي من الصلب لم يرتفع سوى بمقدار 2% فقط سنويا بين الربع الثالث من عام 2017 والربع الثالث من العام الماضي 2019، على الرغم من الرسوم الجمركية التي بلغت 25%.
وتلجأ الولايات المتحدة إلى ذريعة حماية الأمن القومي الأمريكي أيضا في إقصاء المنافسين الأجانب من الشركات خاصة في الصناعات المتقدمة تكنولوجيا. والمثل البارز هنا هو شركة هواوي الصينية التي فرضت الولايات المتحدة عليها حظرا، بل هددت الدول الأخرى التي تستخدم معدات شركة هواوي خاصة في شبكات 5G من تبادل المعلومات السرية مع الولايات المتحدة، لاتهامها الشركة الصينية باستخدام أجهزتها في التجسس على عملائها، بل إن الرئيس الأمريكي يهدد أيضا بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من السيارات الأوروبية وأجزائها إذا لم يتم التوصل لاتفاق تجاري بين بلاده والاتحاد الأوروبي. والحجة الأمريكية المستخدمة من جديد هي حماية الأمن القومي، على الرغم من أن الأوربيين لم يملوا من الإشارة دوما إلى عدم وجود أي رابطة بين صادراتهم من السيارات وأجزائها وبين أمن أمريكا القومي، خاصة أنهم حلفاء سياسيون وعسكريون للولايات المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة