السؤال هنا، كم يا ترى تحتاج قطر بعد الخروج من الأزمة لإعادة ترميم التركيبة السكانية من الجهد والمال؟
هل سجل التاريخ سابقاً أن دولة ما حاربت نفسها ونصّبت شعبها عدوّاً لها؟ وما الذي يجعل قطر الدولة الناشئة الصغيرة القابعة على ضفاف الخليج العربي تحلق وحدها خارج السرب، وتعمل على تفتيت ديموغرافيتها وطمس هويتها بنفسها، ومحو آثارها والانسلاخ من جلدها ومعالم عروبتها؟.
ومن دون مبالغة أو تهويل فالشعب القطري يواجه الآن خطر التغيير الديموغرافي والذوبان وسط زُمر وشراذم المرتزقة والأغراب، فعمليات سحب الجنسية من المواطنين القطريين الأقرباء أبناء البلد مستمرة، ومن دون سبب يذكر، وعمليات منح الجنسية أيضاً لآخرين غرباء يختلفون مع ثقافة الشعب القطري وهويته في كل شيء مستمرة أيضاً على قدم وساق، وخاضعة لأهواء فردية محضة وقصيرة النظر.
والقوانين الأخيرة التي اتخذها النظام القطري لتمكين الأجانب بتوفير إقامة دائمة لهم، لضمان بقائهم والاستقواء بهم أيضاً على القطريين، سيكون لها ما بعدها في بروز ظواهر ومشاكل بنيوية في تصدّع التركيبة السكانية القطرية، وفي ضياع هوية هذه الدولة ذات الجغرافية والديموغرافية الصغيرتين.
وأخطر ما في ذلك أن القوانين المزعومة لتجنيس الأجانب، ومنحهم «الإقامة الدائمة»، ما هي إلا محاولة مفضوحة للتغطية على تمادي نظام الدوحة في دعم الإرهاب، حيث إن المستهدفين بالتجنيس هم، في المقام الأول، آلاف الإرهابيين والمطلوبين للعدالة الذين تستضيفهم الدوحة أصلاً، وكانت إقامتهم فيها دائمة سلفاً، ولن ينفعهم أيضاً التجنيس ولا أي تدبير سفيه آخر في الهروب من مواجهة العدالة في النهاية.
والأخطر أن نظام الإقامة الجديد الذي أقرّه «نظام الحمدين» سيسمح للأجنبي بدخول الكلية العسكرية، ويمنحه «حقوقاً» متساوية مع المواطن القطري، الأمر الذي يجعل الوظائف العسكرية مباحة ومتاحة للجميع! وسيكون الجيش شراذم مستوردة ليست لها علاقة بالأرض والعرض، ولا يربطها بقطر سوى مطامع عابرة لا أكثر. وهذا «القانون» يعد بمثابة تحول خطير في الديموغرافية السكانية لقطر، إذ يمنح المقيم الأجنبي فيها امتيازات عدة، تشكل تهديداً حقيقياً للتركيبة السكانية للدوحة، المدينة- الدولة.
وسيكون لهؤلاء «القطريين الدائمين» الجدد الحق أيضاً في الحصول على معاملة «القطريين السابقين» نفسها في التعليم والرعاية الصحية والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى «الحق في التملك العقاري وفي ممارسة بعض الأنشطة التجارية دون شريك قطري»! ودون شك تعد هذه السياسة الغريبة السفيهة، بنزع الجنسية عن القريب وتجنيس الغريب دعماً ودفعة جديدة لآلاف المرتزقة الذين يقطنون الدوحة، وامتهن بعضهم أساليب التسلق والتملق والارتزاق، وركوب أمواج النفخ في كير أزمة قطر الأخيرة مع نفسها، بعد افتضاح تآمرها ودسائسها ضد دول الخليج، وضد كثير من الدول العربية والإسلامية الأخرى، في حين لن يجد مئات الآلاف من العمالة البسيطة العادية، التي تعاني من انتهاكات حقوق الإنسان في الدوحة، أي فائدة تذكر من «القانون الجديد» المُفصّل على مقاس الإرهابيين الهاربين من العدالة الذين تؤويهم الدوحة.
نظام الإقامة الجديد الذي أقرّه «نظام الحمدين» سيسمح للأجنبي بدخول الكلية العسكرية، ويمنحه «حقوقاً» متساوية مع المواطن القطري، الأمر الذي يجعل الوظائف العسكرية مباحة ومتاحة للجميع! وسيكون الجيش شراذم مستوردة ليست لها علاقة بالأرض والعرض
وفي المقابل، يقضي نحو ستة آلاف مواطن قطري من قبيلة الغفران عامهم الـ14 دون هوية، بعد أن أسقط عنهم «تنظيم الحمدين» الجنسية في عام 2003، في خطوة فسّرتها المنظمات الحقوقية بأنها تمثل «عقاباً جماعياً جائراً».
وجاء الدور أخيراً على شيوخ القبائل وكل من يحاول أن يرأب الصدع الذي شقّه «تنظيم الحمدين» في علاقاتهم مع جيرانهم من الدول الخليجية، وكان من آخر شيوخ القبائل الذين استهدفهم نزع الجنسية «طالب بن شريم» وغيره من شيوخ ووجهاء وعامة قبيلة «آل مُرة»، هذا فضلاً عن بعض كبار المثقفين والشعراء القطريين، مثل شاعر المليون محمد بن فطيس المري. وإذا كان هذا هو حال المشاهير في معاناتهم من إرهاب وعقوق نظام الحمدين، فماذا سيكون حال المواطنين القطريين العاديين، من غمار الناس؟، فحبل سحب الجنسية منهم على الجرار، تماماً مثلما أن منحها لشذّاذ الآفاق جارٍ على قدم وساق أيضاً.وقد عرضت وسائل الإعلام مآسي بعضهم، مثل المواطن القطري زايد بن شافعة المري، الذي ظلّ عالقاً على الحدود، رغم المرض، دون أن يسمح له نظام الدوحة بدخول وطنه، لأن قطر لم تعد للقطريين بل أصبحت للإرهابيين!.
ولا شك أن مستشاري تميم ومهندسي تخريب العلاقات الخليجية يدركون تماماً أن القبائل المتواجدة في قطر، التي لها ثقل ونفوذ في المنطقة، ومصاهرات وأنساب مع القبائل الأخرى، ستكون ورقة ضغط قوية على «تنظيم الحمدين»، وسترغم تميم وأعوانه في النهاية على التراجع، طوعاً أو كرهاً، عن مشروعهم الرامي لتدمير العلاقات بين دول مجلس التعاون وإشغال المنطقة بفتنة تقودهم إلى المربع الذي كان يطمح صانعو «الربيع العربي» لإيصال المنطقة وشعوبها إليه. والسؤال هنا، كم يا ترى تحتاج قطر، بعد الخروج من الأزمة، لإعادة ترميم التركيبة السكانية من الجهد والمال؟ وهل ستكون هي نفسها قطر التي كنا نعرف؟، أم قطر أخرى جديدة مختلقة ملفقة من متجنسي مطاريد وشذّاذ آفاق الجماعات الإرهابية، وسقط متاع الشعوب الآتين من القارات الخمس للإقامة الدائمة في الدوحة؟
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة