الجميع يعلم الدعم القطري للكتائب المتشددة منذ بداية الثورة؛
تابعت كمهتم بالشأن الليبي حلقة من برنامج "للقصة بقية" الذي يُبَث على قناة الجزيرة القطرية؛ وكان العنوان العريض للحلقة هو: " ليبيا...الانقلاب على الشرعية"، علماً أنني لا أدري عن أية شرعية يتحدثون، لكن لا يهم كما لا يهم أيضاً أن الفيلم الذي يروي القصة ركّز على رواية المتشددين الليبيين، أو على الأصح جناح قطر من الليبيين.
دعمٌ سند روايته لأربعة أشخاص من رموز ذلك التيار مثل محمد صوان رئيس حزب الإخوان، وعبد الفتاح القايد المتهم بالانتماء لتنظيم القاعدة، وخالد الشريف العضو في تنظيم القاعدة، وفوزي بوكتف قائد "كتيبة 17 فبراير" المدعومة من علي الصلابي المصنف على قائمة الإرهاب؛ ثم أضيفت من نعيم الغرياني مقاطع قليلة ومجتزأة من كلامه لتطعيم الرواية.
وفي بقية القصة نسجوا على المنوال نفسه؛ حيث استضافت القناة صلاح البكوش مستشار عبد الرحمن السويحلي ذا التوجه الإسلامي، ونزار كريكش القيادي في تنظيم الإخوان في ليبيا.
قطر انتقمت من القذافي بعد خلاف معه على مبلغ مالي استدانه ورفض تسديده، كما أقر بذلك حمد بن جاسم، ولذلك دعمت الجماعات الليبية المتشددة لتدمير البلاد، وقد كان ذلك يخدم أهدافاً قطرية أخرى، وهي تسليم البلاد لجماعة الإخوان.
إن حجم التلفيق والتزييف في "ليبيا...الانقلاب على الشرعية" يدفعني كمتابع للشأن الليبي لأن أستسمحكم لأروي لكم حقيقة القصة وبقيتها التي كنت قد نشرتها في مقالات متعددة، حيث كنت شاهداً على هذه المرحلة من تاريخ ليبيا.
الجميع يعلم الدعم القطري للكتائب المتشددة منذ بداية الثورة؛ لكن وحتى لا أطيل عليكم سأبدأ من بعد إعلان التحرير، حيث قدَّم محمود جبريل خطة لضم جميع التشكيلات المسلحة في جسم واحد، وذلك لجمع السلاح الذي كان يشكّل الهاجس لكل من لا يريد لليبيا أن تكون دولة فاشلة.
لكن خطة جبريل قوبلت من طرف جناح الإخوان في المجلس الانتقالي برفض شديد، حيث أصدر المجلس قراراً يلغي قرار الأول، بضم التشكيلات المسلحة في تشكيل واحد.
حينها مارس رئيس الأركان القطري ضغوطه على المجلس الانتقالي، لإلغاء قرار محمود جبريل، كما أبلغني أحد أعضاء المجلس، وبعده أطلّ علينا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة في ذلك الوقت عبر شاشات التلفزيون في مؤتمر صحفي من باريس معلناً أن من سماهم الثوار، لن يلقوا سلاحهم.. كان واضحاً أن قطر لا تريد جيشاً منظماً في ليبيا، وتصر على تقوية الجناح المتطرف من الثوار.
وبعد الانتخابات التاريخية، التي أفرزت المؤتمر الوطني، التي قال فيها الشعب الليبي "لا" بوضوح لتيار الإسلام السياسي والتيار المتشدد، حيث حصل التيار الليبرالي، بقيادة محمود جبريل، على أغلبية المقاعد، وفشل القيادي السابق في تنظيم القاعدة عبد الحكيم بلحاج، في الحصول على مقعد واحد، رغم أنه أنشأ حزباً سياسياً، واستطاع الإخوان وشخصيات متشددة أخرى، دخول المجلس والجميع يعلم كم كان حجم الأموال التي أُنفقت قبيل الانتخابات، من طرف هذه الجماعات المتشددة، ورغم ذلك لم يستطيعوا نيل ثقة الشعب الليبي.
لم يرقَ الواقع الذي أفرزته صناديق الاقتراع إذاً للجماعات المتشددة، المدعومة قطرياً، وبدأت تقتحم جلسات المؤتمر الوطني بالسلاح، واختطفت رئيس الوزراء علي زيدان في ذلك الوقت، إلى أن وصل الأمر لاقتحام مطار طرابلس، ومعارك فجر ليبيا.
وبعد ظهور عملية الكرامة في الشرق الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، دعمت قطر المتطرفين في المنطقة الشرقية، لمواجهة العملية، ودعمت جماعة فجر ليبيا في الغرب، وقد شهدنا جميعاً الحملة التي شنتها وسائل الإعلام القطرية على حفتر وعمليته.
كانت قصة التيار المتشدد مليئة بالتناقضات والكذب، أما بقية القصة التي سُرِدت مع الضيوف فقد أبدع فيها ضيف الاستوديو البكوش في تزييف الحقائق والتناقض؛ حتى وصل به الأمر لأن يقول إن الثورة المضادة بدأت منذ قيام الثورة حين تولى مصطفى عبد الجليل رئاسة المجلس الانتقالي وكان ذلك شيئاً مضحكاً ، هنا أنقل ما أبلغني به المستشار مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، حيث قال إنه بعد ساعات من إعلان انشقاقه عن نظام معمر القذافي تلقى اتصالاً من شخص قطري عرّف نفسه بأنه من الديوان الأميري، وكان يحمل رسالة شفهية من الأمير حمد تفيد بأن قطر تهنئه على الانشقاق عن نظام القذافي، وتريد أن تعرف مطالبه لمساندة الثورة.
كان رد المستشار أنه لا يطلب أي شيء، فالقضية وما فيها أنه انحاز لثورة شعبه ضد نظام معمر القذافي، خصوصاً بعد تغليب النظام للحل العسكري، كما أنه يرى هذا موقفاً داخلياً لا شأن لأحد فيه. في اليوم الثاني رن الهاتف وإذا بالشخص نفسه الذي تحدث معه أمس يقول له: الأمير حمد يريد أن يتحدث معك.. بعد السلام قال الشيخ حمد: "أريد أن أبلغك أن قطر كلها تحت تصرفكم وتحت تصرف مطالب الشعب الليبي".
تلكم بإيجاز هي أبرز أحداث القصة؛ أما بقيتها فهي أن خيار دعم المتشددين، بداية الثورة، وخيار دعمهم بعد انتهائها إلى اليوم، وخيار تغييب اللواء عبد الفتاح يونس، الذي كان يطمح إلى جيش ليبي يحفظ هيبة الدولة، وخيار إفشال مشروع المشير حفتر، الذي يطمح لبناء جيش ليبي، يكافح الإرهاب.. كل هذه أدلة واضحة على أن قطر التي دعمت الشعب الليبي في ثورته، ضد نظام القذافي، لم يكن دافع الخير المحرك الرئيسي لها، بل كان دافع الشر هو الذي حرّكها ضد نظام القذافي، أو بالأحرى ضد الدولة الليبية.
خلاصة القصة وبقيتها هي أن قطر انتقمت من القذافي بعد خلاف معه على مبلغ مالي استدانه ورفض تسديده، كما أقر بذلك حمد بن جاسم، ولذلك دعمت الجماعات الليبية المتشددة لتدمير البلاد، وقد كان ذلك يخدم أهدافاً قطرية أخرى، وهي تسليم البلاد لجماعة الإخوان لتكون مورداً مالياً لدعم نظام الإخوان في مصر، كما سيمنحها التحكم في البلاد السيطرة على الغاز الليبي المنافس الأكبر للغاز القطري...
كفاكم ضحكا على الناس بسرد قصصكم المزيّفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة