وعليه فإن الباب يبقى مفتوحاً أمام احتمالات جديدة تسمح بها براجماتية الرئيس أردوغان
جاء انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من عفرين بشكل مفاجئ ليسهل دخول الجيش التركي والفصائل السورية الموالية للمدينة دون قتال تقريبا، ويؤدي إلى رفع العلم التركي على بلدية المدينة.
حسم هذه المعركة والتقدم إلى تل رفعت سيغيّر المشهد بشكل كبير بالنسبة للأكراد ولتركيا والمعارضة السورية.
فبالنسبة لتركيا فقد استطاعت بعد هذه العملية ربط الأراضي التي سيطرت عليها سابقاً خلال عملية درع الفرات ( جرابلس – أعزاز والباب) بمحافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل سورية معارضة موالية لأنقرة، بالإضافة إلى نقاط مراقبة يتواجد فيها الجيش التركي هناك، وبذلك أصبحت تركيا تسيطر على نحو 10 آلاف كيلومتر مربع وهلال ممتد من جرابلس وحتى إدلب عبر عفرين.
وبذلك تكون تركيا قد جاورت حلب، وسيطرت على مساحة مهمة من الأراضي السورية، بشكل يجعل من الصعب التوصل إلى حل سياسي في سوريا دون موافقة تركيا أو التفاوض معها.
الجيش التركي يحاول استعادة هيبته من خلال عملياته في شمال سوريا، بعد ما حلّ به خلال قضايا المخططات الانقلابية التي أودت بكثير من جنرالاته إلى السجون، والرئيس أردوغان يرضي حلفاءه القوميين من خلال تلك العمليات ضد حزب العمال الكردستاني.
عمليات تثبيت الهيمنة التركية مستمرة في هذه المنطقة، فبعد تعيين قائم مقام لكل من جرابلس أعزاز والباب، أعلن الرئيس أردوغان نيته تعيين والٍ على عفرين دون تحديد جنسية هذا الوالي، وإن كان المسؤولون الأتراك يؤكدون أنه سيكون سورياً من باب "أن يحكم أهل المنطقة منطقتهم" ، فإن اختيار هذا "الوالي" لن يخرج بطبيعة الحال عن "ولائه لتركيا" خصوصاً مع استمرار وجود الجيش التركي في المنطقة.
وقد زار عدد من المسؤولين الأتراك تلك المنطقة للاطلاع على سير تلك الأعمال مع وفد ما يسمى بالحكومة السورية المؤقتة والمعارضين السوريين الذين ينحصر دورهم في تأييد الخطوات التركية.
ترفض أنقرة بشدة اتهامات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "بنية احتلال تلك المناطق" وتقول إن من سيحكم تلك المنطقة هم أهلها فقط، لكن أنقرة تدرك أيضاً أن رفع العلم التركي في عفرين بتلك الطريقة استفز مشاعر عدد من العواصم العربية، ولا تخفي نيتها للهيمنة على تلك المناطق لأمد طويل أو على الأقل حتى الوصول إلى حل سياسي شامل في سوريا يعيد لها الاستقرار وهو ما يبدو بعيداً حتى الآن.
كما أن قطع الجيش التركي الطريق على النازحين الأكراد من عفرين لمنعهم من اللجوء إلى تركيا ودفعهم للهروب إلى مناطق النظام في نبل والزهراء يخالف سياسة تركيا القديمة؛ التي قامت على فتح حدودها أمام اللاجئين السوريين، ويثير أسئلة قوية حول وجود خطط تركية لتغيير تركيبة السكان في عفرين.
في المقابل، فإن عمليات النهب والسلب التي قام بها مقاتلو الفصائل الموالية لتركيا في عفرين – والتي وعد الجيش التركي بإجراء تحقيق فيها ورفضها الرئيس أردوغان – وكذلك اقتتال تلك الفصائل لاقتسام "الغنائم" ينفي عنهم تماماً صفة "الجيش السوري الحر"، ويضعهم في خانة المرتزقة.
فمن المثير للاستغراب رفض تلك الفصائل مقاتلة داعش ومسلحيه الأجانب الذين عاثوا فساداً في الأرض السورية، وموافقتهم في المقابل على القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية السورية.
فمن جديد يثبت حزب العمال الكردستاني أنه عبء على الشعب الكردي ويعمل في اتجاه لا يخدم مصلحة القضية الكردية، فكما أن حمله السلاح في تركيا حول القضية الكردية من قضية حقوق إلى ملف "إرهابي"، فهو في سوريا ومن خلال موقفه الضاغط على قوات سوريا الديمقراطية لرفض الوساطة الروسية لتسليم عفرين إلى النظام السوري، والدفع نحو مواجهة الجيش التركي، يتحمل وحده تسليم مدينة عفرين الكردية السورية إلى الجيش التركي.
وإن استطاع حزب العمال الكردستاني سابقاً شن هجمات على الجيش التركي انطلاقاً من سوريا والعراق، فإنه سيكون من الصعب عليه تكرار هذا الأمر في عفرين، لأنه لن يجد مناطق يهرب إليها بعد شن هجماته على عفرين.
ومع التأييد الذي أبدته المعارضة السورية لعملية عفرين، فإن كثيراً من الأكراد سيجددون تمسكهم بطلب الحكم الذاتي، بعد هذا الموقف من المعارضة الذي وضع القوات الكردية في صف "العدو" وليس في صف ابن البلد السوري.
المعارضة التركية وتحديداً الحزب الجديد حذر من وجود "صفقة" أدت إلى انسحاب القوات الكردية من عفرين فجأة، صفقة مع واشنطن للضغط على القوات الكردية للانسحاب، مقابل قبول أنقرة بأمر واقع في شرق الفرات مكون من قوات أميركية وقوات كردية داعمة لها هناك، إذ إن المعارضة التركية ترى أن مناطق شرق الفرات تشكل خطراً أكبر على تركيا من عفرين.
وتستشهد المعارضة التركية بضغط واشنطن على بغداد من أجل طرد الكردستاني من سنجار شمال العراق، وتعتبر أن ذلك قد يكون جزءاً من تلك الصفقة.
الجيش التركي يحاول استعادة هيبته من خلال عملياته في شمال سوريا، بعد ما حلّ به خلال قضايا المخططات الانقلابية التي أودت بكثير من جنرالاته إلى السجون، والرئيس أردوغان يرضي حلفاءه القوميين من خلال تلك العمليات ضد حزب العمال الكردستاني والمسلحين الأكراد في شمال سوريا والعراق.
يبقى أمام أنقرة منطقة منبج، ويقول محللون أتراك إن واشنطن قد تتوصل مع أنقرة إلى حل وسط فيها، أو قد تتركها لها في حال أبدت أنقرة إصراراً أكبر على دخولها، فما يهمّ واشنطن حقيقة هي المناطق في شرق الفرات.
لكن السؤال الذي يُطرح الآن هو، ماذا بعد عفرين؟ إذ يبدو أن حاجة أنقرة إلى التعاون مع موسكو قد انتهت بعد هذه العملية، وتبدو أنقرة بحاجة إلى تفاهمات مع واشنطن حول منبج وشرق الفرات من أجل ضمان حلول وسط، فهل ينتهي بذلك شهر العسل التركي الروسي في سوريا، وتبدأ مرحلة التفاهمات التركية الأميركية؟.
البيت الأبيض أصدر بياناً خطياً عقب لقاء الرئيس الأمريكي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون "أن على البلدين زيادة التعاون مع تركيا في سوريا". والعلاقات الغربية مع موسكو دخلت فيما يشبه الحرب الباردة الجديدة بسبب أزمة اغتيال الجاسوس الروسي في بريطانيا، وهو ما قد يجعل سوريا حلبة لهذا الصراع البارد، ما يدفع واشنطن فعلاً للبحث عن مخارج للتعاون مع أنقرة مستقبلاً هناك، على حساب المصالح الروسية في سوريا.
وقد أعلنت الخارجية التركية أن وفداً دبلوماسياً زار واشنطن لبحث شراء صواريخ باتريوت أميركية ما يثير تساؤلات حول صفقة شراء تركيا صواريخ إس400 الروسية، وإذا ما كان هناك تفاهم أميركي تركي حول تجميد الصفقة مع روسيا مقابل ضغط البيت الأبيض على الكونغرس من أجل السماح بصفقة الباتريوت.
وعليه فإن الباب يبقى مفتوحاً أمام احتمالات جديدة تسمح بها براجماتية الرئيس أردوغان الذي عودنا على تغيير حلفائه من وقت لآخر وفق ما يرى فيه مصلحته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة