قطر تدعو وبشكل واضح، بعد أن كانت في السنوات الماضية تنفق مليارات الدولارات على الإرهاب، من أجل أن تكون دولة مستعمرة يمثلها الإرهابيون.
قرأنا وسمعنا عن "قابلية الاستعمار" لدى الشعوب في الماضي، ووجدنا تفسيرات ومفاهيم عقلانية تبرر هذه المسألة اجتماعياً وثقافياً وأمنياً.
وشهد التاريخ على شعوب حاربت لعشرات السنين ولقرون من أجل التحرر من الاستعمار بمختلف أشكاله، هذا ما قرأناه وتعلمناه، أن الحرية كرامة والأمن حياة.
لكن ما لم نشهده من قبل هو أنظمة تدفع أموالاً لدول نواياها الاستعمارية واضحة، وتستجديهم للقدوم إلى أراضيها لاستعمارها، لأنها كدولة مستقلة نظامها يعجز عن حماية نفسه وشعبه.
يواصل النظام القطري السير والدفع بأقصى قوته في الاتجاه البالغ الخطورة، دعوة واضحة من حمد لتركيا وإيران، هذه أرضي لكم "استعمروها" لـ"حمايتي" ولكم الشعب وما ملك، هذا فعلياً وببساطة ما يعكس مطالبات قطر بتحالف إقليمي يجمعها بتركيا وإيران.
في الحالة القطرية الآن نزع النظام القطري وكالة مفوضة من شعبه، ليتاجر بكرامته وأمنه بثمن كنا نعتقد أنه رخيص أو مجاني، لكن يوماً بعد يوم كشفت الأوراق وصدمنا ثم تعدينا مرحلة الصدمة، لنرى أن حمد مدير قطر يدفع من خزينة شعبه لبيع السيادة وتهديد أمن البلاد.
الدفعة الأولى كانت من أجل شراء الإرهابيين والإخونجية واستقطابهم من كل أنحاء العالم، لتكون قطر "دار ضيافة" وبنكاً مفتوحاً لإرضائهم وتأجيج لهيب أيديولوجياتهم المسمومة.
وتواصلت الدفعات بلا حساب لدعم أعوانهم على الأراضي العربية، وفي مناطق شمال أفريقيا.
قد يكون للأمر بعض "الشرعية" إذا حاولنا تفسيره أو تبريره بأن قطر دولة صغيرة جداً ذات قدرات "كبيرة" وتبحث عن التوسع وتمديد مساحات نفوذها من أجل مستقبل أفضل لشعبها.
مثلما تفعل وفعلت دول عظمى في الماضي، وهنا لا نبرر شرعية الاستعمار لكن نحاول تفسير سلوك غير مسؤول لم نجد ولا نجد تفسيراً له.
ومن أجل فهم ما يحدث في الحالة القطرية يمكن الانطلاق من وصف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، الذي قال عبر حسابه على "تويتر": "اللعب على التناقضات وإدارتها والذي ميّز سياسة قطر أصبح أكثر صعوبة وتكلفة، فالتوازن بين دعم الإخوان وغيرهم من المتطرفين واستضافة قاعدة العديد والتنازل عن السيادة لإيران وتركيا أصبح أكثر صعوبة".
قطر تدعو وبشكل واضح، بعد أن كانت في السنوات الماضية تنفق مليارات الدولارات على الإرهاب، من أجل أن تكون دولة مستعمرة يمثلها الإرهابيون ويتولون حماية وإدارة أراضيها الجديدة، الآن هي في مأزق خطير وتتحدث عن مشروع استعمارها بشكل مغلف برداء شفاف مفضوح.
هي تدعو تركيا وإيران لـ"حمايتها"، ولا نحتاج للعودة كثيراً إلى الوراء تاريخياً لنفهم أن "الحماية" هي أحد أشكال الاستعمار الواضح للدول والشعوب.
لكن ما نحتاج فهمه هو "النظرية" القطرية في الموضوع، فعادة ما تتحجج الدول المستعمرة بحماية شعب ما لاستعماره مثلما حدث في بداية القرن الماضي عندما دخلت القوات الفرنسية تونس تحت غطاء الحماية لاستعمارها، لكن وقتها استمات الشعب ورفض هذا الشكل واعتبره استعماراً مباشراً إلى أن تحرر.
اليوم قطر وضعت نفسها في مأزق وسقطت في شرك لا خلاص منه، حاولت شراء المواقف بمليارات الدولارات ولم تنجح في إبعاد تُهم دعم الإرهاب عنها.
حمد استنزف خزينة شعبه، ووضع ابنه درعاً يتلقى الضربات عنه دون أن يعبأ، لكن الأهم أن تميم يتلقى الضربات سياسياً ودبلوماسياً، لكن من يأخذ الضربات الحقيقية هو الشعب القطري.
اليوم، يواصل النظام القطري السير والدفع بأقصى قوته في الاتجاه البالغ الخطورة، دعوة واضحة من حمد لتركيا وإيران، هذه أرضي لكم "استعمروها" لـ"حمايتي" ولكم الشعب وما ملك، هذا فعلياً وببساطة ما يعكس مطالبات قطر بتحالف إقليمي يجمعها بتركيا وإيران.
ويكفي النظر في توازنات القوى والنوايا لنفهم المساحات والفروق بين قطر و"حليفاتها".
حمد يتخبط الآن لينقذ نفسه من نتائج تصرفاته الماضية، ومن أهم هذه النتائج التي سنراها في وقت قريب هي تخلي "الإرهابيين" والإخونجية عنه متى ما خف الضخ المالي لهم.
ولا نستبعد بعد فترة أن يخرج مسؤول قطري ويصرح بتصريحات مشابهة للتي أطلقوها تأكيداً لعلاقتهم الوثيقة بإسرائيل، وتكون في المرة المقبلة تأكيداً لعلاقتهم بالإخونجية، وفي مرحلة لاحقة وبعد ضمان اختبائهم كلياً تحت العباءة الإيرانية أن يصرحوا بعلاقاتهم بـ"داعش" ودعمهم للإرهاب.
لا شيء مستبعد خاصة بعدما رأيناه من تصريحات من أمير النظام تميم في مؤتمر ميونيخ للأمن، خطاب فيه استغباء للآخرين يعكس دلالات تدني الخطاب السياسي، حيث تحدث الأسبوع الماضي عن دعوته لدول المنطقة لتوقيع اتفاقية أمنية، نظام فقد مصداقيته بمواصلة دعم الإرهاب، وفي نفس الوقت يضع يده في أيادي أعداء أشقائه في المنطقة.. تركيبة معقدة متناقضة لا يمكن تبرير سلوكياتها إلا بأنها حالة تخبط قصوى سيدفع ثمنها باهظاً الشعب القطري، الذي لا ذنب له في كل ما حدث ويحدث، ويستغلها الأتراك والإيرانيون لمحاربة دول المنطقة ومواصلة بث سمومهم فيها
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة