الإيرانيون يدركون أن ترسانتهم العسكرية قديمة وبالية، وأن أنظمة الصواريخ التي يفاخرون بها هي فقاعة لا مستقبل لها
أكثر من مرة أكدنا أن إيران نمر من ورق لا تجيد سوى الدعايات الحنجورية في مواجهة خصوم يمتلكون أحدث الأسلحة، والقدرة على بعث الرسائل الحازمة والحاسمة بقوة، وفي كل مرة لا يخرج من طهران وما حولها سوى التهديدات الجوفاء، التي لا معنى لها، ولا طائل من ورائها.
الإيرانيون يدركون أن ترسانتهم العسكرية قديمة وبالية، وأن أنظمة الصواريخ التي يفاخرون بها هي فقاعة لا مستقبل لها، والعقلاء من بينهم يؤكدون لهم أن "ميزان الانتباه" ليس في صالحهم اليوم ولا غدا ولا بعد عشرات السنين.
يدرك العالم برمته أن التوازنات الدولية لم ولن تسمح لطهران بأن تتمدد إلى الداخل السوري، أما عن إسرائيل فإن الأمر بالنسبة لها معركة حياة أو موت، إذ لا يمكن أن يسمح بتكرار الخطأ القاتل الذي أدى إلى نشوء وارتقاء حزب الله في جنوب لبنان مرة أخرى على مرتفعات الجولان، حيث تطال المدفعية قلب المدن الإسرائيلية، فما بالك بالصواريخ متوسطة أو بعيدة المدى.
طوال الأعوام القليلة الماضية كان الصراع بين تل أبيب وطهران يدور في الظل، لكن الأيام الأخيرة نقلته إلى خانة حوار النار في ميادين الوغى، عبر عمليات معلنة تعيد التأكيد على الخطوط الحمراء وترفع سقف التحدي أمام نظام طهران الذي اعتاد على توجيه التهديدات عبر شاشات التلفزة فقط وليس أكثر.
قبل بضعة أيام كان الجيش الإسرائيلي يشن من خلال سلاح الجو عملية هجومية ضد أهداف إيرانية، ردا على إطلاق صاروخ أرض-أرض من سوريا نحو إسرائيل، وقد أسفرت الهجمات الإسرائيلية عن تدمير مخازن أسلحة تابعة لإيران على الأراضي السورية، ومواقع استخبارات ومعسكرات تدريب تابعة للإيرانيين.
لم تعلن إيران أبدا عن خسائرها البشرية التي نجمت عن الضربات المشابهة السابقة، غير أنه هذه المرة بدا واضحا أن هناك مصادر مختلفة تبادر إلى إعلان الأرقام والتي تجاوزت عشرات القتلى من الحرس الثوري الإيراني المقيمين على الأراضي السورية، والساعين للتموضع هناك بما يشكل خطورة على دولة إسرائيل، وهو الأمر الذي لا ولن تقبله الولايات المتحدة الأمريكية بحال من الأحوال.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها المليشيات الإيرانية على الأراضي السورية للتدمير والقتل، وفي المقابل لم تتجاوز ردات الفعل الإيرانية القعقعة دون أي طحين.
ماذا كان الرد الإيراني على الهجمات الأخيرة؟
الرد الوحيد هو تصريح قائد القوات الجوية الإيرانية، عزيز نصير زادة، عن استعداد قوات بلاده لخوض المعركة مع إسرائيل وإزالتها من الوجود.
زاده يضيف: "أن العدو لا يجرؤ على شن عدوان على إيران. نحن مستعدون للرد على أي تهديدات إسرائيلية، وإيران مستعدة لحرب ساحقة مع إسرائيل، والقوات المسلحة الإيرانية مستعدة لليوم الذي ترى فيه تدمير إسرائيل، والشباب في القوات الجوية ينتظرون بفارغ الصبر مواجهة النظام الصهيوني ومحوه من على وجه الأرض".
يعن لنا أن نتساءل أي خداع للذات وأية أوهام باتت تخيم على عقول وقلوب نظام الملالي وعسكرييهم، وإلى أين تقودهم تلك الأوهام الكفيلة بأن تدمر إيران من الداخل قبل أن يفعل ذلك أعداؤها من الخارج؟
بالحسابات السياسية قبل العسكرية نجد إيران مأزومة بشكل غير مسبوق والذين استعموا إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في دافوس يدركون العزم والحزم اللذين وضحا في لهجته تجاه إيران، لا سيما مع الإعداد الجاري على قدم وساق لمؤتمر بولندا وإيران وإرهابها في القلب منه، بعد أن بات السكوت على هذا النظام في عيون الأمريكيين المكافئ الموضوعي لنشوء وارتقاء نازية أو فاشية جديدة على أراضي الشرق الأوسط والخليج العربي، تلك الرقعة التي لا تزال تعد ضمن أطر ودوائر الأمن العالمي، سواء من جراء احتياطيات النفط، أو قربها من إسرائيل، عطفا على أهمية موقعها الجغرافي في عالم يموج بتحركات جيوبوليتيكية في أوقاتنا الحاضرة.
الدوائر تدور والحبل يقترب من رقبة الملالي حول العالم وليس في أمريكا فقط، وعلى الناظر التطلع إلى ألمانيا، وهناك سيجد برلين تفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب تخطيط أجهزة الاستخبارات الإيرانية لعمليات اغتيال في أوروبا.
ألمانيا كانت وإلى وقت قريب في مقدمة دول الاتحاد الأوروبي الرافضة لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وقد سارعت مع فرنسا بنوع خاص لدعم وزخم فكرة "الآلية الأوروبية"، لمساعدة اقتصاد طهران، لكن جزاء "سنمار" الإيراني تجاه الأوربيين، تمثل ولا يزال في عمليات تجسس على المعارضة الإيرانية القائمة على الأراضي الأوروبية، والأكثر كارثية التخطيط المستمر والمستقر لعمليات إرهابية مسلحة ضد تلك العناصر، ولولا يقظة أجهزة الاستخبارات الأوروبية لشهدت فرنسا تحديدا في يونيو/حزيران الماضي مذبحة على أراضيها وضحاياها كانوا أعضاء مؤتمر وتجمع إيراني كبير رافض لسياسات الملالي.
العقوبات الألمانية بدأت بإلغاء التصريح الخاص بتشغيل شركة ماهان أير الجوية الإيرانية والتي تستخدم كغطاء لعمليات عسكرية حول العالم، وتأتي ألمانيا بعد فرنسا التي تأكدت بشكل رسمي من قيام إيران بالتجسس وبتهديد حياة المعارضين.
أما الجانب العسكري الذي يؤكد لنا للمرة المائة بعد الألف أن إيران نمر من ورق فيتصل بإدراكها لعجزها عن المواجهة سواء مع الجيران الإقليميين أو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.
الإيرانيون يدركون أن ترسانتهم العسكرية قديمة وبالية، وأن أنظمة الصواريخ التي يفاخرون بها هي فقاعة لا مستقبل لها، والعقلاء من بينهم يؤكدون لهم أن "ميزان الانتباه" ليس في صالحهم اليوم ولا غدا ولا بعد عشرات السنين.
يخطئ الإيرانيون إن قدروا أن هناك أطرافا دولية سوف تدافع عنهم وفي المقدمة من هولاء الروس، أولئك المعروفون ببراجماتيهم العالية، وربما الأعلى من الأمريكيين، سيما وأن شأن الإيرانيين لا يعنيهم بل المواجهة مع واشنطن هي شغلهم الشاغل، كما أن الروس ليس من مصلحتهم بالمطلق وجود قوة إيرانية نووية أو صاروخية في الجنوب منهم، ويمكن أن تضحى يوما ما شوكة في خاصرة موسكو.
هل هناك خطط حقيقية لاستهداف إيران عسكريا لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبالطبع إسرائيل؟
في أوائل يناير الجاري كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أن البيت الأبيض طلب قبل بضعة أشهر من وزارة الدفاع الأمريكية تقديم خطة لمهاجمة إيران، وذلك في أعقاب إطلاق قذائف الهاون على السفارة الأمريكية في بغداد في سبتمبر 2018.
الحديث الأخير عن عمليات عسكرية ضد إيران يتساوق والسعي الحثيث من قبل الناتو والجانب الأمريكي بنوع خاص لإقامة مطارات عسكرية في جورجيا التي يمكن أن تستخدم كموقع قريب لقصف إيران، وتتضح أهمية جورجيا كمنطلق للهجوم على إيران من خلال العلاقات التي تتعزز يوما تلو الآخر بين تبليسي وتل أبيب لا سيما على الصعيد التقني العسكري.
الخلاصة نمر إيران الورقي انكشف وسينكشف بأكثر قدر عما قريب إلى حين القارعة.. لهم آذان ولا يسمعون وعيون ولا يبصرون.. هذا حال الملالي أمس واليوم وغدا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة