رغم تاريخ هذا الرجل العربي العظيم ورغم ما حدث من المحكمة الفرنسية، حرصت قناة "الجزيرة" على التحريض والترديد بخسة ودناءة ضده
من أعظم وزراء خارجية العرب سمو الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية الأسبق.
شغل منصب وزير خارجية بلاده منذ عام 1975 حتى أبريل 2015 ليكون بذلك أطول وزير خارجية استمر في خدمة بلاده بشكل متصل على مستوى العالم.
رغم تاريخ هذا الرجل العربي العظيم ورغم ما حدث من المحكمة الفرنسية، حرصت قناة "الجزيرة" على التحريض والترديد بخسة ودناءة وبعدم أخلاقية بتكرار إذاعة هذا الخبر والعزف فيه على أوتار التلميح والإساءة والافتراء على شخص وتاريخ رجل يرقد منذ سنوات بين التراب وروحه الطاهرة بين يدي خالق السماوات والأرض
ويمكن لكل من عرف الأمير سعود عن قرب، وأنا أحد الذين أسعدهم الحظ بذلك، أن يدعي أنه "تعلم من الرجل، واستفاد من خبرته، وتأثر بإنسانيته، وتعلق به بشكل من النادر أن يتكرر".
كان الأمير سعود عروبياً مسلماً ذا صبغة إنسانية عالمية، خدم دينه ووطنه وأمته بكل تفانٍ وإخلاص، وعاش حياته يدافع عن قضايا العرب من اتفاق الطائف في لبنان، إلى المصالحة الأفغانية في الرياض، ومن الطرح والدفاع الدائم عن القضية الفلسطينية إلى مبادرة السلام العربية في قمة بيروت.
كان الأمير سعود عاشقاً لمصر، قلبه وروحه فيها، وكان يؤمن دائماً بأن وحدة المصير بين مصر والسعودية هي مسألة حياة أو موت.
أذكر أنه عقب رحيل حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، طلب مني زيارة الرياض ويومها قال لي على دعوة عشاء في منزله الراقي البعيد عن البذخ: "مصر بالنسبة لنا هي مصر ستظل ذات الأهمية الاستراتيجية لنا بصرف النظر عمن يحكمها أو نظام حكمها".
يومها قال في ثقة: "قد نستطيع صناعة الأخبار لكننا لا نستطيع تغيير حقيقة التاريخ والجغرافيا لذلك مصر قدرنا ونحن قدرها".
كانت تلك لحظة موضوعية لقائد الدبلوماسية السعودية تغلب فيها على "حبه واحترامه لرئيس مصر السابق لشعوره الدائم بالامتنان لدوره في حرب تحرير الكويت، وقرر -أي الأمير سعود- أن يتعامل مع مصر الدولة، والشعب، والدور".
لم يسافر دبلوماسي منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن أكثر من الأمير سعود الفيصل، كان يقول مازحاً: "لقد عشت في الدبلوماسية 40 عاماً نصفها في الطائرات أنتقل من دولة لأخرى، ومن ملف لآخر، ومن أزمة لأخرى".
حينما تجلس مع الأمير سعود، فأنت في حضرة مثقف شامل كامل، لذلك تشعر بتأثيرات مدرسة "هيل" وجامعة "برنستون" الفذة، وخبرة الإلمام بملفات التخطيط والنفط والإدارة والدبلوماسية.
كان الأمير شخصية عالمية، متصلاً بشكل لحظي بأخبار العالم، مطلعاً بشكل مستمر على ثقافات العالم وفنونه وإصداراته الجديدة.
إجادة الرجل ثماني لغات هي الإنجليزية والفرنسية والتركية والإيطالية والألمانية والإسبانية وبعضاً من العبرية، كانت تجعله دائماً في حالة اتصال دائم مع أحداث وثقافات ومتغيرات العالم.
هذا الرجل العظيم الذي رثاه جميع زعماء العالم من واشنطن إلى بكين ومن باريس إلى لندن ومن القاهرة وبيروت إلى صنعاء والرباط، والذي قال عنه أوباما، وجون كيرى و"رولان فابيوس": "كان رجلاً بخبرة واسعة وشخصية ودودة ونبل عظيم ورؤى ثاقبة خدم بلاده بإخلاص"، هذا الرجل تعرضت سمعته الطاهرة وشرفه المهني إلى حملة تشهيرية قذرة ووضيعة.
فمنذ أيام رفضت محكمة فرنسية قبول قضية منذ أولى جلساتها مرفوعة من قبل شركة مغمورة زعمت إنتاج فيلم إباحي بطلب منه.
وبالطبع فإن قضاء العالم يشهد كل ساعة أنواعاً من هذه الادعاءات الباطلة التي يحاول بعض المرتزقة المحترفين ابتزاز المشاهير والشخصيات العامة من أجل الحصول منهم أو من ورثتهم على أي أموال خارج المحكمة، ظلماً وعدواناً، بهدف إسكاتهم وإغلاق الملف رغم عدم أحقيتهم في إقامة أي دعوى قضائية.
وفى حالة الأمير سعود -رحمه الله- فإن المحكمة الفرنسية رفضت نظر أو قبول الدعوى من أولى الجلسات لأنها أدركت دون أي مجهود بطلان الدعوى وتفهمت سوء النية وخلو أوراق الدعوى من أي دليل جدي يبرر مجرد السير في خطوات التقاضي أو حتى نظرها.
رغم تاريخ هذا الرجل العربي العظيم ورغم ما حدث من المحكمة الفرنسية، حرصت قناة "الجزيرة" على التحريض والترديد بخسة ودناءة وبعدم أخلاقية بتكرار إذاعة هذا الخبر والعزف فيه على أوتار التلميح والإساءة والافتراء على شخص وتاريخ رجل يرقد منذ سنوات بين التراب وروحه الطاهرة بين يدي خالق السماوات والأرض، وهو وحده، دون سواه، يملك حق الحساب.
أعرف أن "الدوحة" لم تحب الرياض، وأن آل ثاني لم يحبوا آل سعود، وأن الأمير الوالد ووزير خارجيته لم يطيقا الأمير سعود لأنه كان يصارحهما علناً وسراً بأخطاء وخطايا نظامهما ضد السعودية ومصر والإمارات والمنطقة كلها.
وليكُن ذلك! ولكن هذا لا يبرر التعدي على كرامة الموتى!
هنا نسأل بأي معيار أخلاقي يتعامل هؤلاء؟
وبأي منطق وعدالة يحرضون وينشرون خبراً لم يهتم به سواهم؟
وبأي خلق يتم التشهير بأحد أهم رموز الدبلوماسية العربية؟
ألا يوجد في قاموسهم الإنساني والأخلاقي مبدأ احترام حرمة الموت والموتى؟
هنا نسأل: ألا يتوقف الخلاف وينتهى الثأر التاريخي بوفاة أحد الأطراف؟.. أم أن منطق هؤلاء هو "سوف نقتص منك حتى بالخبر ونزور الوقائع والحقائق ونشوه خصومنا مهما كان الثمن، ومهما كانت قيمة الإنسان".
شيء محزن ومُخزٍ وغير أخلاقي.
رحم الله العظيم سعود الفيصل.
نقلا عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة