من أجل ماذا تعمل الطاقة الإعلامية القطرية في إيران؟ هل تعكس الصورة الحقيقية لأوضاع الإيرانيين أم تعطي صورة مزيفة؟
هل تلعب قناة الجزيرة القطرية دورا مهما في ترويج أيدولوجية هتلر الشرق، علي خامنئي، مثلما لعب "باول جوزيف غوبلز" وزير الدعاية السياسية في عهد "أدولف هتلر" وألمانيا النازية، في تسويق الفكر النازي وتجريد الشعب الألماني من أي قوة فكرية وإعلامية رادعة لمواجهة النزعة الشمولية الباطشة في الأربعينيات من القرن المنصرم، التي استولت على البلد وبالتالي صنعت الحروب والويلات للشعب الألماني والعالم كله؟
وكانت تربط غوبلز بهتلر، علاقة الدّم والوطن، ظهرت وتعاظمت من خلال عقيدة سياسية وأيدولوجية قومية وطموحات آريانية تتطلع إلى سيادة جنس الآري على كافة أنحاء المعمورة، الذي كان في وقته هدفا مشروعا من قبل قسم كبير من الألمان القوميين، ولكن، ما الأسباب التي تربط قناة الجزيرة بدولة الولي الفقيه التي دائما تتدخل ضد المصالح العربية العليا وتدّعي أنها تحتل أربع عواصم عربية، وتعمل ليلا ونهارا لتمزيق الوطن العربي وتفريق شمل المسلمين، وتُعلم أبناءه من الفرس ومنذ الولادة وعلى مدى الحياة، الكراهية ضد العرب والنظرة الدونية للتاريخ والثقافة العربيتين؟
من أجل ماذا تعمل كل هذه الطاقة الإعلامية القطرية في إيران؟ هل تعكس الصورة الحقيقية لأوضاع الشعب الإيراني تحت مخالب نظام الولي الفقيه، أم تعطي صورة مزيفة امتدادا للإعلام المؤدلج والخاضع لتعليمات المخابرات والرقابة الأمنية المشددة في إيران، من أجل تلميع نظام الولي الفقيه والتسويق لمآربه؟
وعكسا لبعض الفضائيات الإخبارية مثل "العربية" أو "سكاي نيوز" اللّتينِ مُنعتا من النشاط داخل إيران، فإن قناة الجزيرة هي الفضائية الوحيدة التي تتمتع بمكتب إعلامي عريض طويل في العاصمة الإيرانية طهران، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، من أجل ماذا تعمل كل هذه الطاقة الإعلامية القطرية في إيران؟ هل تعكس الصورة الحقيقية لأوضاع الشعب الإيراني تحت مخالب نظام الولي الفقيه، أم تعطي صورة مزيفة امتدادا للإعلام المؤدلج والخاضع لتعليمات المخابرات والرقابة الأمنية المشددة في إيران، من أجل تلميع نظام الولي الفقيه والتسويق لمآربه؟
يبدو أن مكتب الجزيرة في طهران غير مهتم باعتقال عشرات الصحفيين وأصحاب الفكر في إيران، ولا توجد قيمة خبرية لإعدامات أهل السنة وعرب الأحواز ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، والاحتجاجات شبه يومية التي تنزل للشارع من قبل المعلمين والعمال والنساء وأبناء القوميات المتعددة في إيران، والتي تطالب بحقوقها المشروعة، هذه السياسة الإعلامية وصلت إلى التلاعب بالتقارير الأممية حول انتهاكات حقوق الإنسان في إيران والتنقية المبرمجة لها من قبل إدارة الجزيرة لإعطاء صورة وردية عن نظام دموي يحكم إيران بالنار والحديد.
ما يهم الجزيرة عن إيران، أنها دولة قوية وديمقراطية – حسب ما قال حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق، عندما زار إيران في عام 2009 بعد الاحتجاجات الشعبية ضد تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح أحمدي نجاد، وتزامنت زيارته مع اغتصاب الشبان المحتجين في سجن كهريزك جنوب العاصمة طهران – حيث قال حمد بن خليفة إن كافة الشعب الإيراني يقف مع قيادته، وأن هناك طفرة عمرانية واقتصادية في البلاد، وأعداء إيران في المنطقة يواجهونها بالنيابة عن إسرائيل وأمريكا!
هذه الصورة اللامعة التي تقدمها الجزيرة عن إيران، هي الصورة نفسها التي كان يقدمها غوبلز عن ألمانيا النازية وزعيمها أدولف هتلر، فمن خلال مهنة التضليل الإعلامي، استطاع غوبلز أن يحول موضوع افتراس وذبح الشعوب الأُخرى إلى عمل روتيني ومحق، يقوم به الألماني "الشريف" من أجل تأدية الواجب الوطني، واليوم في التضليل الإعلامي الذي ينسج في الجزيرة لصالح النظام الإيراني، نفس التجربة "الغوبلزية" تتكرر، حيث لا يوجد هناك اقتصاد متدهور في إيران، ولا أكثر من 25 مليون إيراني يعيش تحت عتبة الفقر، وإيران من منظور الجزيرة أصبحت اليوم خالية من الجريمة بلا إثم ولا هم، وقاسم سليماني يقتل العراقيين والسوريين واليمنيين واللبنانيين وغيرهم من أجل تحرير القدس!
وعلى جانب من الجزيرة باللغة العربية، تأتي الجزيرة الإنجليزية وتناشد الرأي العام الغربي، وبالتحديد الرأي العام الأمريكي، في سياق المصالح الإيرانية، وتلعب على محور الحرب والسلام الذي يثير انتباه الشعوب الغربية بعد التجربتين الأفغانية والعراقية، حيث تبذل جهودا مميتة لتقديم إيران كدولة سلام، والإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب، هي دولة حرب، والمملكة العربية السعودية تعتبر خطرا على منطقة الشرق الأوسط!
ومن خلال متابعة برنامج upfront أو "بصراحة" الذي يقدمه الشيعي-الهندي مهدي حسن على شاشة الجزيرة الإنجليزية، تتضح الصورة أكثر عن تعاليم غوبلز الذي كان يقول "كلما كبّرت الكذبة، كان تصديقها أسهل"، ومن منظور مهدي حسن في الجزيرة الإنجليزية، أن اهتمام إيران بموضوع تخصيب اليورانيوم ومفاعل ماء الثقيل في آراك من أجل الوصول إلى القنبلة النووية، يعتبر كذبة لفقتها المخابرات الأمريكية لمهاجمة إيران! وفي هذا السياق، يدّعي مهدي الجزيرة أن المخابرات الأمريكية في عهد بومبيو "خلقت" قصة أُخرى حول علاقة إيران بالقاعدة من أجل ترتيب أجواء، تشبه الأجواء التي سبقت الهجوم على العراق في عهد بوش الابن في عام 2003!
في هذه الرواية، يبدو أن الجزيرة أصبحت أكثر غوبلزية من غوبلز نفسه، حيث تلف الخبر بالأكاذيب، ثم تعدم الحقائق الجديدة بالأكاذيب القديمة! أما الكذبة العظمى لدى الجزيرة تتعلق بخطورة المملكة على المنطقة بالمقارنة مع إيران، لا شك أن دفاع المملكة عن الأمن القومي العربي والإسلامي في وجه المدّ الإيراني واحتلاله لأربع عواصم عربية – وفقا لتصريحات الإيرانيين-يعتبر خطرا على منطقة الشرق الأوسط حسب رؤية الجزيرة!
إن التضليل الإعلامي والتستر على الحقائق، اللذين قدمهما غوبلز في ألمانيا النازية، قد نبعا من مفاهيم مؤمنة بالمصالح الألمانية العليا، ولو كانت نهايته فجيعة وواجه بئس المصير ودمر ألمانيا والعالم معاً، ولكن كيف يمكن تفسير الدعاية التي تسيّرها الجزيرة ضد أهلها في الخليج لصالح دولة غاشمة؟ كيف تفسّر لنا أن ذلك من ضمن المصالح العربية العليا؟ حتى لو كان هناك اتحاد "مقدس" بين الصفوية والإخونجية من أجل المصالح الفئوية الضيقة، لا يمكن أن يبرر التضليل الإعلامي الجاري في الجزيرة ضد أهلها في الوطن العربي لمصلحة دولة الولي الفقيه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة