إن ما تفعله قطر لا يمكن فهمه أو إيجاد تفسير منطقي له
إن ما تفعله قطر لا يمكن فهمه أو إيجاد تفسير منطقي له، فبينها وبيننا علاقات اللغة والدين والتاريخ المشترك، علاوة على تمتّعها بثروات قد يعتبر فقدانها مبرراً لما تفعله من مكائد ودسائس، لذا فإنه لا يوجد مبرر لأفعالها سوى الشعور بالضآلة والبحث عن دور يفوق قدراتها..
لم يكن الحديث الذي صدر عن حاكم قطر مفاجئا للمتابع للحالة القطرية، فتلك الدولة منذ انقلاب الابن على أبيه تمارس شذوذًا سياسيًا قلّ نظيره في عالم اليوم، إذ تتحدث بأكثر من لغة، وتتقن القفز على عدة حبال في وقت واحد، إنها باختصار شديد دولة الجمع بين المتناقضات. تقيم علاقة مع إسرائيل وتدعي حماية الحق الفلسطيني بدعم ميليشيا حماس، تزعم الحفاظ على الحقوق العربية وتتآمر مع إسرائل وإيران على تفتيت المنطقة العربية، تزعم أنّ لها حقا في إرث الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتبني جامعًا باسمه، لكنها تزعم أن بلادنا تختار الجانب المتشدد من الدين الإسلامي كما تمثله دعوة محمد بن عبدالوهاب حسب زعمهم. تقيم قاعدة أميركية في أرضها، وتتهم الآخرين بالعمالة لأميركا.
مشكلة هذه الدولة التي لا تعدو نقطة أو نتوءا في كيان كبير اسمه شبه الجزيرة العربية، تكمن في ضآلة حجمها واستماتتها في البحث عن دور يرسمها علامة فارقة في المنطقة، حتى لو كان هذا الدور مغموسًا بالمؤامرات والدسائس والغش والخداع، وشراء الولاءات في سوق النخاسة السياسية. لهذا ظل هذا النتوء منذ ما يزيد على العقدين أشبه بمخلب القط الذي لا يقتل لكنه يدمي ويؤلم، بل هو أشد شبها بوجع الضرس الذي لا ينفك عن إزعاجك وتأليمك، فلا ترتاح من إزعاجه إلا إذا خلعته وألقيته إلى حيث يجب أن يكون.
قلت في مطلع المقال إن حديث حاكم قطر لم يكن مفاجئا، ذلك أن الابن سرّ أبيه، إذ سبق للأب ووزير خارجيته أن تآمرا على بلادنا، ذلك التآمر الذي حكاه أحدهما هاتفيا للهالك معمر القذافي الذي تلاقت أحقاده مع أحقادهما ضد بلادنا، ولأن أهل الغدر ملة واحدة، ولا يأمن بعضهم بعضًا فقد سجل القذافي المكالمة الهاتفية، في الوقت الذي كان الطرف الآخر يطلب منه كتمان الأمر، وتلك شرعة الخونة، فقد سُربَ التسجيل لاحقا، وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي وما زال موجودًا على موقع يوتيوب حتى اليوم.
فقد نشر موقع فرانس 24 بتاريخ 6 مايو 2014 ما نصّه: "تداول ناشطون على الإنترنت مقطع فيديو منشور على "يوتيوب" تضمن محادثة منسوبة لأمير قطر السابق والقذافي، اعترف فيها الشيخ حمد بن خليفة بالتخطيط لإسقاط االحكم في السعودية خلال 12 عاما، وقال خلال التسجيل الصوتي: "لولا ارتفاع أسعار النفط الذي حدث في السبع سنوات الماضية، ما كان ليكون هناك شيء اسمه السعودية"، مؤكدا أن "قطر هي أكثر دولة سببت إزعاجًا للسعودية"! وقد اعترف في التسجيل أنهم من يمول المارق سعد الفقيه، وقناة الحوار في لندن، وقناة الجديد في لبنان، ووصف الدول التي تتعاون مع المملكة، وتربطهم بها علاقات قوية بأنها بلدان معدومة الكرامة! ومما يلفت النظر أن قطر لم تكذّب التسجيل أو تؤكد صحته حتى اليوم، ما يعني أنها هي من تعمد نشره، لاسيما أنها من كان وما زال يسيطر على الأمور في ليبيا منذ أطيح بالقذافي.
ولأن قطر ما فتئت تتآمر على بلادنا والإمارات والبحرين، وتتدخل في الشؤون الداخلية عبر أبواقها الإعلامية المنتشرة في داخلها وفي غيرها من دول العالم، فإنه في 5 مارس 2014، أعلنت بلادنا والإمارات والبحرين سحب سفرائها منها، وعلى الرغم من توقيع حاكم قطر وثيقة الرياض بعد عدة أشهر، بحضور الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، والملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وتنص الوثيقة على "الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر" فإنه لم يلبث أن عاد إلى سيرته الأولى، وأنّى له الالتزام بما وقع عليه وبلاده تحتضن عتاة الإخونج وكل الحاقدين وشذاذ الآفاق المفطورين على الخيانة والتآمر على بلدانهم قبل التآمر على غيرها، وذلك بالمال القذر الذي تغدقه عليهم ليكونوا خناجرَ في الخاصرة الخليجية.
إن ما تفعله قطر لا يمكن فهمه أو إيجاد تفسير منطقي له، فبينها وبيننا علاقات اللغة والدين والتاريخ المشترك، علاوة على تمتّعها بثروات قد يعتبر فقدانها مبرراً لما تفعله من مكائد ودسائس، لذا فإنه لا يوجد مبرر لأفعالها سوى الشعور بالضآلة والبحث عن دور يفوق قدراتها، ما يجعلها تناصب دول محيطها العداء، وتتآمر عليها مع ألد أعدائها، سواء في مستوى الدول أم في مستوى الأحزاب المارقة والميليشيات الإرهابية.
لقد سلكت قطر سلوكًا معاديًا؛ إذ هددت بمالها أمن المنطقة كلها، وذلك بدعمها جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سورية، وهيأت ملاذًا آمنًا للذين يسمون أنفسهم معارضة لبلادنا والإمارات والبحرين ومنحتهم جنسيتها، ووظفت المال السياسي نفسه وشركات العلاقات العامة في أميركا ودول الغرب للنيل من سمعة بلادنا ومصالحها في تلك الدول، واستقطبت الرموز الإخوانية السعودية وأغدقت عليهم الأموال ليشاركوها في تنفيذ تآمرها على بلادنا من خلال ملتقى النهضة الذي خطط وروج له الإخوان المفلسون؛ ليدشنوا من خلاله مرحلة الاستيلاء على الحكم في دولنا الخليجية، بعدما زعزعوا الأمن في محاولتهم حكم بعض الدول العربية، وقد حشدوا للملتقى أمة من الناقمين والحاقدين والذين في قلوبهم مرض تجاه أوطانهم الخليجية!
كانت استخبارات قطر تدير مشروع النهضة بمشاركة جمال سلطان القطري، وبعض قيادات الإخونج، ويهدف المشروع إلى إسقاط حكومات الخليج ما عدا قطر، عبر المظاهرات وتثوير الشباب، وكانت مظاهرة حنين المزعومة إحدى الثمار السامة لذلك الملتقى. أقيم ملتقى النهضة الأول في البحرين عام 2010، والثاني في الدوحة من 9 إلى 11 إبريل 2011 تحت شعار (القوة الرافعة للأفكار) برعاية عزمي بشارة. واختير له سعودي تلقى دعماً لا حدّ له من شخصيات محلية وخليجية وعربية، وعلى رأسهم اثنان؛ الإخونجي القطري جاسم سلطان، وإخواني سعودي يدين بالولاء للكاهن الأكبر القرضاوي. لقد اختير ذلك السعودي بعناية من قبل القائمين على الملتقى ليدير شبكة من الشباب السعودي والعربي، ويلقنهم مبادئ الثورات، وقد جُمع له شباب وشابات من بلادنا والدول الخليجية عدا قطر، ليحاضر لهم عزمي بشارة عن الثورات، والتأسيس لها والتدريب عليها في البلدان الخليجية وخاصة في بلادنا!
وكانت دولة الإمارات العربية قد كشفت عن تنظيم سري ينتمي للإخوان كان يسعى للاستيلاء على الحكم فيها، وقد أشارت بعض التقارير إلى أن خطة الإخوان تتجه إلى البدء فوراً بتهريب الأسلحة، وتخزينها لدى عناصر أمينة تابعة للإخوان في دول الخليج المستهدفة، إلى أن تحين ساعة الصفر بحسب الأوهام التي تصوروها.
لقد ارتكب حكام قطر خلال العقدين الماضيين السبع الموبقات في حق بلادنا التي كانت تكظم غيظها وتتعامل معهم كما يتعامل كبير الأسرة مع طفل أهوج أو جارٍ أحمق، فلقد صور لهم جنون العظمة أنهم قادرون على النيل من بلادنا، وفاتهم أن ما يفعلونه وقناتهم المأجورة، وشذاذ الآفاق من فلول القومجية والإخونج لا يضيرنا فهو أشد شبهًا بطنين أجنحة الذباب، وهل طنين أجنحة الذباب يضير؟
يبدو أن إعلان الرياض الذي نتج عن القمة السعودية الأميركية أثار حالة من الارتباك لدى حاكم قطر، ما جعله يخرج عن طوره، ما يكشف عن عدم نضجه السياسي، وسوء تقديره للأمور، ما جعلهم يزعمون اختراق وكالة أنبائهم لتغطية سوأة حاكمهم، وهو الأمر الذي لا ينطلي حتى على الصغار الذين يعرفون كيف تحصّن تلك المواقع. حاكم قطر لم يقل شيئًا غير معروف عن تآمرهم ضد دولنا الخليجية التي لا تدين بالولاء لملالي إيران، كل ما فعله هو تأكيد ما كان شكّا لدى الذين كانوا يحسنون الظن به وبسلفه، وعلى الرغم من أن جميع المتحدثين في المؤتمر لم يذكروا قطر بالاسم،إلا أنه أصر على أن يظهر بمظهر المريب! لهذا نقول من فمك ندينك.
ولعل من أكبر المغالطات التي تفوّه بها في حديث الإفك، زعمه مطامع بلادنا في ذلك النتوء الذي خرج عن حدود اليابسة؛ ليعكس كيف تدار الأمور في تلك الدولة بخروجها عن المسار الطبيعي للأحداث. أما قوله "إن إيران قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها"، فهو قول يفتقر إلى الحكمة ويبعث على الدهشة، فأيّ استقرار تسبغه إيران على دول المنطقة التي تحتلها؟ أهو ذلك الذي ترفل فيه العراق، أم ذلك الذي تتمرغ في نعيمه سورية،أم ذاك الذي تنعم فيه لبنان، أم ذاك الذي تسبغه على اليمن؟ فأي جنون هذا؟ وأي مغالطة للحقائق طمعًا في نيل رضا الملالي الذين تلقوا حديثه باستهجان، إذ قللت وكالة الأنباء الإيرانية من قيمة البيان، معتبرة أن انتقاده للسعودية "لا محل من الإعراب"، كما اعتبرت الوكالة أن "التجارب والخبرات السابقة وخصوصًا موقف قطر تجاه الأزمة السورية، تشير إلى أنه لا ينبغي أن تفرح إيران بموقف أمير قطر الأخير ولا أن تعتمد عليه؛ حيث لا يخفى على أحد دعم قطر للجماعات الإرهابية وخصوصًا داعش". وأن "دعم قطر لحماس وإنشاء مكتب للحركة في الدوحة يشير إلى رغبتهم الدائمة في ضرب وتضعيف محور المقاومة الإسلامية في المنطقة". وهكذا يفهم أرباب التآمر بعضهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة