قابوس بن سعيد.. وفاء وامتنان لباني نهضة عمان
يحتفل العمانيون، الخميس، بالعيد الوطني الـ51 لبلادهم وسط مشاعر من الامتنان والوفاء للسلطان الراحل قابوس بن سعيد باني نهضة بلادهم.
وفي 10 يناير/كانون الثاني، أعلن ديوان البلاط السلطاني في عمان وفاة السلطان قابوس بن سعيد عن 79 عاما بعد 49 عاما قضاها في بناء نهضة سلطة عُمان الحديثة وإقامة دولة عصرية تستلهم قيم الماضي وتنهض بالحاضر وتسير بخطى ثابتة واثقة نحو مستقبل زاهر.
وبعد توليه مقاليد الحكم 11 يناير/كانون الثاني 2020، وجه السلطان هيثم بن طارق خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء في مارس/آذار من العام ذاته، باستمرار يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني يومًا وطنيًّا للنهضة تحتفل به السلطنة كل عام الذي يوافق يوم مولد السلطان قابوس.
مولده ونشأته
ولد السلطان قابوس بن سعيد في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1940 في مدينة صلالة بمحافظة ظفار، وهو السلطان الثامن لعمان في التسلسل المباشر لأسرة آل بوسعيد، التي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد في عام 1741.
تلقى تعليمه الأساسي على أيدي أساتذة مختصين، كما درس المرحلة الابتدائية في المدرسة السعيدية بصلالة.
وفي سبتمبر/أيلول 1958 أرسله والده السلطان سعيد بن تيمور إلى المملكة المتحدة، حيث واصل تعليمه لمدة عامين في مؤسسة تعليمية خاصة في "سافوك"، وفي عام 1960 التحق بالأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية "ساند هيرست" كضابط مرشح، حيث أمضى فيهـا عامين درس خلالهما العلوم العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب البريطانية العاملة آنذاك في ألمانيا الغربية.
بعدها عاد إلى بريطانيا ودرس لمدة عام في مجال نظم الحكم المحلي، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة، ثم هيأ له والده الفرصة، فقام بجولة حول العالم استغرقت 3 أشهر، عاد بعدها إلى بلاده عام 1964 وأقام في مدينة صلالة.
وعقب عودته إلى بلاده، وعلى مدار 6 سنوات تعمق في دراسة الدين الإسلامي، وكل ما يتصل بتاريخ وحضارة عُمان دولة وشعباً على مر العصور.
وقال السلطان في أحد أحاديثه عن تلك الفترة: "كان إصرار والدي على دراسة ديني وتاريخ وثقافة بلدي له عظيم الأثر في توسيع مداركي ووعيي بمسؤولياتي تجاه شعبي والإنسانية عموماً".
وأردف: "وكذلك استفدت من التعليم الغربي وخضعت لحياة الجندية، وأخيراً كانت لدي الفرصة للاستفادة من قراءة الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من مفكري العالم المشهورين".
بتلك الحصيلة المعرفية الواسعة في مختلف المجالات، تولى السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في 23 يوليو/تموز عام 1970، وهو في الثلاثين من عمره، واضعا نصب عينيه رؤية واضحة للنهوض ببلاده.
نصف قرن من الحكم
وتولى السلطان قابوس مقاليد الحكم في السلطنة 23 يوليو/تموز 1970، ويعد أحد زعماء الخليج الذين قاموا بتأسيس مجلس التعاون الخليجي خلال قمتهم الأولى في أبوظبي مايو/أيار عام 1981.
فترة حكم السلطان قابوس التي استمرت قرابة نصف قرن، نجح خلالها في بناء دولة عصرية، حيث نقل البلاد من الحكم القبلي التقليدي إلى دولة المؤسسات والقانون، فأسس السلطة التنفيذية للدولة، وأصدر النظام الأساسي للحكم (الدستور)، واهتم بالحياة البرلمانية وتطوير مؤسساتها وتوسيع صلاحياتها.
وشهدت البلاد في عهده نقلة نوعية في التعليم والثقافة والصحة والاقتصاد والسياحة، واتسمت السياسة الخارجية لبلاده بإقامة علاقات صداقة مع العالم وتعزيز العلاقات الحسنة والمتكافئة، واعتماد سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
وعقب توليه الحكم، بدأ في تكوين سُلطة تنفيذية مؤلفة من جهاز إداري يشمل مجلس الوزراء والوزارات المختلفة، إضافة إلى الدوائر الإدارية والفنية والمجالس المتخصصة.
ومن أولى الوزارات التي أسَّسها السلطان قابوس بعد توليه مقاليد الحكم مباشرة وزارة الخارجية، محققاً بذلك روابط وصلات بالعالم الخارجي مبنية على أسس مدروسة.
وفي خطوة مهمة على طريق بناء دولة المؤسسات والقانون، أصدر السلطان قابوس عام 1996 النظام الأساسي للدولة الذي يمثل دستور سلطنة عمان، ويوفر الإطار القانوني لتطوير وتنفيذ كافة التشريعات والسياسات الحكومية.
وأصبح النظام الأساسي للدولة، منذ إصداره، يشكل الأساس للتشريعات القانونية، كما أنه يعتبر المرجعية النهائية للسلطة القضائية في سلطنة عمان.
ويحدد النظام الأساسي للسلطنة شكل الحكومة، والإطار الذي ينبغي أن تتطور في نطاقه المؤسسات التشريعية والمؤسسات السياسية الأخرى.
كما نص النظام الأساسي للدولة على إنشاء مجلس عمان الذي يتكون من مجلس الشورى، يضم بدوره أعضاء منتخبين ومجلس الدولة المعين، بالإضافة إلى القضاء المستقل، كما أنه يحدد التنظيم الهيكلي للإدارة السياسية في السلطنة.
ويركز النظام الأساسي على حقوق وواجبات العمانيين التي تتضمن عدم التمييز بأي شكل من الأشكال، وحرية التعبير والتجمع، وحق المشاركة في القرارات السياسية للدولة، وحق الملكية الخاصة والحق في الخصوصية الشخصية وحرية الدين والمساواة بين الجنسين.
وتمكنت سلطنة عمان، خلال سنوات حكمه من مواجهة التحديات والعقبات التي أمامها، من خلال تضافر كامل الجهود من المواطنين الذكور والإناث، دون فرق ما نتج عنه بناء الدولة العصرية، وتمهيد الطريق لمستقبل أفضل.
ونجحت السلطنة، في ظل توجيهات القيادة العمانية، في تحقيق الإنجازات والمساعي المرجوة، خلال عهده، بالمجالات كافة، في تحقيق الحياة الكريمة للمواطن العماني، وفقاً للإحصائيات الرسمية.
تعزيز السلام والاستقرار
على الصعيد الخارجي رسم السلطان قابوس الذي توفي عن 79 عاما، سياسة عمان الخارجية وفق أسس ومبادئ راسخة تقوم على التعايش السلمي بين جميع الشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والاحترام المتبادل لحقوق السيادة الوطنية ومد الجسور مع الآخرين، وفتح آفاق التعاون والعلاقات الطيبة مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة على امتداد العالم وفق أسس واضحة ومحددة، وتؤمن السلطنة بسياسة الحياد الإيجابي.
وبعد عام واحد من توليه الحكم انضمت عُمان إلى جامعة الدول العربية، ثم بعد نحو 10 أعوام من توليه مهام السلطنة، شارك مع قادة دول الخليج آنذاك بتأسيس مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي عام 1981.
وتعد سلطنة عمان عضوا فاعلا في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، وتعمل جنبا إلى جنب مع الأشقاء العرب في بلورة رؤى استراتيجية للقضايا العربية الراهنة ومنها القضية المحورية وهي قضية فلسطين ومناصرة حقوق الشعب الفلسطيني لاستعادة كامل حقوقه، واعتماد خيار السلام في النزاع العربي الإسرائيلي بما يحقق الأمن والسلام في المنطقة.
وفي السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2020 أعلن ديوان البلاط السلطاني أن السلطان قابوس غادر البلاد إلى بلجيكا "لإجراء بعض الفحوصات الطبية"، وبيّن أنها "ستستغرق فترة محدودة".
ورحلة بلجيكا العلاجية كانت الثالثة للسلطان قابوس منذ عام 2014، حيث سبق أن غادر بلاده إلى ألمانيا 9 يوليو/تموز 2014 لإجراء بعض الفحوصات الطبية، وقضى بها نحو 8 شهور قبل أن يعود للسلطنة في 23 مارس/آذار 2015.
قبل أن يعلن في 10 يناير/كانون الثاني 2020 وفاة السلطان قابوس بن سعيد عن 79 عاما.
aXA6IDE4LjExOC4yMjYuMTY3IA== جزيرة ام اند امز