6 أشهر من المقاطعة.. الدبلوماسية القطرية تسقط في اختبار التدارك
تقرير يأتي ضمن سلسلة تنشرها بوابة العين الإخبارية مع مرور نصف عام على المقاطعة العربية لقطر لدعمها الإرهاب
في الخامس من ديسمبر الجاري تكون قد انقضت 6 أشهر منذ أن أعلنت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، قطع علاقاتها بالدوحة، في خطوة توّجت رسوب الدبلوماسية القطرية في اختبار تدارك هناتها وتجاوز أخطاء حكومتها.
هذه الفترة- والتي رصدتها بوابة العين الإخبارية- كانت كافية لتأكيد إخفاق دبلوماسي طالما حاولت الدوحة إخفاءه تحت غطاء الاستثمار، أو ما يُعرف تقنياً بـ"دبلوماسية الاستثمار" في البلدان التي ترى أهمية ربط علاقات وثيقة معها.
فشل دبلوماسي يقرّ جلّ الخبراء أنه كان نتيجة وسبباً في الآن نفسه؛ نتيجة لمسارات خاطئة وقرارات مغلوطة ورؤية استشرافية ضبابية، وسبب في دخول السياسة الخارجية القطرية في متاهات كان من البديهي أن تخلق إشكالات إقليمية بتداعيات دولية.
السياسة الدولية القطرية.. تخبّط وارتباك
رغم أن التاريخ الدبلوماسي للدول عادة ما يشكّل قاعدة معلومات وأرشيف تُبنى على أساسه الخطط الإستراتيجية الآنية والمستقبلية، إلا أن الدوحة فشلت في الاتعاظ من تاريخها المُثقل بالمطبات الدبلوماسية، تماما كما فشلت في التقاط مؤشرات واضحة كانت تنذر بنفاد صبر جيرانها.
فقرار الدول الأربع قطع علاقاتها مع الدوحة إنما يشكّل نتاجاً بديهياً لسوء إدارة الدبلوماسية القطرية، ولأخطاء قاتلة متعددة ومتراكمة، وما حدث في 5 يونيو/ حزيران الماضي، ليس سوى إحدى الارتدادات التي برزت بشكل أكثر حدّة وتجلّياً.
وفي الواقع، فإن أزمات قطر مع محيطها المباشر عديدة، وتعود إلى عقود من الزمن، وسياستها الخارجية سبق وأن دفعت السعودية والبحرين والإمارات، في 5 مارس/ آذار 2014، إلى استدعاء سفرائها لدى الدوحة لمدة 9 أشهر.
قرار جاء احتجاجاً على تدخل قطر في الشؤون الداخلية لهذه الدول، حسبما تم الكشف عنه لاحقا، كما تتهم هذه الدول قطر بعدم الوفاء بالتعهدات التي قطعتها عام 2013.
ومع أن السعودية حاولت، من خلال زيارة عاهلها سلمان بن عبد العزيز إلى قطر في ديسمبر/ كانون أول 2016، مدّ جسور التواصل من جديد مع الدوحة على أمل أن تكون الأخيرة استفادت من أخطاء الماضي، وقطعت -من بين أمور أخرى- دعمها للجماعات الإرهابية، إلا أن الآمال سرعان ما خابت من جديد.
توتّر دبلوماسي يتصاعد نسقه في كل مرة بين قطر وجيرانها، قبل أن ينفجر ويجد طريقه نحو حلّ سرعان ما يضمحلّ أمام المطبات الدبلوماسية للدوحة، لتعود علاقاتها إلى المربع الأول.
وفي ظل فشل مكتب الاتصال الحكومي القطري الذي أنشأته الدوحة في 16 يونيو/ حزيران 2015، في تلميع صورتها لدى العالم، وإقناعه بأنها لا تدعم الإرهاب كما تقول دول المقاطعة، أعلنت الخارجية القطرية، مطلع نوفمبر تشرين ثان الجاري، تعيين لولوه راشد الخاطر متحدّثة رسمية باسم الوزارة.
بدا من الواضح أن الخاطر التي تعتبر أول متحدث رسمي باسم الخارجية القطرية في عهد الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي يتولى مقاليد الحكم منذ 25 يونيو/ حزيران 2013، مكلّفة بمهمة حفظ ماء وجه بلادها، وإنقاذ دبلوماسيتها الفاشلة، وفق مراقبين.
ففي خضم الأزمة الخانقة، اضطرت الدوحة للعب على أكثر من حبل؛ ضخ دماء جديدة في دبلوماسيتها، وتعيين إمرأة للمنصب بما يمنح انطباعا بأن البلد منفتح، ما يشي، بالتالي، باعتداله ورفضه للإرهاب، والأهم هو إعادة الأزمة إلى صدارة الاهتمام الدولي.
مهام متعددة لم تنجح الخاطر -حتى الآن على الأقل- في تفعيلها، في وقت تلاشت فيه أزمة قطر من الاهتمام العالمي، وبدا فيه أن الجميع تقريبا بات واثقا من ثبوت التهمة على الدوحة، وسط تعنّتها في التعامل مع مفاتيح حلها، بحسب الخارطة المقترحة من قبل دول المقاطعة.
دبلوماسية الاستثمار.. غطاء الفشل
اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقطر بدعم الإرهاب، لم يمنع الدوحة نهاية يونيو/ حزيران الماضي، من عرض ألوان علمها على مبنى "أمباير ستيت" في نيويورك الشهير، في خطوة رمزية للتذكير بالروابط الاقتصادية بين البلدين.
مفارقة أكّدت أن العزلة الاقتصادية المطبقة على الدوحة، ومساعيها لمقاومة التقلبات الدبلوماسية، دفعتها لتبني تكتيك من نوع مختلف، يرتكز إلى الحصول على حصص كبيرة في الاقتصاد الأمريكي.
وبناء على ذلك، التحفت ناطحة السحاب ذات البعد الرمزي بالنسبة للأمريكيين، بألوان شركة الخطوط الجوية القطرية والعلم القطري، في احتفال لم يقنع الكثيرين بصدقه، بمرور 10 سنوات على الرحلات الجوية بين البلدين.
وما لا يعرفه كثيرون أن قطر اشترت 10 % من أسهم ناطحة السحاب "أمباير ستيت"، المكونة من 102 طابق، بقيمة 622 مليون دولار.
وقبل أسابيع قليلة، وفي ذروة أزمتها، فاجأت قطر الجميع بإعلانها أن شركة طيرانها تعتزم شراء 10 % من رأس مال الخطوط الجوية الأمريكية، أكبر شركة طيران بالعالم.
وقبل ذلك بوقت قصير، وقّعت قطر صفقة بقيمة 12 مليار دولار لشراء 36 طائرة مقاتلة من طراز "إف- 15" من الولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت وكالة "لومبرج" الأمريكية، حينها، إن الصفقة تشمل شراء 36 مقاتلة، وسط استغراب دولي من إقدام الدوحة على إبرام صفقة مماثلة رغم انتقاد ترامب لها واتهامه بدعم الإرهاب.
"لديها (قطر) مخالب في كل مكان، وهذا أمر غريب".. هكذا علقت رندة سليم، الخبيرة في معهد الشرق الأوسط، على دبلوماسية الاستثمار التي تعتمدها قطر للتعتيم على إخفاقات سياستها الدولية.