"كيف نعمل بدون أجر؟".. صرخة عمال قطر تهدد مونديال 2022
صرخة استغاثة من عمال قطر لكل المنظمات المعنية بحقوق العمال وتنظيم المونديال في العالم تشكو استمرار انتهاك حقوقهم قبل مونديال 2022.
مآسٍ وانتهاكات بالجملة، يندى لها جبين الإنسانية، يتعرض لها العمال في قطر بشكل عام، والمرتبطون بمنشآت مونديال 2020 خاصة، وثقتها منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية في تقرير من 71 صفحة.
وعنونت المنظمة الدولية تقريرها عن وضع العمال في قطر بالسؤال (كيف نعمل بدون أجر؟)، حيث رصدت فيه انتهاكات الأجور بحق العمال الوافدين قبل كأس العالم لكرة القدم 2022.
التقرير نفسه جاء بمثابة صرخة استغاثة من عمال قطر لكل المنظمات المعنية بحقوق العمال وتنظيم المونديال في العالم، وانتفاضة حقوقية دولية ترفض استمرار النهج القطري مع العمال قبل عامين من انطلاق المونديال.
وتضمن التقرير شهادات لعمال يؤكدون أنهم يعانون الجوع في فطر نتيجة عدم تسلم رواتبهم، حتى إن بعضهم فكر بالانتحار، وخصوصا مع عدم وجود قضاء في قطر ينتصر لحقوقهم.
وبالفعل اعترفت قطر في ردها على تقرير "هيومن رايتس ووتش" بوجود انتهاكات ضد العمال لديها، إلا أنها قالت إنها "حالات فردية"، وهو التبرير الذي اعتادت الدوحة التهرب به من الانتهاكات الدولية التي تلاحقها، والتي لا تستطيع التنصل منها بسبب توثيق المنظمات العالمية لها.
استمرار قطر في نهج التبرير عبر الحجة المكررة "حالات فردية" ينبئ باستمرار تنظيم الحمدين قدما في نفس الانتهاكات، وعدم وجود أي إرادة جادة لمعالجتها.
يأتي هذا التقرير بعد نحو 3 أشهر من تظاهر مئات من العمال الأجانب في حي مشيرب الملاصق للديوان الأميري بالدوحة، احتجاجا على عدم دفع أجورهم، وهي المظاهرة التي اعترفت بها قطر، وأعلنت فتح تحقيق، لم يتم إعلان نتائجه حتى اليوم.
ووجهت المنظمة الدولية تحذيرا شديد اللهجة لقطر، مشيرة إلى أن "الوقت يمر بسرعة وأمامها سنتان قبل الركلة الأولى لمباريات كأس العالم"، داعية إياها إلى الالتزام بوعودها التي لم تفِ بها حتى الآن لوقف انتهاكات حقوق العمال.
انتهاكات بالجملة
في مؤشر يعكس خطورة تلك الانتهاكات وانتشارها، وثقت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها انتهاكات "منتشرة ومستمرة لدى 60 صاحب عمل وشركة على الأقل في قطر".
وبينت المنظمة أن أصحاب العمل في مختلف أنحاء قطر ينتهكون حق العمال بالأجر في كثير من الأحيان، فيما تجاهلت الدوحة تنفيذ التزامها أمام منظمة العمل الدولية عام 2017 بحماية العمال الوافدين من تلك الانتهاكات وبإلغاء نظام الكفالة، الذي يربط تأشيرات العمال الأجانب بأصحاب العمل.
وفي حالة تلو الأخرى، وجدت هيومن رايتس ووتش انتهاكات أجور منتشرة في وظائف عدة كتلك التي يشغلها حراس الأمن، وعمال المطاعم والمقاهي، وحراس النوادي الليلية، وعمال التنظيف، وعمال البناء.
مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، قال بدوره: "عشر سنوات مرت على فوز قطر باستضافة كأس العالم فيفا 2022، ولا يزال العمال الوافدون يعانون من تأخير دفع الأجور، أو دفعها ناقصة، أو عدم دفعها".
وأردف: "علِمنا بعمال يعانون من الجوع بسبب تأخير الأجور، وعمال مثقلين بالديون يكدون بالعمل للحصول على أجور ناقصة، وآخرين عالقين في ظروف عمل سيئة خوفا من الانتقام".
ووثقت هيومن رايتس ووتش تلك الانتهاكات عبر مقابلات أجرتها مع أكثر من 93 عاملا وعاملة وافدين يعملون لدى أكثر من 60 شركة أو صاحب عمل، وراجعت وثائق وتقارير قانونية تحضيرا لهذا التقرير.
تعتمد قطر على مليوني عامل وافد يشكلون 95% من القوى العاملة في البلد. العديد منهم يعملون في بناء أو خدمة الملاعب، والنقل، والفنادق، والبنى التحتية لكأس العالم فيفا 2022.
يأتي هؤلاء إلى قطر بحثا عن وظائف وأجور ثابتة، لكن العديد منهم يواجهون انتهاكات أجور تدفعهم إلى المزيد من الديون، ويعلقون في هذه الوظائف في ظل آليات انتصاف غير فعالة.
مآسي عمال قطر
التقرير نفسه تحدث عن أن انتهاكات الأجور تفاقمت منذ انتشار فيروس كورونا، حيث تذرّع بعض أصحاب العمل بالوباء لحجز الأجور أو رفض دفع أجور عالقة لعمال محتجزين أو مبعدين قسرا إلى أوطانهم.
ونقلت المنظمة عن بعض العمال قولهم: "إنهم لا يستطيعون حتى شراء الطعام. قال آخرون إنهم غرقوا في الديون ليستطيعوا العيش".
وفي هذا الصدد نقل التقرير عن مدير للموارد البشرية عمره 38 عاما، ويعمل في شركة بناء في قطر لديها عقد للعمل على الجزء الخارجي لأحد ملاعب كأس العالم، تأكيده أن أجره الشهري أُجِّل لأكثر من أربعة أشهر خمس مرات على الأقل بين 2018 و2019.
وأضاف: "تأثرتُ بسبب تأخر الراتب لأنني تأخرت في دفع مستحقات بطاقاتي الائتمانية، والإيجار، ورسوم مدرسة الأطفال. وحتى حاليا، راتبي متأخر شهرين.. إنها نفس القصة لجميع الموظفين من مستواي وحتى العمال. لا يمكنني أن أتخيل كيف يتدبر العمال أمورهم، لا يمكنهم أخذ قروض من البنك كما أستطيع أنا".
وفي قصة أخرى، تكشف معايير القضايا المختلفة في قطر، قال مهندس عمره 34 عاما، "أنتظر مالي منذ أغسطس/آب 2019".
وأوضح أنه لجأ إلى محكمة العمل بسبب عدم حصوله على رواتب سبعة أشهر، ما اضطره إلى الاستدانة من أصدقاء في قطر لإرسال المال إلى أهله في النيبال.
وبيّن أنه ذهب إلى المحكمة للمرة الأولى منذ عام وهو لا يزال في انتظار أمواله، قائلا: "أتضور جوعا، فأنا لا أملك المال حتى للطعام. أنا قلق بشأن كل القروض التي أخذتها هذا العام، وكيف سأستطيع إرجاعها (من خلال الإجراءات القانونية) إن لم أحصل على أجري؟.. أحيانا أعتقد أن الانتحار هو الخيار الوحيد".
وتضمن التقرير قصص مآسي للعديد من العمال، الذي قال إنهم "يشكلون نحو 95% من إجمالي القوى العاملة في البلاد يأتون من دول مثل الهند، ونيبال، والفلبين، وبنجلاديش، وكينيا، وأوغندا للبحث عن فرص دخل أفضل".
ومضى في حديثه، قائلا: "هؤلاء العمال المهاجرون مسؤولون عن بناء الملاعب ووسائل النقل والفنادق من أجل كأس العالم لكرة القدم فيفا 2022 المقبلة، وهم وحدهم المسؤولون تقريبا عن بناء البنية التحتية وتشغيل قطاع الخدمات في الدولة بأكملها".
وتابع: "في مقابل هذا العمل، يتم ضمان الحد الأدنى للأجور بقيمة 750 ريالا قطريا (206 دولارات) فقط في الشهر، والذي، عندما يُدفع كاملا في الوقت المحدد، بالكاد يكفي للعديد من العمال لتسديد ديون التوظيف، ودعم الأسر في وطنهم، وتوفير الاحتياجات الأساسية أثناء وجودهم في قطر، علاوة على ذلك، تضع انتهاكات الأجور من قبل أصحاب العمل الكثيرين في ظروف محفوفة بالمخاطر".
وما زالت قطر تضرب أسوأ الأمثلة في معاملة العمال الوافدين على أراضيها، وتركت الباحثين عن الرزق فريسة لفيروس كورونا.
ورصدت العديد من المنظمات الحقوقية ووسائل إعلام عالمية قيام نظام الحمدين بالتضحية بالعمال الأجانب وتعريض حياتهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، نتيجة ضعف إجراءات حمايتهم وتدني ظروفهم المعيشية.
أكاذيب الدوحة مستمرة
مكتب الاتصال الحكومي في قطر بدوره أصدر بيانا الإثنين، ردا على تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، اعترف فيه بوقوع انتهاكات إلا أنه بين أنها "حالات فردية"، وهو التبرير الذي اعتادت الدوحة الرد به على الانتقادات التي توجه لها.
وزعم تقرير الدوحة "أن الغالبية العظمى من الأفراد الذين قدموا إلى دولة قطر للعمل لا يتعرضون لأي شكل من أشكال الانتهاكات فيما يتعلق بالأجور باستثناء عدد قليل من الحالات الفردية".
وادعى البيان القطري أن "برنامج العمل الذي تتبناه دولة قطر يوفر الحماية لجميع العمال في مختلف مراحل دورة توظيفهم".
هذا البرنامج فندت هيومان رايتس ووتش في تقريرها ما يحويه من ثغرات وأكاذيب تجعله بلا جدوى، وبينت أن جهود السلطات القطرية لحماية حق العمال الوافدين بأجور دقيقة ومنتظمة هي إلى حد كبير غير ناجحة.
ولمعالجة انتهاكات الأجور، أنشأت الحكومة القطرية ما سمته "نظام حماية الأجور" في 2015، و"لجان فض المنازعات العمالية" في 2017، و"صندوق دعم وتأمين العمال" في 2018، بحسب بيان الدوحة.
ورداً على ذلك، قالت هيومن رايتس ووتش إن نظام حماية الأجور لا يستحق الاسم، "هو بالفعل اسم خاطئ لبرمجية لا تحمي في الواقع الأجور، ويمكن وصفه بشكل أفضل على أنه نظام لمراقبة الأجور مع وجود ثغرات كبيرة في قدرته الرقابية".
ولفتت في هذا الصدد إلى أنه "غالبا ما يصادر أصحاب العمل بطاقات العمال المصرفية التي من المفترض أن يستخدمها العمال لسحب أجورهم".
ونبهت إلى أنه "قد يصعب على العمال أن يعرضوا انتهاكات الأجور على اللجان، بالإضافة إلى كون ذلك مكلفا، ويستغرق وقتا طويلا، وغير فعال، كما يخافون من انتقام أصحاب العمل".
تحذير شديد اللهجة
المنظمة الدولية بدأت تحركات جادة لوضع المنظمات المعنية أمام مسؤولياتها، مؤكدة إرسالها نتائج هذا التقرير مع استفسارات إلى وزارتَيْ العمل والداخلية القطريّتين، وكذلك "الفيفا"، و"اللجنة العليا للمشاريع والإرث" القطرية.
وقالت الفيفا إن "لديها سياسة لعدم التسامح مطلقا مع أي شكل من أشكال التمييز وانتهاكات الأجور"، مضيفة: " من خلال عملنا لحماية حقوق عمال كأس العالم فيفا في قطر، تدرك الفيفا أهمية تدابير حماية الأجور في الدولة، ولهذا السبب وضعت ومنظمو البطولة الآخرون أنظمة قوية لمنع وتخفيف انتهاكات الأجور في مواقع كأس العالم، فضلا عن آليات للعمال لرفع المظالم، وممارسات محتملة لتوفير الانتصاف عندما لا تلتزم الشركات بمعاييرنا".
وفي تحذير لها، قال مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن "لدى قطر سنتين قبل الركلة الأولى في مباريات كأس العالم. الوقت يمر بسرعة، وينبغي على الدوحة أن تُظهر الالتزام بوعدها إلغاء نظام الكفالة، وتحسين أنظمة مراقبة الأجور، وتسريع آليات الانتصاف، ووضع تدابير جديدة لمعالجة انتهاكات الأجور".
المنظمة دعت في تقريرها إلى تعديل قانون العمل لضمان حق العمال في الإضراب وحرية تكوين الجمعيات والمفاوضة الجماعية، بما يشمل العمال الوافدين وعاملات المنازل، كما طالبت قطر "بالإعلان الفوري عن الحد الأدنى لأجور العمال الوافدين وتطبيقه".
aXA6IDEzLjU4LjE2MS4xMTUg جزيرة ام اند امز