بدأت أسماء مرعبة في أدبيات السوريين ومرتبطة بالتطرف والكراهية تطفو على السطح.
أصاب الحراك السوري منذ لحظته الأولى لعنة الإخوان، اللعنة المصحوبة دائما بخطاب مظلومية خبيث ما أن يتمكن أصحابه من الحكم حتى يفوقوا الظالم في ظلمه وإقصائه وقمعه، وكان للعالم في الدور الإخواني بمصر درسٌ منع الدول الإقليمية والغربية من القبول بتكرار التجربة أيا كانت الأسباب.
بينما كان الشباب في سوريا في بداية اندلاع أحداث 2011 يجهل أبسط أساليب ممارسة السياسة والعمل العام، انتدبت جماعة الإخوان صقور الجماعة من السوريين وجعلتهم قادة الحراك الذي اختطف من لحظة الإعلان عن مؤتمر أنطاليا الذي انعقد في مايو/أيار 2011، حيث كانت وجوها موصومة بالإرهاب والتطرف وإقصاء المكونات السورية العديدة والمتنوعة أول الحاضرين في المؤتمر، منهم ملهم الدروبي بصفة عضو للمكتب التنفيذي للمؤتمر.
مع دخول الدروبي وإقحامه للجماعة قسرا في حراك الشباب، دخلت فكرة تسليح السوريين المجنونة وغير المنطقية في ظل نظام لا يملك شيئا أكثر من السلاح؛ حيث بدأ الحديث عن تجنيد المقاتلين وتشجيع الجنود السوريين على الانشقاق، دون أن يفكر هؤلاء بتبعات قرار إخراج الشباب من مدارسهم وجامعاتهم وزجهم في حرب عسكرية غير متكافئة مع نظام عمره أكثر من 40 سنة لم يحكم سوريا فحسب بل حكم جيران سوريا أيضا بتكتيك حافظ الأسد الذي أورث ابنه دولة وعلاقات لا يستهان بها.
جارة تركيا اليوم، "إدلب"، تعيش طقوس إمارة إسلامية تمارس نسخة "قاعدية" في الحكم في انسجام ووئام كامل بين الإخوان والقاعدة؛ حيث يستلم معبر باب الهوى وهو أكبر معبر على الحدود السورية التركية "هيئة تحرير الشام" أو "النصرة " أو "القاعدة".
اختار الإخوان أن يستهينوا بكل الحقائق في مقامرة خطيرة بأرواح الشباب والهدف ليس جلب الحريات للشعب السوري بل كرسي الحكم، وما أكد هذا سيرة الإخوان والفصائل الإخوانية في سوريا التي فاقت في إجرامها وكبتها لحريات السوريين نظام الأسد.
في نهاية عام 2011، في سوريا التي تُعرف المعيشة بها بأنها غير مكلفة بالمرة، وحيث كان متوسط راتب السوري لا يزيد على 150$ قبل 2011، بدأ المال القطري يتدفق عبر الحدود التركية مع أشياء كثيرة كمعدات تنصّت ومقاتلين أجانب وآليات لحفر الأنفاق في بلد قد تكون بضعة آلاف من الدولارات كفيلة بتخريب مدينة بأكملها فيه.
بينما كان الصراع محتدما بين دعاة العسكرة والسلمية، فاز المال القطري والنفوذ التركي عبر الحدود المهلهلة باختيار الحل العسكري، وكانت لسان حال قناة الجزيرة يقول للسوريين: "فليقتل منكم ما يقتل، لن يسكت عنه المجتمع الدولي"، لا بل شجعت الجزيرة السوريين على المبالغة في عرض الحقائق وإقحام الكثير من الكذب في الحراك حتى لم يعد الناس يميزون الغث من السمين.
كانت أخبار الحراك السوري الخبر الأول في وكالات أنباء عالمية صدّقت ما حدث وتعاطفت معه، ليبدأ الشك يتسلل إلى نفوس المراقبين الموضوعيين مع إقحام المزيد من عناصر الإسلام السياسي في الحراك.
تباعا؛ بدأت أسماء مرعبة في أدبيات السوريين ومرتبطة بالتطرف والكراهية تطفو على السطح وتأخذ مناصب قيادية في المعارضة، فصار من الطبيعي أن يخرج علينا زهير سالم المتحدث باسم الإخوان، أو رياض الشقفة أو البيانوني ليتحدثوا لنا عن الحقوق والحريات وسوريا التي نحلم بها، كما سمى وليد صفور ممثل الإخوان نفسه سفيرا للمعارضين السوريين في بريطانيا (دون أن تعترف به أي جهة رسمية)، حتى النساء الممثلات للمعارضة كن من جماعة الإخوان التي تحكمت بكل شيء مثل ابنة محمد فاروق طيفور (نائب رئيس إخوان سوريا).
رغم كل الحظوة التي نالها الإخوان من الحراك السوري، ورغم الأراضي التركية التي فُتحت لهم على مصراعيها، ورغم التمويل القطري والدعم الإعلامي من الجزيرة وبناتها من القنوات الممولة قطريا، فإن الإخوان لم يتخلوا عن خطاب المظلومية. لقد توفرت لهم كل أنواع الدعم التي تحتاجها جماعة سياسية لتحقق مبتغاها، رغم ذلك، الإخوان السوريون اليوم جماعة فاشلة تقتات على المال القطري والخطاب الأردوغاني الشعاراتي؛ لأنها ببساطة اختارت ما اختارته الجماعة في مصر وهو الإقصاء والاستحواذ على السلطة.
اليوم ورغم الفشل الإخواني في مصر وسوريا؛ فلن تجد مقال نقد ذاتي واحدا كتبه إخواني في كل المواقع والصحف العربية؛ لأن الإخوان تنظيم يعيش على خطاب المظلومية وإن انتهى هذا الخطاب فنيت الجماعة.
بحلول عام 2012، كانت كل مؤسسات المعارضة قد باتت إخوانية بالكامل، وكانت المعارضة حينها تنال دعما نسبيا جيدا من الولايات المتحدة الأمريكية، كان هذا الدعم يصل عبر المؤسسات المقيمة في تركيا، وكل أنواع الدعم جيّرت لتدريب إعلامي وتقني لشباب الإخوان من الداخل السوري، معظمهم انتهى بهم الأمر مقاتلين بعد أن صار النظام يقتحم مدنهم تباعا حتى لم يبقَ بيد المعارضة سوى إدلب.
حين قرّر ترامب أن يضرب الأسد قبل أسبوع، عُرض عليه ثلاثة سيناريوهات أحدها قاسٍ ويؤدي لشل جزء من نظام بشار الأسد، إلا أن فريقه تخوف من هذا الخيار والسبب الوحيد والأكثر أهمية ليس اهتمام أمريكا ببشار الأسد الذي أعلنت صراحة أنها لن تعيد أية علاقات معه، بل كان السبب غياب البديل أو أن البديل لبشار ما زال ينظر له على أنه أسوأ.
الجماعة الإخوانية اختطفت أحلام السوريين، ووضعتهم في مكان لا يشبه إرثهم، فصارت الحدود التركية الإدلبية التي رعاها الإخوان وجماعات مقربة من تركيا أكبر بيئة حاضنة لتنظيم القاعدة.
جارة تركيا اليوم، "إدلب"، تعيش طقوس إمارة إسلامية تمارس نسخة "قاعدية" في الحكم في انسجام ووئام كامل بين الإخوان والقاعدة؛ حيث يستلم معبر باب الهوى وهو أكبر معبر على الحدود السورية التركية "هيئة تحرير الشام" أو "النصرة " أو "القاعدة".
كان التدخل التركي - القطري - الإخواني في سوريا يسيرا؛ حيث تتعاطف الذاكرة السورية مع أحداث حماة في الثمانينيات حين اجتاح حافظ الأسد مناطق الإخوان، ذهب هذا التعاطف بعيدا إلى درجة أن يتبرع عشرات الآلاف من السوريين للذهاب إلى عفرين لتحقيق مآرب أردوغانية بحتة لا تمت بصلة لمشروع الحريات السوري.
مات من هؤلاء المقاتلين المئات في عفرين دون أن يسألوا.. لماذا لم يسر بنا أردوغان نحو حلب أو حماة أو حمص أو اللاذقية حيث هجّرت مليشيات إيران أهالينا.. ما من أحد سأل ماذا نفعل في عفرين؟ على الأرجح أن مقاتلي أردوغان كبروا ولم يعودوا أولادا صغارا بل صاروا هم أيضا "إخوانا" مخضرمين ولم يعد يهمهم إن ذهبت إيران أم بقيت.. يريدون الحكم ولو في عفرين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة