صانع القرار العربي يدرك أن ما حدث في الأردن، مؤخراً، كان عبارة عن مدخل جديد لمحاولة "إنعاش" تنظيم الإخوان المسلمين في الدول العربية.
فضحت قرارات "قمة مكة" التي دعا لها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، مؤخراً، الأطراف المعتادة على الصيد في المياه العكرة مثل نظام الحمدين وتنظيم الإخوان المسلمين، الذين انتعشوا مع تصاعد الأزمة الأردنية إعلامياً، وأعطت درساً عملياً في كيفية إدارة أزمة حاول البعض أن يستغلها لتحويلها إلى فوضى أمنية تتعدى المملكة الأردنية إلى دول عربية أخرى مثل مصر، حيث تفاعل الإخوان مع تلك الأزمة.
نظام الحمدين في قطر وكذلك تركيا في موقف محرج أمام الرأي العام العربي والأردني بشكل خاص، لأنهم أصيبوا بضربة موجعة حيث نجحت "قمة مكة" في سد المنافذ على مساعيهما، وبينت مَن يساعد ومَن يسعى للتخريب
حضر "قمة مكة"، بدعوة من الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كل من صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والعاهل الأردني جلالة الملك عبدالله الثاني، للتخطيط إلى آلية مساعدة الأردن للخروج من أزمته الاقتصادية بعد قرار تطبيق الضريبة المضافة على البترول، وجاءت تلك الدعوة إلى هذه الدول باعتبارها هي المؤثرة الآن في القرار السياسي العربي، فموازين القوى اليوم تديرها السعودية ودولة الإمارات نظراً لتفاعلها مع الأزمات العربية ولحضورها في العديد من الملفات الدولية.
وإذا كانت مبادرة الملك (الحزم) سلمان بن عبدالعزيز من أجل إنقاذ الاقتصاد الأردني قد عبرت عن حرصه لتقديم وإبراز الدولة السعودية باعتبارها دولة قائدة في المنطقة وكونها تحمل على عاتقها "هم" الإنسان العربي، فإن تلك المبادرة أيضاً، تعبر عن تغيير في الانطباع السائد حول آلية اتخاذ القرارات العربية التي غالباً ما كانت تتسبب في "زيادة تأزيم" الأزمات وتعقيدها كنتيجة لعدم وجود تنسيق في المواقف العربية وبسبب تأخر اتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
صانع القرار العربي يدرك أن ما حدث في الأردن، مؤخراً، كان عبارة عن مدخل جديد لمحاولة "إنعاش" تنظيم الإخوان المسلمين في الدول العربية حيث ركبوا الموجة منذ بداية الأزمة وعملوا على تصعيدها، ولكنهم أدركوا صعوبة ذلك؛ لأسباب مختلفة منها، لأن الرأي العام العربي برغم بساطته بات على وعي بمخططات هذا التنظيم وبسبب أن وعوده التي لا تخرج عن خدمة مشاريع لدول إقليمية لها أطماعها في المنطقة العربية، وبالتالي لم تزد هذه الأزمة كلاً من نظام الحمدين وتنظيم الإخوان وتركيا، سوى قبح على صورتهم المرسومة في ذهن الإنسان العربي منذ ما كان يعرف بـ"الربيع العربي".
الأردن إحدى أكثر الدول تضرراً من تغيرات الأوضاع السياسية والأمنية الحاصلة في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا، حيث ضغطت على الوضع الاقتصادي الأردني، كما أثرت تلك الأوضاع سلباً على الحركة الاقتصادية والتبادل التجاري مع الدول الأخرى، الأمر الذي تطلب من الحكومة إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية اقتصادياً لتتناسب مع الوضع الجديد، ما يعني أن هذه التعديلات لم تكن وليدة اللحظة، ولكنها كانت فرصة سانحة ضمن العديد من التغيرات والتعديلات التي ينتظرها مثيرو الفوضى لتعويض بعض من الكثير الذي خسروه خلال الفترة الماضية في مشاريعهم التخريبية.
ولكن لم يحدث ما تمنوه، وبالتالي كانت غضبتهم واضحة من انعقاد "قمة مكة"، من خلال ما تم شنه من حملة إعلامية ضد دولة الإمارات تحديداً في العديد من الملفات، منها الملف الفلسطيني وملف اليمن، مراهنين على المزاج العربي وعاطفته في قضيتهم المركزية دون أن يدركوا أن الرأي العام العربي بات واعياً، فهم لم يتوقعوا انعقاد تلك القمة وبهذه السرعة وأن تخرج بقرارات واضحة ففشل مشروعهم.
السعودية ومعها الإمارات تتحركان في مختلف الساحات العربية، حيث نجدهما في ليبيا وموريتانيا والمغرب وسوريا والعراق ولبنان، ونجدهما مبادرتين للإسهام في حل كل مشكلة تطل برأسها بهدف زعزعة الاستقرار، أو قد تسبب قلقاً على المواطن العربي، فهما دائماً في قلب الحدث من أجل إخماد أي فتنة والسيطرة عليها قبل استفحالها، حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت لحين البحث في بدائل أخرى.
بصورة عامة سجل الملك سلمان إصراراً منذ عام 2015 على أن تتصرف المملكة باعتبارها صانعة القرار السياسي العربي متكئاً في ذلك على حليفها الاستراتيجي العربي دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشارك شقيقتها المملكة في تحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن القومي العربي من خلال العديد من المواقف السياسية، حتى باتت الدولتان اليوم تتصرفان بثبات وجرأة على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة في ملفات مكافحة الإرهاب والتطرف.
الآن نظام الحمدين في قطر وكذلك تركيا في موقف محرج أمام الرأي العام العربي والأردني بشكل خاص، لأنهم أصيبوا بضربة موجعة حيث نجحت "قمة مكة" في سد المنافذ على مساعيهما، وبينت مَن يساعد ومَن يسعى للتخريب، ولم تعد وسائل الإعلام تتحدث إلا عن التحرك السعودي السريع وحجم المنحة المقدمة لإنقاذ الأردن الدولة العربية المحورية في المنطقة وفق الجغرافية السياسية لها.
لا شك أن السرعة التي اتخذ فيها قرار عقد القمة وانعقادها يشكل نقلة نوعية في منهج اتخاذ القرارات العربية، وهذا بالتأكيد يرجع إلى التوافق السياسي الكبير بين أكثر دولتين عربيتين تأثيراً في القرار العربي، وهما الإمارات والسعودية، وهذا في الحقيقة ما كنا نفتقده خلال العقود الماضية، ما يعني أننا بصدد دور عربي جديد في إدارة الأزمات العربية تفرضها التحولات السياسية السريعة في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة