قطر، وللأسف، أصبحت تتحرك ضمن منظومة خبيثة تهدف بالأساس إلى الاستقواء ببعض القوى الإقليمية
إن محاولات استغلال الأدوات والوسائل، بالمفهوم الاستراتيجي، من أجل تحقيق الهدف السياسي الأعلى المتمثل في لعب أدوار محورية على الساحة الإقليمية والدولية، يبقى من صميم الطموحات المشروعة لكل دولة، على اعتبار أن توسيع المجال الحيوي عن طريق لعب ورقة الاقتصاد والسياسة والإعلام والرياضة يساعد على إرساء مكانة متميزة لهذه الدول، مما يجعلها تملك قيمة تفاوضية واعتبارية لا يمكن تجاهلها.
غير أن هذا الهدف السياسي يُفترض، قانونيا وأخلاقيا، أن يتبلور في تناغم مع البيئة الإقليمية وليس، بالضرورة، على حساب الضرب في أمن وسيادة دول الجوار وتحجيمهما، ومحاولة لعب دور الزعامة من خلال "إنهاك" باقي الجيران، ولو على حساب تحالفات هجينة سياسية وغير مقبولة أخلاقيا.
إن إخضاع قطر "سياسيا"، والذي يبقى بالنسبة إلينا مسألة وقت ليس إلا، مرتبط بالأساس بمعطى آخر سيسهم في تغيير المعادلة الإقليمية، حيث تلتقي جل المؤشرات على قُرب الإنهاك المادي المحتوم لإيران.
إن محاولات الدوحة إرساء قواعد للشراكات الاستراتيجية مع قوى إقليمية وأخرى دولية، اعتمادا على ما يطلق عليه في أدبيات العلاقات الدولية بـ"دبلوماسية المحاور"، يمكن أن يكون مقبولا إذا كان الهدف المعلن هو تنويع الشركاء، تحسبا لأي "اختلال" في العلاقة مع إحدى القوى، وبالتالي التوفر على خيارات أخرى تساعد على تقوية القرار السيادي للدولة.
غير أن قطر، وللأسف، أصبحت تتحرك ضمن منظومة خبيثة تهدف بالأساس إلى الاستقواء ببعض القوى الإقليمية؛ لضرب تماسك دول الخليج العربي ومحاولة إنهاكها سياسيا وأمنيا، واستهداف الوحدة السياسية ووحدة الصف الخليجي، متوهمةً قدرتها على التربع على عرش أنظمة المنطقة في نزعة زعاماتية لا يخفيها نظام الحمدين.
في هذا السياق، فإن العلاقة المشبوهة التي ظلت تربط قطر بإيران لا يمكن إلا أن تستفز دول المنطقة التي عبرت أكثر من مرة عن استيائها من الطموحات التوسعية والاختراقات المتتالية التي يحاول القيام بها نظام الملالي في إيران، خصوصا أن قطر أغمضت أعينها، المتفتحة على جيرانها، عن سياسات الدولة الصفوية وراحت تَسْبح عكس التيار.
وهنا نسجل أن الدولة العربية الوحيدة التي رفعت من حجم تعاونها مع إيران هي قطر، وصلت إلى حد التوقيع على اتفاقية "الخيانة الأمنية" مع الحرس الثوري الإيراني منذ 2015.
في هذا السياق، شهد شهر أكتوبر من عام 2015 لقاء قائد حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي بمدير أمن السواحل والحدود في قطر علي أحمد سيف البديد، وأفرز اللقاء بينهما عن توقيع هذه الاتفاقية بذريعة "حماية الحدود المشتركة" بين البلدين، وذلك بعد عقد 12 اجتماعا في تحدٍّ غير مسبوق للدول الخليجية.
ومن بين البنود المثيرة للجدل والاستفزاز من بنود الاتفاقية السرية التي لم تعلنها الدوحة، تلك التي تنص على "منح حق تدريب قوات قطر البحرية للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني في المنطقة الحرة بجزيرة قشم جنوب إيران".
في المقابل، سعت الدوحة بكل ثقلها آنذاك لتمرير موافقة داخل مجلس التعاون لفكرة اقترحتها طهران لإنشاء "منظمة دفاعية أمنية إقليمية"، لكن هذا المسعى لم يكن ليمر على ذكاء قادة دول الخليج في ظل تصاعد النفوذ الإيراني، وارتفاع حجم المخاوف من تحركاتها.
إن ارتماء قطر في أحضان المشروع الصفوي بالمنطقة يُندر بتصعيد خطير لا يمكن التنبؤ بنتائجه، خصوصا أن حماقات "الجار الخائن" مازالت لم تعرف طريقها إلى لغة العقل والحكمة، وأغفلت، عن غباء وسوء نية، أن الرهان على وحدة المصير المشرك لدول المنطقة هو الكفيل بجعل دول الخليج قوة إقليمية صعبة على التطويع، ويسهم بشكل حاسم في تقوية القرار السيادي لدول المنطقة.
إن إخضاع قطر "سياسيا"، والذي يبقى بالنسبة إلينا مسألة وقت ليس إلا، مرتبط بالأساس بمعطى آخر سيسهم في تغيير المعادلة الإقليمية، حيث تلتقي جل المؤشرات على قُرب الإنهاك المادي المحتوم لإيران، بحكم مسؤولياتها عن التمدد السياسي وتبعاته الاقتصادية، بالنظر إلى تخصيصها سنويا لفائض مالي هائل لفائدة أذرعها السياسية والتنظيمات العسكرية القُطرية الموالية لها.
وهنا يبقى على دول الخليج مواصلة الضغط على إيران وفضحها سياسيا وأيديولوجيا، والعمل على الرد الميداني والحازم على كل المحاولات التي تحاول من خلالها إيران خنق الممرات الحيوية (مضيق هرمز ومضيق باب المندب)، وكذا العمل على الإخضاع المادي والعسكري (إن اقتضى الأمر) للأذرع العسكرية لإيران في كل من اليمن ولبنان والعراق وسوريا، وغيرها من الأدوات والوسائل (بالمفهوم الاستراتيجي) التي حاولت من خلالها إيران سحب البساط من تحت أقدام دول المنطقة، وخصوصا مراكز الثقل فيها، ممثلة في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة