اختلاط الأنفاس في البالون السياسي والدعائي القطري يجعل ما يخرج منه غير مستساغ، ومنفراً لكل عاقل
من يزعم أن إيران الحالية دولة صديقة تسهم في حل مشاكل المنطقة مخدوع أو يصطاد في المياه العكرة. إنه كذلك لأنه يرى بعينيه وبأجهزة استخباراته ما تفعله ميليشيات إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن من جرائم ضد قومه وأهله، ومع ذلك يحتفظ لإيران بهذا التقدير الذي لا تستحقه.
يبدو أن البالون السياسي القطري لم يعد يتحمل المزيد من كميات ونوعيات الأنفاس التي نُفخت فيه. اختلاط الأنفاس في البالون السياسي والدعائي القطري يجعل ما يخرج منه غير مستساغ، ومنفراً لكل عاقل يميز بين الهواء النقي والغازات السامة.
أخوكم كاتب هذه السطور أدرك منذ زمن بعيد وقبل الغزو الغربي للعراق بشهور أن السياسة القطرية تمثل نشازاً في محيطها العربي والإسلامي، وأنها تنفخ في شراع مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي بدأ تنفيذه مع الغزو الأمريكي البريطاني للدولة الوطنية العراقية العربية عام 2003م، وأن قطر كسياسة وإعلام مسخَّرة لإنجاح ذلك المشروع التخريبي الصهيوني، وسبق أن كتبت مقالين حول هذا الموضوع في صحيفة الشرق السعودية أيَّام طيب الذكر رئيس التحرير قينان الغامدي. لمن يرغب الاطلاع، المقال الأول كان بعنوان: قطر والجزيرة والشرق الأوسط الجديد، عدد 393، تاريخ 31 - 12 - 2012م، والمقال الثاني بعنوان: الخليج العربي يقترب من مثلث برمودا، عدد 413 وتاريخ 20 - 1 - 2013م.
اختلاط الأنفاس في البالون السياسي والدعائي القطري يجعل ما يخرج منه غير مستساغ، ومنفراً لكل عاقلالآن وبعد مرور أربع عشرة سنة على جريمة الغزو وما خلفته من مصائب يبدو أن مشروع المحافظين الجدد الصهيوني فشل، غير قابل للتنفيذ.
في أمريكا الآن جاءت إدارة جديدة يمينية شعارها أمريكا أولاً وليس إسرائيل، ترى أن مصالحها وقدرتها التنافسية مع القوى العظمى تتطلب لملمة الأشلاء في المنطقة في كيان واحد يتصالح مع مكوناته ومصالحه ويتوافق مع المصالح الأمريكية. إيران تنسق عسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً مع روسيا، ومع ذلك تتمنى حتى في أحلام الليل أن تلتقي مصالحها مع أمريكا والعالم الغربي. حسب الظاهر أصبح هناك الآن توافق بين المصالح الأمريكية والدول العربية والإسلامية، وقد كان قبل ذلك تناقض هدام بينها أيَّام جورج بوش وباراك أوباما مع ترجيح الكفة لصالح إسرائيل وإيران. هل تستطيع دولة تفهم في السياسة والمصالح أن ترفض التصالح مع أمريكا مفضِّلةً روسيا والصين، هذا هو السؤال؟.
تفكيك الكيانات الوطنية الإقليمية ثم إعادة تركيبها كان الهدف من غزو العراق، والآن جاءت مرحلة ترميم الكيانات التي مزّقها مشروع الشرق الأوسط الجديد، للتنسيق معها كتحوّط للمستقبل في وجه القوى المعادية، الإقليمية منها والدولية، وهذه فرصة مَن يرفضها يبقى في العراء الاستراتيجي.
المهم، التصريح الأخير للسياسة القطرية قال إن قطر تتمتع بعلاقات جيدة مع أمريكا وإسرائيل وإيران وحزب الله وحماس والإخوان المسلمين، ولم يذكر مجلس التعاون.. مما يعكس حقيقة الوضع فلا بأس. كيف يستطيع أي حاوٍ أو ساحر جمع كل هذه الثعابين المتصارعة في جراب واحد؟.
نعم كانت سياسة المحافظين الجدد مخططة لدور قطر بشق الصف الخليجي والعربي والإسلامي من داخل البيت نفسه. فشل المشروع والآن جاءت لحظة الهروب إلى الأمام بتنفيس ما يختزنه البالون من روائح سامة وغير متجانسة.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة