كان لافتا إعلان الحكومة التركية الحداد يوما على ضحايا الاعتداء الإرهابي الذي وقع على مسجد الروضة في شمال سيناء
تشهد تركيا حراكاً دبلوماسياً يكاد يشي بوجود رغبة في إعادة العلاقات مع كل من دمشق والقاهرة. وقد نشهد في الأسابيع القادمة خطوات أوضح في هذا الإطار.
لكن بين الدوافع لهذا التغيير في السياسة التركية، إن كان حقيقياً فعلاً، وبين آليات تحقيقه، هناك فجوة كبيرة ليس من السهل ردمها.
هل يمكن أن يحدث تقارب حقيقي بين أنقرة وكل من دمشق والقاهرة، في ظل تمسك تركيا بدعمها لتنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، وفي ظل تحول إسطنبول إلى "عاصمة خلافة" جديدة لتنظيم الإخوان بكل مشاربه؟، حيث باتت المأوى لآلاف الكوادر الإخوانية من مختلف البلدان، والعشرات منهم مطلوبون في قضايا جنائية.
أنقرة تقول إن مصلحتها القومية وقلقها من مشروع كردي في شمال سوريا، يدفعها للتفاهم مع دمشق ومد يد المصالحة معها، وقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصحفيين عندما سألوه عن مستقبل علاقته بالأسد بعد اجتماع سوتشي، فرد قائلاً: "باب السياسة يجب أن يبقى مفتوحاً حتى اللحظة الأخيرة".
ومع حصول المسلحين الأكراد في شمال سوريا على الدعم العسكري من واشنطن والسياسي من موسكو، فإن المصالحة مع الأسد ودعم دخول الجيش السوري لمناطق الأكراد في الشمال، هو الحل الأمثل لعلاج مخاوف أنقرة. ومن جانبه بدأ الإعلام السوري الرسمي يخفف من لهجة الانتقاد والسخرية والتهكم على الرئيس التركي وحكومته، بشكل يفضح التعليمات السياسية الصادرة له بذلك.
وفي الشأن المصري، كان لافتا إعلان الحكومة التركية الحداد يوما على ضحايا الاعتداء الإرهابي الذي وقع على مسجد الروضة في شمال سيناء، فالحكومة التركية نادرا ما تعلن الحداد وخصوصا إذا كان السبب حدثاً خارجياً لا علاقة له بالداخل التركي.
هذا بالإضافة إلى تنديد الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم ووزير الخارجية مولود شاوش أوغلو بعبارات قوية بهذا الهجوم الإرهابي، لكن جميع التصريحات كانت موجهة بدقة وعناية دبلوماسية للشعب المصري دون أي إشارة إلى الحكومة المصرية أو أجهزة الأمن هناك.
علما بأن الجمود بين البلدين والقطيعة الدبلوماسية، كان شاوش أوغلو قد حاول كسرها عندما باشر بالاتصال بنظيره المصري سامح شكري في يوليو الماضي، لبحث الوضع في القدس والتجاوزات الإسرائيلية على الحرم، بحجة ترؤس تركيا للدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامية.
كما تتحدث وسائل إعلام عن احتمال مشاركة وزير الخارجية التركي، بصفة مراقب، في مؤتمر أفريقي تستضيفه القاهرة قريبا، فيما التزمت أنقرة الصمت على خبر اعتقال 29 إخوانيا في مصر بتهمة التجسس لصالح تركيا، منتصف الشهر الحالي، ولم تلجأ إلى التصعيد بل واعتبرت صحف تركية أن العملية قد تكون من ترتيب جهاز أمني مصري "يزعجه أنباء التقارب بين القاهرة وأنقرة" المزعومة.
نعلم أنه منذ اعتذر الرئيس أردوغان من نظيره الروسي وتخلى عن رئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو، والحكومة التركية تتحدث عن تغيير شامل في سياساتها الخارجية باتجاه الانفتاح على الجيران، وخصوصا العراق وسوريا ومصر. لكن الخطوة الوحيدة الإيجابية في هذا الإطار كانت باتجاه العراق بسبب أزمة استفتاء إقليم كردستان، وجاءت بالتوازي مع خطوات أكبر للتعاون والتقارب مع طهران.
لكن هل يمكن أن يحدث تقارب حقيقي بين أنقرة وكل من دمشق والقاهرة، في ظل تمسك تركيا بدعمها لتنظيم جماعة الاخوان الإرهابية، وفي ظل تحول إسطنبول إلى "عاصمة خلافة" جديدة لتنظيم الإخوان بكل مشاربه؟، حيث باتت إسطنبول المأوى لآلاف الكوادر الإخوانية من مختلف البلدان، والعشرات منهم مطلوبون في قضايا جنائية وصدرت بحقهم أحكام بالسجن.
هنا يدخل العامل القطري على الخط، فالدوحة تدفع بقوة من أجل مصالحة تركية سورية، من أجل التغطية على تقاربها مع طهران وانفتاحها بدورها قريبا على دمشق ونظام الأسد، وسيكون التقارب التركي السوري، هو الغطاء لتغيير لغة الخطاب القطرية تجاه دمشق وحزب الله، والتي بدأت تتغير تدريجيا.
في المقابل، تنتظر قطر أي تقارب مصري تركي، لتعمل بعد ذلك من خلال حليفتها أنقرة، على ضرب التحالف الرباعي المقاطع لها، والضغط من أجل تحييد مصر، قدر الإمكان، عن مواقف الدول الثلاث الأخرى السعودية والبحرين والإمارات.
لكن من دون إغلاق عشرات القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الإخوانية المصرية في إسطنبول التي تحرّض على العنف والقتل، كيف يمكن للقاهرة أن تستجيب لأي غزل دبلوماسي تركي؟، كما أن الرئيس السوري بشار الأسد، لن يقدم لأنقرة خدمات مجانية ضد الأكراد، وهو يتصرف كأنه خرج منتصراً في الحرب وما عاد يهمه اعتراف أنقرة به أو لا، وعلى الأغلب سيكون الثمن الذي يطلبه الأسد هو إنهاء الدعم تماماً لجماعة الإخوان المسلمين السورية، وما انبثق عنها من تنظيمات سياسية أو مسلحة مثل جبهة النصرة بأسمائها الجديدة المختلفة.
فهل يمكن أن يخطو الرئيس أردوغان هذه الخطوة؟ أمر مستبعد في المستقبل المنظور وفق كثير من المحللين، إلا أن المخطط القطري الإيراني الحالي لإنشاء محور في المنطقة؛ يضم بالإضافة إلى الدوحة وطهران كل من دمشق وأنقرة والميليشيات الإيرانية من أفغانستان إلى بيروت عبوراً بالعراق، هذا المخطط يبارك ويدعم أي تقارب بين دمشق وأنقرة، ويمكن لعرابي هذا المحور، إعادة توظيف وهيكلة تنظيم الاخوان لخدمة مصالحهم المستقبلية بشكل آخر، وفي حال ظهر هذا المحور بشكل عملي واقعي على الأرض، فإنه سيسعى لاستمالة القاهرة من أجل ضرب محور الاعتدال المقابل، الذي يعتمد أساساً على الدول الأربع الداعية لمحاربة الإرهاب، السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
وعليه، فإننا يمكن أن نرى وأن نسمع إشارات وتصريحات صادرة عن أنقرة باتجاه رغبتها في تحسين العلاقة مع دمشق والقاهرة، ولكن دون ربط ذلك بالتخلي عن تنظيم الإخوان الإرهابي، فإن كل ما يصدر عن أنقرة، لا يمكن التعويل عليه أو البناء فوقه، لأنه لن يكون إلا دعوة لبناء محور إقليمي جديد، تتزعمه إيران، و "تشرعن" تركيا وجوده ونفوذه على أرض أهل السنة في المنطقة، وتموّله قطر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة