قطر في لبنان..موّلت اجتياح حزب الله لبيروت وأسقطت حكومتين
بينما كانت دول الخليج تتضافر للحفاظ على لبنان ومؤسساته، كانت الدوحة تعزف لحناً نشازاً عبر دعم مستمر للنشاط الهدام لـ"حزب الله"
لطالما سعت قطر للابتعاد عن الحضن الخليجي والتقارب مع إيران والجماعات الإرهابية، لأجل ضمان الحفاظ على وجودها السياسي، ولهذه الغاية كانت الدوحة مستعدة دوماً للعب كل الأدوار.
الدولة الخليجية الصغيرة تخشى من الانقلابات التي هي الطريقة الوحيدة لتداول السلطة فيها، ولذلك تلجأ إلى زعزعة استقرار الدول الأخرى بذات الروح الانقلابية، عبر حزمة من التناقضات تلعب عليها، فالدوحة مثلاً تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية ولديها علاقات قوية بإيران، وأخرى مع إسرائيل، فيما تدعم وتستقبل مختلف القيادات الإرهابية من التنظيم الإخونجي وحركة حماس في ذات الوقت.
تلعب الدوحة بالبيضة والحجر وتعمل على استثمار كل هذه التناقضات، في سبيل تعزيز وضعها على طريق إيجاد خطوط تواصل مع كل القوى المتنافرة ، ليكون لها في كل محور موطئ قدم، ومن هذه السياسة انطلقت في دعمها لحزب الله بلبنان، والذي يحفل سجله بأنشطة إرهابية في سوريا وغيرها.
وكانت حرب تموز عام 2006 مدخلاً مناسباً بالنسبة للدوحة للدخول بقوة على الخطّ، لتقدم دعماً لا مثيل له للتنظيم الإرهابي، ففي الوقت الذي كانت تتسابق فيه دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات لتقديم الدعم للدولة اللبنانية وتعزيزها، كان النظام القطري يقدم دعماً حصرياً لـ"حزب الله" فقط، ما دفع الأخير لرفع شعار "شكراً قطر".
ولم يقتصر الدعم السخي لحزب الله على المال فقط بل كان دعماً مالياً وسياسياً، تلته زيارة لأمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، وهي الزيارة المشهورة التي اُختير لها أن تكون لجنوب لبنان معقل الحزب الإرهابي.
وعن العلاقة بين حزب الله وقطر، يؤكد مصدر سياسي لـ"بوابة العين" أن الدعم القطري للحزب استمر لفترة طويلة، في ظل الانقسام الكبير بين اللبنانيين، وبفضل العلاقات الدولية للدوحة استطاعت الأخيرة توفير غطاء مالي وسياسي لنشاط الحزب التخريبي في لبنان.
وأشار المصدر إلى دور كبير لنظام الدوحة في تمويل الاعتصام الذي استمرّ شهوراً وسط بيروت يطالب بإقالة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عام 2006، والذي أدى إلى شلل اقتصادي وأزمة سياسية كبرى في البلاد.
وبينما كانت دول الخليج تتضافر للحفاظ على لبنان ومؤسسات الدولة فيه، كانت الدوحة تعزف لحناً نشازاً عبر دعم مستمر للنشاط الهدام لـ"حزب الله"، وهو الدعم الذي استمر ليؤدي في نهاية المطاف إلى توفير غطاء لأجل اقتحام الحزب لبيروت عسكرياً في 7 آيار 2008.
وهو الاقتحام الذي يروي لنا المصدر تفاصيله قائلاً:"خلال التحضير لغزوة بيروت لم تنقطع الاتصالات القطرية مع حزب الله، وحينها، قال القطريون للحزب عبر ضابط أمن قطري كان موجوداً في العاصمة اللبنانية بأنه إذا ما حصلت الغزوة العسكرية فإن الدوحة ستكون مستعدة لأجل إنجاز التسوية وهذا ما حدث.
وأضاف المصدر أن المبادرة القطرية ولدت بشكل مفاجئ خلال الأحداث، ووافق حزب الله فوراً على وقف القتال، ليأتي اتفاق الدوحة عام 2008، مقدمّة لدخول الأخيرة على الخط اللبناني بشكل رسمي، وقطع جزء من الطريق على الجهود السعودية والخليجية، خصوصاً أن الاتفاق اتخذ بديلاً إلى مرحلة من المراحل عن اتفاق الطائف الذي كان برعاية سعودية لإيقاف الحرب في لبنان، والخطير باتفاق الدوحة أنه قلّص من صلاحيات رئاسة الحكومة، حين كرّس مبدأ تشكيل حكومة الثلث المعطل الذي طالب به حزب الله.
استمرت الدوحة في تدخلها العلني بالشأن اللبناني، عبر التنسيق مع التنظيم الإرهابي، ولابد من التذكير بحسب المصدر "ما كان مفضوحاً هو الفخ الذي نصبته تركيا وقطر لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري، خلال المشاورات، وقد سرّب رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم إحدى أوراق النقاش التي أبرزها حسن نصر الله في محاولة منه للإيقاع بين السعودية والحريري، علماً أن الأخير يعتبر أن هذه الورقة تعرّضت لتزوير كبير، حين تحدث أمين عام حزب الله عن أن الحريري وافق على إلغاء المحكمة الدولية ووصفها بأنها سياسية، وحين طلب الحريري من الدوحة توضيحاً رفض حمد بن جاسم ذلك".
"في تلك الفترة كانت العلاقات بين قطر و إيران وحزب الله وتركيا في قمتها، ليصدر قرار إقالة حكومة الحريري من السفارة القطرية في بيروت، في خطوة تمهيدية لسيطرة حزب الله الكاملة على السياسة في البلاد".
لجوء قطر لقرار إسقاط حكومة سعد الحريري عام 2011، كان رداً على عودة السعودية بقوة إلى الساحة اللبنانية، من خلال مبادرة قادها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مع النظام السوري سميت بـ"السين سين"، وأدت إلى تحجيم الدور القطري.
وردا على هذه المبادرة، أوضح المصدر السياسي لـ"بوابة العين" أن "قطر لجأت إلى تحريض النظام السوري وحزب الله للانقلاب على ذلك الاتفاق والإطاحة بحكومة الحريري، لقاء مبالغ مالية طائلة، وبعد أن استطاعت كسر عزلة النظام االسوري عبر البوابة الفرنسية من خلال توقيع اتفاقيات نفطية كبرى بين الدوحة وباريس في عهد نيكولا ساركوزي، فكان الانفتاح الفرنسي على دمشق رشوة لأجل انقلاب السوريين على السعودية في لبنان، والإطاحة بالحريري".