"فورموزا" وأخواتها.. أبواب قطر الملتوية لتدبير سيولة أجنبية
إثر رفض مؤسسات عالمية ترتيب سندات للحكومة القطرية، بدأت تبحث عن أبواب خلفية لتعزيز السيولة الأجنبية.
تلقّت قطر صدمة عنيفة بإعلان وكالة أنباء عالمية في فبراير/شباط الماضي وفي مقدمتها "رويترز" رفض بنوك عالمية بقيادة "HSBC" ترتيب أول إصدار سندات دولية للدوحة منذ مقاطعة دول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب لها؛ نظراً لارتفاع المخاطر الاستثمارية نتيجة تدهور الريال القطري وتردي الأوضاع الاقتصادية.
المفاجأة للسلطات القطرية هو طرح أمر رفض ترتيب سندات دولية في العلن، والتي كانت تستهدف قطر إصدارها بقيمة 9 مليارات دولار، وهي القيمة التي ذكرتها وكالة الأنباء الأمريكية "بلومبرج"؛ بهدف تعزيز السيولة الأجنبية بجهازها المصرفي، وفي ظل توقع نظام الحمدين أن يظل الأمر حبيس المكاتب المغلقة، فقد قطعت خطوات استباقية بالتوسع في طرق باباً خلفياً لتدبير تمويلات أجنبية من خلال سوق السندات الدولية.
بوابة التمويل الخلفية
وتمثلت هذه البوابة في اعتماد الدوحة على البنوك في التوسع في إصدار سندات دولية لسد العجز الناتج عن تآكل الودائع الأجنبية منذ المقاطعة العربية والتي 47.455 مليار ريال تم سحبها منذ مايو/آيار الماضي حتى نهاية العام الماضي لتتقلص الودائع بنسبة 34.66% خلال 7 أشهر، علماً بأن حجم سحب الودائع قابلة للزيادة في ظل تأزم الموقف الاقتصادي وتأرجح القرار السياسي القطري.
واستهل بنك قطر الوطني –المملوك للحكومة– هذه الاستراتيجية الجديدة بإصدار سندات تدعى "فورموزا" في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي بقيمة 630 مليون دولار لأجل 5 سنوات، ثم تبعها البنك بإعلان إصدار جديد ضمن البرنامج ذاته بقيمة 720 مليون دولار في 10 يناير/كانون الثاني 2018.
ولم يمر أكثر من أسبوعين فقط حتى أعلن قطر الوطني من جديد إصدار سندات تدعى "كانجرو الأسترالية" في أستراليا بقيمة 565 مليون دولار على شرائح مختلفة، لتبلغ إجمالي قيمة الأموال التي جمعها البنك خلال 4 أشهر فقط نحو 1.915 مليار دولار.
وانتهج بنك قطر التجاري السياسة نفسها بإعلانه، الخميس الماضي، موافقة الجمعية العمومية للبنك على إصدار سندات دين بقيمة ملياري دولاري بآجال استحقاق لا تزيد على 30 سنة، وتفويض مجلس الإدارة لطرح أي برامج أخرى لأدوات الدين بحد أقصى مليار دولار، فضلاً عن الموافقة على زيادة الحد المسموح به لبرنامج السندات الأوروبية متوسطة الآجال بقيمة 5 مليارات دولار.
وعلقت "رويترز" على وضع المالي القطري المتأزم، بأن البنوك القطرية ربما تحتاج إلى مزيد من الأموال التي تضخها الدولة ومصادر جديدة للتمويل من خارج منطقة الخليج؛ نظراً لمخاطر قيام بنوك ومستثمرين بسحب مزيد من الأموال في ظل نزاع دبلوماسي مع قطر.
تكلفة تمويل مرتفعة
ولكن السؤال هنا، ما هي التكلفة التي تتحملها البنوك القطرية في إصدارات السندات الدولية خاصةً المقبلة، في ظل عدة عوامل معترف بها دولياً تؤكد أن المؤسسات المالية القطرية لم تعد تتمتع بنفس الكفاءة الائتمانية التي كانت عليها سابقاً.
إذ خفضت وكالة إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية تصنيفها الائتماني السيادي طويل الأجل لقطر من AA إلى AA-، وخفضت تصنيف بنك قطر الوطني من A+ إلى A، تزامناً مع وضع جميع التصنيفات الائتمانية للبلاد تحت المراقبة مع توجه سلبي.
وخفضت مؤسسة التصنيف الائتماني "ستاندارد آند بورز" تصنيف بنك قطر الوطني من (A+) إلى (A)، ووضعته مع بنك قطر التجاري وبنك الدوحة وبنك قطر الإسلامي على قائمة المراقبة للمزيد من التخفيض مستقبلاً.
وكذلك خفضت مؤسسة التصنيف الائتماني "فيتش" تصنيف قطر درجة واحدة إلى AA- مع منحها نظرة مستقبلية سلبية.
وذكرت مذكرة بحثية أصدرتها شركة مباشر إنترشيونال، حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، أن تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية لمدة 5 سنوات ارتفعت من نحو 47 نقطة أساس بنهاية مايو/آيار 2017 إلى 62.2 نقطة بنهاية فبراير/شباط الماضي بزيادة 32.3%.
وقال الدكتور عمرو حسنين رئيس شركة الشرق الأوسط للتصنيف الائتماني "ميريس" في تصريح لـ"العين الإخبارية": إن التصنيف الائتماني لأي مصارف تتأثر حتماً بالتصنيف الائتماني لاقتصاد الدولة ككل، وبالتالي أي ارتفاع أو انخفاض في درجة التصنيف ستنعكس على العائد المقرر على إصدارات السندات الدولية للبنوك.
وفيما أكد أيمن أبوهند رئيس قطاع الاستثمار المباشر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ببنك الاستثمار الأمريكي كارتل كابيتال، لـ"العين الإخبارية" أن آلية تحديد الدول والبنوك سعر الفائدة بإصدارات السندات الدولية يعتمد على وضع هامش فوق سعر الفائدة لأذون الخزانة الأمريكية.
وأوضح أن تحديد ذلك الهامش يتوقف بصورة كبيرة على التصنيف الائتماني لاقتصاد كل دولة ومؤسساتها المالية أو الشركات العاملة بالسوق، لافتاً إلى أن تكلفة التمويل عبر سوق السندات الدولية أصبحت أيضاً أعلى تكلفة الآن في ظل توجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لزيادة أسعار الفائدة أكثر من مرة.
وبالنظر إلى إصدار قطر سندات في 2016 بقيمة 9 مليارات دولار على 3 شرائح هي 5 سنوات بعائد 2.9% و10 سنوات بعائد 3.5% و30 سنة بعائد 4.4%، فإن الهامش كان يتراوح بين 1.9% و3% عن عائد أذون الخزانة الأمريكية الذي كان يتراوح آنذاك بين 1 إلى 1.5%.
ولكن في ظل وصول معدل العائد على أذون الخزانة الأمريكية إلى 3% نتيجة سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن قطر ومؤسساتها المالية ستضطر إلى الانطلاق من نقطة أساس 3%، ووضع هامش يزيد على الهوامش السابقة في ظل تراجع تصنيفها الائتماني.
وفي ضوء ذلك من المتوقع ألا يقل الحد الأدنى للعائد على إصدارات السندات القطرية في السوق الدولية عن حاجز 5% بل ربما يتجاوز 6% في ضوء هذه المعطيات السالف ذكرها.