التخبط في المسارات والاتجاهات القطرية هي التي دفعت وبقوة إلى إتمام زيارات تميم للخارج بحجة أن قطر دولة غير منبوذة في محيطها
تكشف زيارة أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا وألمانيا وفرنسا بأن هناك مخططا قطريا بالانفتاح على دول الاتحاد الأوروبي، وتوسيع دائرة الحركة أمام السياسة القطرية في الإقليم وخارجه، إلا أنها وفي المقابل وبالمنطق نفسه تشير إلى فشل لافت ومسبق في إحداث اختراق في المواقف والتوجهات الراهنة للدول التي تم الالتقاء بقادتها لعدة أسباب نستعرضها فيما يلي:
الأول: تخبط السياسة القطرية يتضح بجلاء في محاولة الذهاب إلى دول أوروبية قد لا تكون مؤثرة في نطاقاتها الاقليمية لإدارة الأزمة على مستوياتها كافة، وتنظر في تعاملاتها من أعلى، ووفقاً لمكاسب اقتصادية واستراتيجية كما جرى في استقبال تركيا على سبيل المثال للشيخ تميم، وهي التي اتبعت معه منذ بدايات الأزمة منطق المصلحة والانتهازية السياسية وحسابات النفقة والتكلفة والعائد، وهو ما يدركه الشيخ تميم وأقدم على تقديم تنازلات مباشرة للجانب التركي بصرف النظر عن اتباعه خيارا واقعيا في تحركاته، ولن تفيد تركيا قطر في مجمل الحركة الراهنة والمتوقعة، خاصة أن تركيا دخلت على خط الأزمة وفشلت في تحريكها، بل كانت الزيارة السابقة للرئيس رجب طيب أردوغان للخليج فاشلة، نظرا لتبني تركيا الموقف القطري في سياقه العام رغم محاولته الظهور بدور الوسيط المحايد، وهو ما أدركته دول المقاطعة بصورة كاملة، وتعاملت مع تداعياته مباشرة، خاصة من قبل السعودية التي عرض عليها الجانب التركي خيارات استراتيجية وشراكة عسكرية وقاعدة عسكرية، ورفضت السعودية وانفضت الوساطة التركية قبل أن تبدأ.
الثاني: يتسم الموقف القطري إزاء ألمانيا باتباع استراتيجية الدوران في المكان نفسه، خاصة أن ما تردد على لسان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لا يحمل جديدا من المطالبة بالعودة إلى فكرة الحوار والسعي لإيجاد حل بين الدول المقاطعة وقطر، بل العمل خلف الوسيط الكويتي، إذن لن يقدم الجانب الألماني خيارات جديدة، وإنما مكاسب وحسابات التواجد في الملف دون تحقيق أي اختراق، خاصة أن المانيا سبق أن طرحت دوراً في إمكانية لعب دور استراتيجي في مراقبة المصارف والبنوك القطرية داخل المنطقة وخارجها، أو الإشراف على الآلية المقترحة عربياً لمراقبة النشاطات القطرية، عموماً لن تنجح التحركات الألمانية دون دعم أمريكي في الوقت الراهن، خاصة أن الجانب الألماني ليس لديه الإمكانيات والقبول من كل الأطراف، بل المستشارة الألمانية سبق أن طرحت دوراً اصطدم وبسرعة أمام العناد القطري، ومواقفه المرتبكة والفاشلة.
التخبط في المسارات والاتجاهات القطرية هي التي دفعت وبقوة إلى إتمام زيارات تميم للخارج بحجة أن قطر دولة غير منبوذة في محيطها، وأن أميرها مرحب به في الدوائر الخارجية، برغم أن عشرات من المنظمات الدولية في أوروبا وغيرها تستعد لنقل ملف دعم قطر للإرهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية
وتجدر الإشارة هنا إلى ما قاله الشيخ تميم إن قطر ستستمر في الاستثمار في الشركات الألمانية، وستبقي قطر على حصصها في "دويتشه بنك" و"فولكس واجن" وغيرهما.
الثالث: يمتد التخبط القطري في التعامل مع ألمانيا وتركيا، والجانبان كما هو معلوم إلى حالة من الجدال السياسي والاستراتيجي، لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في الانتقادات التي توجهها العديد من الدول الأوروبية -وفي مقدمتها ألمانيا- إلى تركيا بسبب انتهاكات الحريات العامة وحقوق الإنسان، فضلا عن اتجاه الأخيرة إلى اعتقال مواطنين ألمان، ومن تركيا إلى المانيا كيف يمكن لعب دور الوساطة أو الجمع بين الأطراف المختلفة التي تعاني في الوقت الراهن من تأزم سياسي ودبلوماسي واضح، لكن التخبط في المسارات والاتجاهات القطرية هي التي دفعت وبقوة إلى إتمام زيارات تميم للخارج، بحجة أن قطر دولة غير منبوذة في محيطها، وأن أميرها مرحب به في الدوائر الخارجية على الرغم من أن عشرات من المنظمات الدولية في أوروبا وغيرها تستعد لنقل ملف دعم قطر للإرهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية، بل تكشف بعض التحركات من بعض الشخصيات الدولية في مجالات الأمن والدبلوماسية والاقتصاد لتبني خيار معاقبة قطر دولياً في قضايا تمس أمن وسلامة الاستقرار العالمي، وهو ما تتخوف منه قطر، وتسعى إلى إحباطه بخطة إعلامية ملوّنة لقلب الحقائق، والتأكيد على أنها دولة صغيرة وليست ضالعة في دعم وممارسة الإرهاب، خاصة وقد تزامن انعقاد مؤتمر المعارضة القطرية في لندن مع زيارة الشيخ تميم إلى ألمانيا وفرنسا.
وقد حاول اللوبي القطري في أوروبا ولندن إتمام زيارة للشيخ تميم لبريطانيا رداً على انعقاد المؤتمر الأول للمعارضة القطرية على الأراضي البريطانية، إلا أن خطط إتمام الزيارة باءت بالفشل، خاصة أن المخطط القطري يسعى إلى إتمام زيارات عاجلة في مناطق أخرى في أوروبا للتأكيد على أن قطر تواجه دول المقاطعة بمزيد من التحركات، إلا أنه من المضحك أن السلطات القطرية تعي تماماً أن هذه الزيارات لن تؤثر في تغيير مواقف هذه الدول لأن هدفها بالأساس المزيد من المزايدات الإعلامية، وتحقيق تواجد إعلامي في مواجهة المطالبات الأوروبية التي تقودها مراكز خبرة ودراسات ومنظمات إنسانية واستراتيجية تطالب بوقفة حازمة مع الجانب القطري، وتفعيل القرارات والتوجهات التي صدرت ضده.
الرابع: يُفهم من ردود الفعل الفرنسية على زيارة الشيخ تميم أن فرنسا تعاود طرح إشكالية الحوار بين الدول المقاطعة وقطر، إلا أن فرنسا تدرك في الوقت ذاته أن قطر تستقوي بإيران وتركيا إقليميا وبالولايات المتحدة دولياً، وأن الزيارة المباشرة للشيخ تميم ليس وراءها سوى إعادة تدوير السياسة القطرية، وهو ما دفع ببعض الأصوات السياسية والبرلمانية للتنديد بالزيارة، والرسالة التي طرحتها المعارضة الفرنسية كانت قوية بأن الشيخ تميم بات في موقع يحسد عليه، في إشارة إلى ما تعانيه الأسرة الحاكمة من ارتباك وتخبط يعم أرجاء الدولة بأكملها، في إطار طرح السياسات ونقيضها في الوقت نفسه، والرهان الخاسر للنظام في استمرار الأزمة لأطول مدة ممكنة رغم الخيارات الصفرية التي قد تصل إليها قطر مع استمرار تضررها اقتصادياً وسياسياً.
الخامس: تتخوف قطر من تبعات ما سيجري في الأمم المتحدة بعد أيام قليلة، ومع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المنتظر أن تتناول كلمات بعض الوفود إشكالية دعم قطر للإرهاب، ومن ثم فإن التحرك القطري الراهن يسعى إلى مواجهة ما سيجري على أرض الواقع، ويتطلب مزيداً من الحيل والمراوغة القطرية وتجديد الأفكار الخاصة بخطة الإشغال السياسي المستمرة على قدم وساق، التي اتبعها الشيخ تميم في جولته الأخيرة، والتي أدرك من خلالها أنه يناور في إطار الضغط على الدول من منطق المصالح المباشرة، واتباع خيار النفعية التي تحكم السياسة القطرية، علاوة على محاولة جذب دول أخرى وفقاً للنهج القطري، والذي بدأ في اتباع الخيار الإقليمي، وتوطيد العلاقات مع إيران وتركيا، ومحاولة الانفتاح الفاشل على ألمانيا وتركيا وفرنسا؛ رغم التباين بين هذه الدول في السياسات والتوجهات، ومع ذلك تتحرك السياسة القطرية في دوائر حركية عدة دون أن تنجز شيئاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة