خيارات المواطن القطري اليوم هي ما بين الصمت وادّعاء الموالاة الظاهرية بالاسم فقط
لم تعد الحكمة واضحة في مشهد القرارات القطرية، وهذا أمر مفروغ منه منذ بداية الأزمة القطرية؛ لكن الصدمة الحاصلة لدى بعض شرائح المجتمع الخليجي أنهم لم يتقبلوا ويهضموا بعد فكرة أن تنظيم الحمدين في قطر آخر همِّه مراعاة الامتداد الخليجي لقطر وخصوصيتها الخليجية والعربية، وأن الشعب القطري لم يعد يهمُّه مصيره وأمره!
هل هناك حماقة تاريخية من الممكن أن يسجلها التاريخ الخليجي والعربي المعاصر؛ أكثر مما يفعله تنظيم الحمدين في قطر من سحب جنسيات كبار مشايخ القبائل في قطر، وتهجير شعبها ومصادرة حقوقهم وممتلكاتهم؟، وهو ما يخل بمبادئ حقوق الإنسان والمواطنة في أي دولة في العالم، وذريعتهم في ذلك أن هؤلاء رفضوا أن يُزجَّ بهم في الخلاف الحاصل، وأن يستند عليهم تنظيم الحمدين في شتم قيادات دول الخليج العربي، والتطاول عليهم ومعاداتهم!
الورطة الكبيرة التي حشر فيها تنظيم الحمدين نفسه ليست فيما اقترفه من جرائم إرهابية في المنطقة العربية بالتمويل والتآمر، وليس في خلافه مع أشقائه من دول الخليج العربي؛ إنما مع شعبه الخليجي العربي الذي يوماً بعد يوم بدأت تزداد شريحة المعارضين فيه لهذا النظام الذي يغرّد خارج سرب الوحدة الخليجية والعربية، وبات المواطن القطري ما بين مطرقة الصمت وسندان المواجهة والمعارضة لسياسة الإرهاب، واختطاف هوية القطري والتجنيس الإرهابي.
يوماً بعد يوم سيزداد إدراك تنظيم الحمدين أن مستشاري الإرهاب لديه ورطوه باستهداف كبار مشايخ قبائل قطر، وأن هذه الورقة كان من الحكمة عدم استخدامها في منازعاته مع أشقائه في دول الخليج العربي، فهم لم يستهدفوا هؤلاء المشايخ إنما جميع أفراد قبائلهم والقبائل المتضامنة والمتحالفة معهم
خيارات المواطن القطري اليوم هي ما بين الصمت وادّعاء الموالاة الظاهرية بالاسم فقط، «الدليل جولة أمير قطر الأخيرة داخل بلاده، حيث لم يلتقط معه الصور ويخرج للترحيب به سوى أجانب قطر!»، أو المواجهة مع النظام وهنا سيتعامل معه نظام تنظيم الحمدين وفق ثلاثة خيارات، سحب جنسيته ومصادرة ممتلكاته هو وعائلته ظلماً، وبعيداً عن مبادئ حرية التعبير والديمقراطية أو اعتقاله وتعذيبه أو منعه من السفر وفرض الإقامة الجبرية عليه.
ذكرنا في أحد مقالاتنا السابقة أن قطر مؤخراً قامت، إلى جانب سحب جنسية الشيخ طالب بن شريم المري هو وأفراد أسرته بسحب جنسية شيخ شمل الهواجر الشيخ شافي ناصر حمود الهاجري وعدد من أفراد عائلته، كما قامت منذ عدة أيام بسحب جنسية الشاعر القطري محمد بن فطيس المري، كما وردت أنباء عن منع الشاعر القطري محمد بن الذيب العجمي من السفر ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ووفقاً لما نشرته صحيفة «لوبوان» الفرنسية فإن أمير قطر أمر بسجن نحو 20 من أفراد أسرته، وهذا رقم غير دقيق بالأصل أمام الكثير من الأخبار المتواردة التي تفيد بأن عدداً من أفراد العائلة الحاكمة في قطر المعارضين لسياسة انتزاع قطر من المنظومة الخليجية؛ وسلخها عن هويتها العربية، حكم عليهم بالإقامة الجبرية فيما عدد منهم تم اعتقالهم وتعذيبهم، ومصيرهم مجهول حتى يومنا هذا!
قطر اليوم لا تسعى إلى استهداف دول المنطقة العربية بالإرهاب؛ بقدر ما تسعى على قدم وساق إلى تغيير التركيبة السكانية لدول الخليج العربي، وتغيير هوية المواطن القطري الخليجي! بعض دول العالم يتم التجنيس فيها لاعتبارات أكاديمية أو اقتصادية أو سياسية، بينما قطر يتم التجنيس فيها لاعتبارات إرهابية وأجندة خارجية! قطر أخذت تجنس خلال الفترة الأخيرة الأتراك والإسرائيليين والإيرانيين وعناصر في خلايا إرهابية، مقابل سحب جنسيات مواطنيها القطريين الذين عاشوا على أرض قطر هم وأجدادهم سنيناً طويلة، وقبل حتى أن تظهر دولة قطر وتعلن استقلالها!
اجتماع قبائل يام الأخير في مدينة الأحساء بالسعودية، والذي جاء لأجل التضامن مع قضية شيخ قبيلة آل مرة الشيخ طالب بن شريم المري، الذي قامت السلطات القطرية بسحب جنسيته هو و55 من أفراد عائلته من رجال ونساء وأطفال، ومصادرة أملاكه حيث قُدِّر حضور الاجتماع بأكثر من 300 ألف مواطن من مختلف قبائل دول الخليج العربي، تميز بحضور عدد من مشايخ القبائل والشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني المعارض لسياسة تنظيم الحمدين، فقد حرص على الحضور من فرنسا لتأكيد موقفه الداعم للشيخ طالب وحقوقه هو وأفراد عائلته معلقاً: «الحقوق تضيع إذا تم السكوت عنها وجنسية الشيخ طالب سترجع غصب». مشدداً على أنه يقف متضامناً مع شيخ قبيلة آل مرة وكل قطري فقد جنسيته ظلماً، أو حُرِم من حقوقه الأخرى أو تعرّض للاعتقال أو الإقامة الجبرية، داعياً المجتمع الدولي إلى التضامن مع القطريين المُنتهكة حقوقهم وغير القادرين على دخول بلادهم، أو الخائفين بداخلها، مؤكداً أنه أحد هؤلاء المتضررين منذ غادر قطر مُرغماً، ولم يعد بسبب الخوف على أمنه.
حضور الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني هو رسالة قبل أن يكون موقفاً تضامنياً يؤكد أن كثيراً من أفراد العائلة الحاكمة في قطر يعارضون سياسة اختطاف قطر من قبل مَنْ يحتلها اليوم من خلايا إرهابية، وهي سابقة في تاريخ الخليج العربي ودول العالم أن تكون المعارضة من بيت الحكم نفسه، وبهذه المواقف المكشوفة والشجاعة وبنبرة جريئة وواضحة تحت الأضواء وأمام وسائل الإعلام.
يوماً بعد يوم سيزداد إدراك تنظيم الحمدين أن مستشاري الإرهاب لديه ورطوه باستهداف كبار مشايخ قبائل قطر، وأن هذه الورقة كان من الحكمة عدم استخدامها في منازعاته مع أشقائه في دول الخليج العربي، فهم لم يستهدفوا هؤلاء المشايخ إنما جميع أفراد قبائلهم والقبائل المتضامنة والمتحالفة معهم «من ثقافات هذه القبائل أن يفزعوا لبعضهم البعض لتحالفاتهم وروابط النسب فيما بينهم وتعصباً» وهي ثقافة لا يعرفها بالأصل مستشارو حاكم قطر الأجانب الذين أغرقوه في التخبط!
نقلا عن "الوطن البحرينية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة