ذكرى أليمة على كلّ السوريين الذين ما عادت أرض على وجه المعمورة إلا ووصلوا إليها مهاجرين من بلاد الياسمين
سبع سنوات من الحرب في سوريا مرّت دون قدرة المجتمع الدولي وقبله جامعة الدول العربية والوسطاء المحليون والدوليون كذلك من إيجاد حلّ يوقف نزيف الدم السوري.
كلّ طرف يمر على الذكرى الأليمة وفق مفهومه لما حدث على الأرض منذ عام 2011، النظام يعتبر نفسه مدافعا عن سوريا ووحدتها ويخوض حربا على مَن يُطلق عليهم إرهابيين، ويشرعن لذاته هذه الحرب تحت باب المسؤولية الكاملة عن حفظ الأمن والاستقرار في البلاد.
بينما المعارضة ترى فيها مزيدا من التحدي لما اصطلحت على تسميته ثورة ضد نظام ديكتاتوري لا يؤمن بالتعددية السياسية ويحكم البلاد وفق عقلية أمنية ظالمة في كثير من الأحيان.
ثمة أمل في أنّ سوريا من الممكن لها النهوض ثانية إذا اقتنع الطرفان المتصارعان بضرورة تقديم كلّ طرف التنازل للآخر وتفويت الفرصة على الأطراف الدولية التي تتحين الفرصة السانحة بعد إنهاك الطرفين وتقسيم سوريا على مزاج هذه الدول لفرض حلّ لن يرضي بالتأكيد المعارضة ولا النظام.
ذكرى أليمة على كلّ السوريين الذين ما عادت أرض على وجه المعمورة إلا ووصلوا إليها مهاجرين من بلاد الياسمين بحثا عن الأمن والسلام بعد تعرض بلادهم للدمار.
مشاهد كثيرة ستبقى عالقة في الذاكرة الإنسانية جمعاء عمّا حدث في سوريا، والعجز الدولي الكامل عن طمأنة السوريين، ولو بعد حين، أنّه من الممكن إيجاد حلٍّ ينهي الصراع الدائر رغم تنظيم العديد من مؤتمرات السلام، جنيف نموذجا لذلك.
في الحقيقة ما عادت الأمور بيد السوريين معارضة كانوا أو نظاما، الحرب فقط على أرضهم والمتحاربون غير سوريين، منهم مَن جاء للدفاع عن الأضرحة الدينية الخاصة به كالمليشيات الشيعية التي مارست طقوسها على مرأى العالم باستفزاز آخرين أيضا جاؤوا لحماية أهل السنة كما يدّعون من بطش هذه المليشيات كلاهما متطرف لا يهمه إنّ كان السوري سيعيش بأمن وسلام أم لا.
المشهد هذا ولّد صرخة داخلية غير مسموعة عند الغالبية التي يُطلق عليها طرفا الصراع بأنّها الفئة الرمادية، بعدم الترحيب بالطرفين المتقاتلين ولا بداعميهما ولسانُ حال هؤلاء يلهج بنكران ما يحدث رغم التخوين الذي يتعرضون له من جميع الأطراف، لعدم انجرارهم إلى أتون الاقتتال الحاصل ودعواتهم المستمرة للتهدئة وتحكيم العقل فيما يحدث والبحث عن مَخرَج يخلّص السوريين من محنتهم هذه بطرد جميع المليشيات والتنظيمات المتطرفة التي دخلت البلاد تحت مسميات عدة ولا صالح لها سوى النهب والسرقة والعيش على مقدرات الشعب السوري المأزوم.
أرقام مخيفة تلك التي تنشرها وكالات الأنباء عن سوريا، فبعد نصف مليون قتيل حتى هذه اللحظة وملايين المشردين داخل البلاد وخارجها أتى الدور على الجيل الذي دمرت الحرب مستقبله وحاضره.
نحو مليون طفل سوري خارج جدران المدارس، رقم سيكون لتداعياته السلبية بالغ الأثر في الشكل الذي سترسو عليه البلاد، كيف سيعيش هؤلاء؟، وهل الرعاية اللاحقة الموعودة بها سوريا عقب انتهاء الحرب تستطيع معالجة الضغوط النفسية لهؤلاء الأطفال؛ اليتيم منهم والمصاب والفاقد إخوته أو أبناء عمومته أو رفاقه السابقين؟.
لذلك تجد السؤال الأكثر تكرارا على لسان السوريين، مَنْ ينقذ سوريا من الجحيم الذي هي فيه ويعيدها إلى ألقها ويبث فيها الدم من جديد لتنبض ثانية وتحافظ على مكانتها الأزلية بأنها قلب العروبة النابض؟.
ما من جهة قادرة على تهيئة حلّ يرضي جميع الأطراف، وهنا يكمن لبّ المسألة السورية التي وصفها المسؤولون الأمميون غير مرة بأنّها مأساة العصر والمسألة الأشد تعقيدا منذ الحرب العالمية الثانية.
لذلك، على جميع الأطراف تقديم التنازلات والقبول بالآخر والسير بالبلاد إلى برّ الأمان والحفاظ على ما تبقى من سوريا قبل فوات الأوان واللات ساعة مندم.
إيران ماضية في مشروعها بكسب مزيد من الأرض في دمشق وفتح ممرات برية لها مع مليشيا حزب الله، بما يسهّل لها الحركة برا باعتبار أنّ تحركاتها الجوية مراقبة دوليا.
تركيا اقتطعت ثلث الشمال السوري بوصولها إلى عفرين ويصرح رئيسها رجب طيب أردوغان بأنّ قواته ستواصل عملياتها إلى منبج وتل أبيض دون معرفة ساعة مغادرة هذه القوات الأراضي السورية من عدمه، خصوصا أن الاتفاقيات الثلاثية الروسية التركية الإيرانية تكفل له ذلك أو تتغاضى وفق مصالح شريكي أنقرة في الكعكة السورية موسكو وطهران.
روسيا تهيمن على القرارين العسكري والسياسي، والولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن وجود شبه دائم في شرق الفرات.
مع كل هذا، ثمة أمل في أنّ سوريا من الممكن لها النهوض ثانية إذا اقتنع الطرفان المتصارعان بضرورة تقديم كلّ طرف التنازل للآخر وتفويت الفرصة على الأطراف الدولية التي تتحين الفرصة السانحة بعد إنهاك الطرفين وتقسيم سوريا على مزاج هذه الدول لفرض حلّ لن يرضي بالتأكيد المعارضة ولا النظام، ولكنهما سيجدان نفسيهما مجبرين على تنفيذه كما حدث في البوسنة بتوقيع اتفاق دايتون عام 1995 الذي أنهى الحرب وقسّم البلاد، وهذا السيناريو مقبلة عليه سوريا إن لم يستيقظ عقلاؤها لإنقاذ ما تبقى منها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة