أصحاب الأقلام تفضح عصبيتهم كتاباتهم، والمذيعون ومقدمو البرامج تفضحهم وجوههم التي يزداد «احمرارها» كلما انفعلوا
المتابع لما تنشره الصحف في قطر في هذه الفترة، لابد أن يلاحظ أن الكثير منه عبارة عن شتائم وسباب يتم توجيهها لأفراد يشغلون غالباً مناصب رسمية في الدول الأربع؛ التي اتخذت قراراً بمقاطعة قطر وتصرُّ على استجابة الدوحة لمطالبها وشروطها، وأساسها وقف دعم وتمويل الإرهاب.
من ذلك على سبيل المثال مقال كتبه أخيراً أستاذ جامعي قطري، تهجَّم فيه على إحدى الشخصيات في هذه الدول بطريقة لا تليق بأكاديمي يحمل درجة علمية عُليا، ويشارك في عملية تربية جيل خليجي، فالمقال لم يتضمن سوى السب والشتم، وكان واضحاً أن الهدف منه هو الإساءة الشخصية وتفريغ شحنة غضب تعتور في داخله، من دون أن ينتبه إلى أن كل ذلك محسوب عليه، ويناقض ما تحاول الأجهزة الرسمية في بلاده ترويجه والقول بأنها لم تتأثر، وأن الحياة فيها تسير بشكل طبيعي، فمَنْ يدّعي أنه لم يتأثر لا يمكن أن يهبط إلى مثل ذلك المستوى من البذاءة.
الدليل على أن الإعلام القطري بدأ يتعب هو حالة العصبية التي صارت تسيطر على المنتمين إلى أجهزته المختلفة، والتي تبدو واضحة في مثل تلك المقالات وفي عناوين الصحف.
ولأن ذلك الكاتب الأكاديمي ليس الوحيد، ولأن آخرين أرفع منه أيضاً يشاركونه هذا المستوى، لذا صار لزاماً لفت انتباه كل من يفترض أن يكون «تقدمياً ورائداً وقيادياً»، ويقبل على نفسه بالنزول إلى هذا المستوى وارتكاب هذه الخطيئة، وإفهامهم بأن دورهم يجب أن يكون مختلفاً عن الآخرين الذين ربما كان ممكناً التجاوز عن تجاوزاتهم، ذلك أن استخدام هؤلاء لهذا الأسلوب يعني أنهم غير قادرين على المناقشة والرد بالمنطق، وبالحقائق التي يُفترض أن تكون أدواتهم وأسلحتهم، فالسب والشتم مثلهما مثل التطاول على الآخرين باليد؛ دليل ضعف وليس دليل قوة، فالقوي ومن يمتلك المنطق والمعلومة الصحيحة والقادر على الإقناع لا يُقدِم على هذه الأساليب، وإنما يواجه بما يمتلكه من حجج ومعلومات.
أيضاً لا يلجأ من يمتلك الحجج والمنطق إلى الكذب والمبالغة والتهويل، خصوصاً في مثل هذه المشكلة لأن كشفه سهل يسير، فما يتوفر لديه من حجج يكفي ليكسب و«ينتصر». المتابع لما تنشره الصحافة القطرية وما تبثّه الفضائيات هناك، خصوصاً قناة الجزيرة، يسهل عليه التأكد من هذه الحقيقة، حيث الكثير مما يُنشر ويُبَث يحتاج إلى تدقيق، ويتطلب التشكيك كثيراً في صحته.
الدليل على أن الإعلام القطري بدأ يتعب هو حالة العصبية التي صارت تسيطر على المنتمين إلى أجهزته المختلفة، والتي تبدو واضحة في مثل تلك المقالات، وفي عناوين الصحف التي اقتصرت صفحاتها الأولى منذ بداية الأزمة القطرية على نشر العناوين المثيرة والرامية إلى إغاظة المسؤولين في الدول الأربع ويحاول صائغوها تمرير ما تريد الحكومة القطرية تمريره، بُغية القول إنها مسيطرة على الأوضاع وإنها غير متأثرة بالمقاطعة بل غير مُبالية!
أصحاب الأقلام تفضح عصبيتهم كتاباتهم، والمذيعون ومقدمو البرامج تفضحهم وجوههم التي يزداد «احمرارها» كلما انفعلوا، وهم يُقدِّمون تلك البرامج، وتفضحهم أصواتهم وعيونهم التي تبدو غير قادرة على الاستقرار والثبات، وهؤلاء لا يترددون عن السب والشتم، خصوصاً إن استضافوا أشخاصاً صاروا مشهورين بهذا الأسلوب، ويعرفون أن لديهم الضوء الأخضر لقول ما يشاؤون والتهجم على من يشاؤون.
أن يرد الكاتب والإعلامي في أي مكان على أي موضوع وأن ينتقد فهذا حق لا يمكن لأحد أن ينازعه فيه ويمنعه منه، لكن التطاول على الرموز والشخصيات واعتماد أسلوب السب والشتم والإساءة أمر لا يليق خصوصاً بأولئك الذين يُعتبَرون قياديين بحكم الوظائف التي يشغلونها، والذين يفترض أن يكونوا مثالاً ونموذجاً.
إن عبارات مثل «الكذَّاب والأفّاق وعليك أن تتعلم شيم الأدب» عبارات هابطة لا يُليق استخدامها من قبل مثل أولئك الأشخاص، وكذلك لا يليق استخدام تلك العبارات التي ملخصها أن «ما أنت فيه هو من خير قطر».
نقلا عن الوطن البحرينية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة