من بين الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية للرئيس دونالد ترمب السؤال التالي: ما مستقبل العلاقات الأميركية - الروسية؟
من بين الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية للرئيس دونالد ترمب السؤال التالي: ما مستقبل العلاقات الأميركية - الروسية؟
فحتى الآن، جاءت إجابات ترمب وفريقه الأمني كلها غامضة ومتناقضة.
فما تحتاج الإدارة الجديدة إلى أن تفعله أولاً هو أن تقرر بوضوح أسلوب وصف روسيا، إذ إن إدارة أوباما السابقة لم تفكر مطلقًا في هذا الأمر.
ففي بعض المناسبات، مثل السيرك الذي نُصب حول ملف إيران النووي، ولعبة «كرة اليد الخادعة»، أو «دودج بول»، التي لعبها أوباما في سوريا، وصف أوباما ووزير خارجيته جون كيري، روسيا، بكلمة «شريكتنا». وفي مناسبات أخرى، عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، على سبيل المثال، وصف أوباما وكيري روسيا كـ«تحدٍّ». غير أن روسيا وجدت صعوبة في وصف الولايات المتحدة كما تراها.
فالصفة التي يستخدمها الكرملين والإعلام الخاضع لسيطرته عند وصف الولايات المتحدة هي كلمة «فراج»، وتعني «العدو»، وهي الكلمة التي استخدمها الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف في وصف الولايات المتحدة، في الستينات من القرن الماضي، عندما كان يردد كثيرًا عبارته الشهيرة: «سندفنكم».
يتذكر كثير من الروس الفطنين كلمة «عدو» التي كانت تُستخدم في ألمانيا النازية، غير أنهم يفضلون كلمة «بروتينفك»، التي تعني «الخصم». ويشير المعلقون الروس الأكثر حذرًا إلى التعبير الأقل وطأة، وهو «المنافس». وبالمصادفة، فقد استخدم مصطلح «الخصم» من قبل وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون، في وصفه لروسيا خلال لجنة الاستماع بمجلس الشيوخ.
وفي كثير من العلاقات الدولية يحدث أن تضع دولة ما دولة أخرى في خانة معينة، فمثلاً تستخدم كلمة «أصدقاء» لوصف الشعوب التي تربطنا بها علاقات وثيقة، والتي نستطيع الاعتماد على تعاطفها ودعمها في جميع الأوقات. وفي أي وقت، قليل من الشعوب فقط هي التي توصَف بتلك الصفة، وعلى الجانب الآخر من «الأصدقاء» هناك «الأعداء»، وهي الدول المصممة على تدميرك، التي تجب هزيمتها وتدميرها.
ومرة أخرى، فشعوب قليلة فقط هي التي تُصنف في تلك الخانة في أي وقت. وتشمل هذه الفئة أيضًا خانات شتى، مثل الخصوم والمنافسين، وأيضًا الشركاء والحلفاء. ولنتيقن من ذلك؛ فمثل هذه التصنيفات ليست مبنية على القواعد الصلبة والسريعة، وفي بعض الأحيان قد يتصرف «الصديق» كـ«منافس» في أمور معينة، فيما قد يصبح «الخصم» شريكًا تكتيكيًا عندما تتطلب مصلحته ذلك. ومهمة الدبلوماسية هنا تقرير متى وكيف تحدد «الآخرين» وفق الرؤية الاستراتيجية التي تحكمها مصلحة دولتك. وهدف السياسة الخارجية عزل و«هزيمة الأعداء»، وتحويل «الخصوم» و«المنافسين» إلى شركاء، أو إلى «أصدقاء»، إن أمكن.
إعلام الكرملين على خطأ، لأن الولايات المتحدة ليست «عدوًا» لروسيا. وحتى خلال الحرب الباردة، تمنى قلة في الولايات المتحدة تحطيم روسيا، وجربت الولايات المتحدة ثلاث استراتيجيات هي: الاحتواء بين عامي 1948 و1968، والانفراجة في العلاقات حتى عام 1980، وأخيرًا التقهقر حتى سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفياتي.
غير أن تيلرسون على حق: فاليوم روسيا باتت «خصمًا» للولايات المتحدة. وعليه، يجب أن يكون هدف الإدارة الجديدة هو حرمان روسيا من فرصة اتباع سياسات معادية، وفي الوقت نفسه، فالباب يجب أن يُترك مفتوحًا لإقناع موسكو بالتخفيف من حدة العداوة لكي تصبح «منافسًا» في أحسن الأحوال.
وكلما كان هذا الهدف مفصلاً، كان أفضل للأطراف المعنية. والآن، يعتقد كثيرون في الكرملين وفي بعض الدوائر الغربية بوجود نقطة ضعف للرئيس ترمب تحكم تعامله مع فلاديمير بوتين. وحتى بعض خصوم ترمب وصفوه بـ«مرشح موسكو»، باعتباره أكثر عرضة للابتزاز الروسي (في عام 1828 وجهت تهمة أخلاقية إلى الرئيس جون كوينسي آدامز، عندما كان سفيرًا لبلاده في سان بطرسبورغ).
أشك في أن يكون لترمب نقطة ضعف أمام بوتين أو أي إنسان آخر غير نفسه، وحتى لو كان له نقطة ضعف، فلن تغير تلك العاطفة من طبيعة العلاقة بين الدولتين. أما بخصوص الأدلة الموجودة بحوزة بوتين، التي يستخدمها لابتزاز ترمب، فمن غير المرجح أن تضحي الولايات المتحدة بمصالحها القومية كي تغطي على فضيحة ما، أيًا كانت.
فروسيا تتعامل كخصم بعدة طرق؛ فهي تحاول فرض نموذجها الخاص من «مبدأ مونرو» على شعوب البلطيق، وعلى دول وسط وشرق أوروبا، والقوقاز ووسط آسيا، بخليط من عدة عوامل، منها الضغط، مستفيدة من التقارب الجغرافي، والحرب الدعائية، والتدخل العسكري، كما هو الحال في حالة جورجيا وأوكرانيا؛ فموسكو نجحت بالفعل في إسقاط رئيس مؤيد للولايات المتحدة في بشكيك، عاصمة قرغيزستان، وأخيرًا حققت موسكو انتصارًا آخر، بدفعها أحد حلفائها للوصول إلى كرسي الحكم في أرمينيا.
وعلى المنوال نفسه، أقنعت موسكو أذربيجان بتقليل تأييدها للمواقف الأميركية، فيما استخدمت تكتيك التملق مع كازاخستان لتحقيق هذا الهدف. ويحاول بوتين أيضًا دق إسفين بين تركيا، في لحظة ارتباكها، وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وتسعى روسيا لخلق نموذج فنلندي من جيرانها القريبين، وهم جميع الجمهوريات السوفياتية السابقة، بالإضافة إلى جمهورية إيران الإسلامية وأفغانستان (فخلال الحرب الباردة، قبلت فنلندا قيودًا معينة على سيادتها مقابل ضمان عدم غزو السوفيات لها).
غير أن إضعاف حلف الـ«ناتو» والاتحاد الأوروبي، القطبين العسكريين والسياسيين للاستراتيجية الدولية، لما يسمى بـ«العالم الحر» خلال فترة الحرب الباردة يبقى أحد أهم أهداف بوتين. وشجعت تصريحات ترمب الغامضة بشأن الـ«ناتو» والاتحاد الأوروبي على المضي قدمًا في هذه السياسة. لكن وزير الدفاع الأميركي الجديد، جيمس ماتيس، أكد الحاجة إلى «تعزيز» الناتو، فيما عبر تيلرسون عن دعمه للاتحاد الأوروبي.
يستخدم بوتين استراتيجية القرن التاسع عشر، التي تمثلت في الاتفاق عديم المعنى، الذي أبرمه مع الرئيس بشار الأسد، لاستئجار قاعدة عسكرية في سوريا لمدة 49 عامًا، حدث هذا في القرن الحادي والعشرين الذي لم يعد فيه مكان للقوى الاستعمارية. وشجع جبن أوباما على تحفيز لعبة بوتين العدوانية لتصيب كلاً من روسيا والولايات المتحدة بضرر كبير، ناهيك بكثير من الدول الأخرى التي تأثرت أيضًا.
ورغم أن روسيا ليست «عدوًا»، فإن تجريد بوتين من أوهامه سيكون له مردوده الإيجابي، ليس على الولايات المتحدة فحسب، بل على روسيا أيضًا. على ترمب أن يرحب بروسيا كمنافس للولايات المتحدة في حال كان هذا خياره، لكن عليه أن يوضح لبوتين أن لعب دور الخصم لن يكون من دون ثمن.
*نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة