إذا واصل النظام القطري التعنت ولم يعد للحضن الخليجي، فإن الأمر سينتهي بأن تعيش الدوحة تحت العباءة الإيرانية، والفكر الظلامي التركي.
تقوم التحالفات الدولية والتكتلات في العالم عموما من أجل تحقيق المصالح لشعوبها.
وليس في تعاون الدول عيب ولا نقصان من قيمتها بل على العكس، وخاصة مع السياسات الدولية الجديدة وتمدد المصالح عالميا أصبح التكتل مرغوبا ويحقق المصالح.
ومن أهم التكتلات التي شهدها عالمنا المعاصر، هو تأسيس الاتحاد الأوروبي الذي كان مثالا للنجاح لعقود من الزمن، تحققت عبره مصالح تجارية وثقافية واجتماعية، نجحت بفضل توافق السياسات إلى أن عصفت الأزمة الاقتصادية الدولية ببعض دول الاتحاد، وانضمت إليه دول أوروبا الشرقية، وتفاقمت ظاهرة الهجرة، كل هذه العوامل التي لم تكن في حسابات السيناريوهات المحتملة أربكت الاتحاد وخلقت بعض المشاكل التي حرص أعضاء الاتحاد على أن تبقى داخلية وأن تحكم بينهم بالعقل، ويجري العمل على البحث عن حلول لتقوية الدول الضعيفة فيه ودعمها ومساندتها.
هل وصل النظام القطري إلى التيقن والإيمان بأن أشقاءه وجيرانه هم أعداؤه، إلى درجة جعلته يتصرف الآن بمقولة "عدو عدوي صديقي"، وينعكس هذا في الحلف الثلاثي - قطر إيران تركيا - الذي بني أساسا على أموال الشعب القطري؟
ويشهد الاتحاد الأوروبي الآن عاصفة لم يتوقع حدوثها في هذا الوقت، وهي القرار البريطاني بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وبالتوازي مع مثل هذه التكتلات شهدت منطقتنا العربية، ودول الخليج تحديدا تأسيس مجلس التعاون الخليجي، الذي كان وما زال مثالا لاتحاد دول المنطقة، من أجل تحقيق مصالح شعوبها، واقتصادها ورؤاها المستقبلية.
وشهدت دول المنطقة في إطار المجلس تقدما غير مسبوق، وإنجازات اقتصادية وتقاربا في الرؤى السياسية، إلى أن أتت طعنة النظام القطري الذي خان التحالف واختار أن يخرج عن سرب أشقائه وجيرانه، ليبقى يتيما مشردا.
والفرق شاسع بين الخروج الحضاري الذي أعلنت عنه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والانشقاق الغادر الذي قام به النظام القطري.
المملكة المتحدة وحكومتها لم تخن بقية دول الاتحاد ولم تقم بأعمال خارجة عن القانون والعقد الذي جمعها بها، بل كان الخروج حضاريا، وأول مظاهر هذا التحضر هو الإعلام بإمكانياته، وأنه محتمل.
وأهم خطوة قامت بها الحكومة وقتها هي الإعلان عن استفتاء شعبي، والذي تم في بريطانيا وجاءت نتائجه لتؤيد قرار الخروج.
ورغم هذا التأييد الشعبي الذي يمنح الحكومة الشرعية الانفصال بالطريقة التي تراها مناسبة، فإنها حرصت على اتباع الطريق السليم، ولعبت الحكمة السياسية دورا للخروج بأمان سياسيا عبر المحافظة على العلاقات الجيدة ومصالح بريطانيا مع الدول الأعضاء في الاتحاد.
وكذلك ما زالت من أشد هموم تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية الحفاظ على التعاون الأمني مع دول المنطقة، والمحافظة على المصالح الاقتصادية لبلادها، وهذا يعكس بالأساس حرص الحكومة على مصالح شعبها وليس على مصالح الأفراد الحاكمين فيها.
وهنا وجه المقارنة الأساسي، فهل قام النظام القطري باستفتاء شعبه قبل أن يوجه ضربة الغدر إلى أشقائه وجيرانه؟
وهل استفتى شعبه في مليارات الدولارات التي هي أموال الشعب أساسا والتي أنفقها على دعم الفكر الإرهابي عبر وسائل الإعلام وأبواقه المأجورة في دول العالم؟
وهل الشعب القطري راض عن تحمل لعنة دماء أريقت، ودول دمرت بسبب تحريض حكومة هو "ولّاها" عليه؟
والمشكل الأساسي أن الدول أو الأشخاص الذين يكشفون يحاولون التراجع أو التوقف عن هذه الأعمال ولو لحين.
لكن تعنت النظام القطري ومواصلة دعم الأيديولوجيات الدينية المتطرفة، والأحزاب الإخونجية، ووسائل الإعلام التي تؤجج نيران الحروب في العالم هو الأمر الذي يحتاج إلى تفسير.
هل وصل النظام القطري إلى التيقن والإيمان بأن أشقاءه وجيرانه هم أعداؤه، إلى درجة جعلته يتصرف الآن بمقولة "عدو عدوي صديقي"، وينعكس هذا في الحلف الثلاثي - قطر إيران تركيا - الذي بني أساسا على أموال الشعب القطري.
والمشكل أن هذا التحالف لا يقوم على أسس الندية فتركيا وإيران يعاملان النظام القطري على اعتبار أن قطر دولة صغيرة تحتاج إلى الدعم والحماية.
في حين أن الحقائق وما يحدث الآن يعكس ضعف نظام أردوغان، وخاصة مع الهبوط الحاد الذي شهدته الليرة التركية، والتي دفعت تميم إلى أن يعلن عن دعم بـ15 مليار دولار من أموال الشعب القطري، ومرة أخرى دون استئذان،على أساس أن خزائن الدولة هي خزائن خاصة يمتلكها الوالد حمد،وعلى الرغم من الغرور والكبر الإيراني في نظرته تجاه قطر، فإن الأمير تميم متمسك بالتمسك بالعباءة الإيرانية التي نعلم جميعا وعبر عشرات السنين خط سيرها، وما تريده لنا ولشعوبنا من شر ودمار.
ونتوقع مع الانتكاسة الاقتصادية التي تشهدها إيران والتوقعات بانهيار قريب، أن يتجه الأمير تميم إلى طهران على غرار رحلة أنقرة الأخيرة ليتبرع بمليارات الدولارات من أموال شعبه لدعم التوسع الإيراني.
وإذا واصل النظام القطري الذي فقد رشده التعنت ولم يعد للحضن الخليجي، فإن الأمر سينتهي بقطر أن تعيش في الظلام تحت العباءة الإيرانية، وبالفكر الظلامي التركي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة