المعطيات جميعها تشير إلى أن قطر ستظل في المدى المنظور دولة إرهابية
ما الذي يجري في قطر ويدفع الحكومة القطرية لسحب جنسية بعض مواطنيها الذين عبّروا بشجاعة عن رأيهم حول تطورات الأزمة القطرية، حيث تم سحب جنسيتهم دون محاكمات أو ذرائع تشريعية أو مرجعيات قانونية، وهو أمر يثير الريبة والتشكك، ويدفع للتساؤل، هل هذه ممارسات دولة عضو في المجتمع الدولي، ومُقيّدة كوحدة سياسية في الأمم المتحدة وعضو عامل في العشرات من الاتفاقيات الدولية؟.
ممارسات قطر بحق مواطنيها لا تعني أن الأمر يخصُّها وحدها فقط، وذلك لأنها دولة عضو في الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية ودولية، ومن الغريب أنه إلى الآن لم تصدر أي ردود فعل قوية ومباشرة من هذه المنظمات للتعامل مع هذه القضية التي بسببها أصبحت العديد من الأسر القطرية من فئة الـ"بدون"
ولماذا تصمت منظمات حقوق الإنسان وتتعامل مع الأمر بصمت أقرب إلى التواطؤ؟، كل هذا يدفعنا إلى الاعتقاد وبقوة بوجود علاقات مريبة تم تدشينها بين بعض المنظمات التي تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان والمواطنة، وبين إمارة قطر التي تقوم بأكبر حملة علاقات عامة للدفاع عن إشكالية حقوق الإنسان في قطر؛ بعيداً عن ما يتسرب من وقائع خطيرة حول التعامل مع المواطنين الرافضين لنهج وممارسات الأسرة الحاكمة، والتي باتت تحتاج إلى وقفة حقيقية تتجاوز الشجب والإدانة والانتقاد، لما يجري من تطورات تتعلق بالأزمة مع دول جوارها وظهيرها الجيواستراتيجي والأمني والسياسي والتاريخي.
أحدّد بعض النقاط في هذه الإشكالية التي تتعلق بجريمة سحب الجنسية الأصيلة من مواطني الإمارة .
أولا : المعلوم للجميع أن حق المواطنة والجنسية حقوق أصيلة لا يمكن التعرض لها أو المساس بها، أو النَيْل منها تحت أي مسمى، وأن المنح أو المنع يحتاج إلى ضوابط كاملة في الإقرار، وبالتالي فإن إجراءات السحب تحتاج إلى ضوابط تتم العودة إليها من قبل السلطة الحاكمة بالنسبة لأي دولة، وفي الحالة القطرية جاءت القرارات تباعاً بسحب الجنسية، وبإجراءات انفرادية كاملة ودون ضوابط، حيث غابت المعايير في إمارة باتت تحكمها حفنة من الشخصيات التي لا علاقة لها بممارسات الدول الرشيدة والمتزنة، وأصبح الذي يتخذ القرارات دائرة ضيّقة، لا تريد أن تنصت أو تقبل أن تسمع، وأن يكون هناك رأي آخر في الإمارة.
ثانياً : تتخذ الإجراءات القطرية؛ سواء المتعلقة بسحب الجنسية أم الخاصة بالتعامل مع الأزمة القطرية وتداعياتها؛ منحى مكرراً لم يتغيّر في الاتجاه، للرهان على أن الأمور ستمضي في صالح قطر، وهو ما يدفعها لغلق الباب أمام أي ردود فعل لا تتماشى مع خطِّها السياسي في إدارة الأزمة مع الدول المقاطعة، والتي من جانبها لن تُقدم على تغيير موقفها، وهو ما برز بوضوح في الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي.
ثالثا : تشير الإجراءات التي تتعلق بالتعامل مع المعارضة القطرية، ومع مواطني الإمارة إلى أن مخطط "الترانسفير" الذي انتهجه تنظيم الحمدين؛ بتهجير قبيلتَيْ آل مرة والهواجر يدلّ على أننا أمام ممارسات دولة إرهابية بالفعل، تطبّق نفس الإجراءات التي قامت بها دولة الاحتلال الاسرائيلي داخل فلسطين، وتشبه بالفعل عمليات الترحيل لأسر المقدسيين والمواطنين، وهو ما يتكرر على الملأ في قطر وتحت سمع وبصر مجتمع دولي لا يتعامل بجدية مع هذه الممارسات؛ التي لم يعد لها وجود حقيقي في أي دولة في العالم بعد انتهاء نظام "الأبارتهايد" العنصري في جنوب أفريقيا منذ سنوات، ليعود في إمارة قطر التي استنكرت رسمياً ما يجري من تهجير لمواطني الروهينجا، وهذا دليل آخر على مدى التناقض الذي يحدث في قطر، ومستمر بدون أن يقف عند حد معين.
رابعا : إن استمرار ممارسات قطر بحق مواطنيها لا يعني أن الأمر يخصُّها وحدها فقط، حيث إنها دولة عضو في الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية ودولية، والغريب أنه إلى الآن لم تصدر أي ردود فعل قوية ومباشرة من هذه المنظمات للتعامل مع هذه القضية، التي بسببها أصبحت العديد من الأسر القطرية من فئة الـ"بدون"، وهم مواطنو دولة ولهم كامل الحقوق والواجبات، ومع ذلك تم سحب الجنسية بقرارات مباشرة من أسرة حاكمة، تظنُّ أنها قادرة على الحكم والاستمرار بأساليب عفا عليها الزمن، ولم يعد يلجأ إليها سوى الأنظمة الفاشلة التي تمارس كل أساليب القهر والأوتوقراطية في حق مواطنيها؛ لدفعهم إلى الانصياع لقراراتها وتبني مواقفها غير الصحيحة.
خامسا : يُشار إلى أن قرارات سحب الجنسية، كما هو معلوم ليست الأولى في تاريخ السلطات القطرية، حيث سبق وأن استخدمته عام 2005، عندما سحبت جنسية عددا من قبيلة بني مرة، وهو أمر يتكرر في الوقت الراهن، وبصورة تجعل قرار سحب الجنسية بيد الشيخ تميم، على اعتبار أن القضاء ليست له صلاحيات دستورية أو نظامية في مراجعة ما يُتخذ من إجراءات تنظم سير قرارات المنح والمنع للجنسية، وبرغم وجود ضوابط ومعايير دولية ينظمها القانون الدولي العام في هذا السياق، والذي من المفروض أن تعترف به قطر باعتبارها دولة في التنظيم الدولي ونظم المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتتعامل معه ومن ثم تخضع لسياقه القانوني بصرف النظر عن عدم وجود الضوابط المانعة لهذا وفقاً للداخل القطري الراهن.
سادسا : إذا كان هذا هو الحال مع شيوخ ورموز أكبر القبائل القطرية، وإقدام الإمارة على التعامل معهم بهذه الصورة، فما بالنا بالحالات الأخرى التي تم التعامل معها من قبل الأسرة الحاكمة التي ترفض أية تدخلات في مراجعة قراراتها التعسفية؟، والتي يبدو أنها لم تدرك خطورة قراراتها المتعلقة بسحب الجنسية، والتي ربما قد تمتد إلى بعض الشخصيات النافذة الكبيرة داخل الأسرة من الرافضين لنهج وتوجه الإمارة، ومن ثم وفي حال تصاعد الموقف، فمن المحتمل أن تقدم الأسرة الحاكمة على قرار حاسم بسحب الجنسية من بعض المشايخ الكبار لوقف تنامي المعارضة داخل الأسرة وتوجهاتها، وهو ما يشير إلى تصعيد من الأسرة الحاكمة في وجه المعارضين، وكمسعى لتطويق موجة التحفظ والاعتراض على نهج الأسرة الراهن، والذي سيكون له تداعيات سلبية على الشعب القطري، والنيل من موارده وثرواته التي تبددها الأسرة الحاكمة بدليل ما يجري من قرارات أقدم عليها صندوق قطر للاستثمار من شراء أصول في عدة دول؛ بهدف كسب موقفها في دعم قطر ومحاولة توظيف المال السياسي لمصالح معينة .
الطريف هو ما أعلنته قطر من أنها بدأت في إعادة الجنسية إلى العديد ممن سُحِبت منهم خلال العام الماضي بعد تسوية أوضاعهم، وكأن الإمارة تفرّغت لقرارات المنع وسحب الجنسية أو منحها لمواطنيها، بينما هو في الأساس حق أصيل لأبناء الشعب القطري، من الصعب أن تنال منه الممارسات الجائرة التي تقدم عليها الأسرة الحاكمة في قطر، وهنا لابد أن نؤكد مجدداً أن هذه الإجراءات التعسفية التي تنتهجها السلطات القطرية تحتاج إلى مراجعة بالتأكيد من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، ومن الأمانة هنا الإشادة بإعلان الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان والتنويه بموقفها الحاسم والجازم في الممارسات القطرية، وكان حري بالتنظيم الدولي ومنظماته الإقليمية والدولية أن تحتذي بموقف الفيدرالية العربية ، ويبدو أن المعطيات جميعها تشير إلى أن قطر ستظل في المدى المنظور دولة إرهابية ليس في ممارساتها في الأقاليم المختلفة ودعمها للتنظيمات الإرهابية فحسب، وإنما أيضا في حق مواطنيها، حمى الله الشعب القطري الشقيق من بطش هذه السلطة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة