ربع قرن على "اتفاق أوسلو".. آمال الدولة الفلسطينية تتبخر
بمرور 25 عاما على هذا الاتفاق؛ تبددت الآمال، وبات حلم قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 أبعد من أي وقت مضى.
في مثل هذا اليوم من عام 1993، كان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي، حينها، إسحاق رابين، يشقان طريقهما نحو منصة بحديقة البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية، للتوقيع على «اتفاق أوسلو».
ومع أنه جرى توقيع الاتفاق الذي يعرف رسميا باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، في واشنطن، إلا أنه حمل اسم العاصمة النرويجية، أوسلو، التي احتضنت المفاوضات السرية التي أنتجت الاتفاق.
وفي ذلك الحين، أطلق مشهد زعيم الثورة الفلسطينية بكوفيته وهو يصافح للمرة الأولى رابين "محطم أيدي أطفال الحجارة»، العنان لآمال خابت لعقود بإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.
آمال تتبخر
لكن، وبمرور ربع قرن على الاتفاق، تبددت الآمال، وبات حلم قيام الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 أبعد من أي وقت مضى.. فالمرحلة الانتقالية ذات الخمس سنوات، التي نص عليها الاتفاق لحين التوصل لاتفاق نهائي بين الطرفين، طالت ونهشها الاستيطان والمواقف اليمينية الإسرائيلية.
الاتفاق الذي شهد عليه الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون، نص على أن «الفترة الانتقالية تبدأ فور الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا».. كما نص أيضا على أنه «من المفهوم أن هذه المفاوضات ستغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس واللاجئون والمستوطنات والترتيبات الأمنية، إضافة إلى الحدود والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين، ومسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك".
وبمقتضى الاتفاق نفسه، «يتفق الطرفان على أن لا تجحف أو تخلو اتفاقيات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم".. بنود ظلت حبرا على ورق، فالوضع على الأرض كان ولا يزال أبعد ما يكون عما جاء في هذا البند تحديدا.
حركة «السلام الآن» الإسرائيلية تقول إن عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بلغ عشية التوقيع على هذا الاتفاق نحو 110 ألف مستوطن، وعدد مشابه في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي القدس الشرقية.
لكن أعداد المستوطنين ارتفع بشكل مطرد منذ التوقيع على الاتفاق، ليتجاوز حاليا الـ 650 ألف مستوطن، بينهم أكثر من 430 ألفا في الضفة الغربية، والمتبقون في المستوطنات المقاومة على أراضي القدس الشرقية.
وعلى مدى 25 عاما، ظل الاستيطان ينخر في جسد الضفة الغربية يوما بعد يوم، ليرفع وتيرة التشاؤم الفلسطيني بإمكانية قيام دولة فلسطينية.
ففي 2016، قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما: «تصاعدت وتيرة البناء بشكل حاد.. إذا نظرتم إلى خارطة (الضفة الغربية)، فإنها تصبح أشبه بجبنة سويسرية، ويصبح من المستحيل بناء أي دولة فلسطينية".
وعلاوة على التوسع الكبير في المستوطنات، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أقامت شوارع لربط المستوطنات بعضها ببعض، بما يمنع إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا.
فعند التوقيع على الاتفاق، كانت مساحة المستوطنات الإسرائيلية لا تزيد عن 1.2 % من مساحة الضفة الغربية، ولكن إسرائيل التي ضمت 10 % من خلال جدار الفصل، ما زالت تطمح بوضع يدها على 60 % من مساحة الضفة الغربية، المعروفة بالمنطقة (ج) الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
«غطاء استيطاني»
الخبير الفلسطيني في شؤون الاستيطان، خليل التفكجي، قال معقبا عن الموضوع: «استغلت إسرائيل اتفاق أوسلو غطاء لتنفيذ مشاريع استيطانية واسعة في الضفة الغربية والقدس الشرقية».. وأوضح التفكجي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن تلك الممارسات الإسرائيلية «قوضت وقضت على إمكانية تطبيق حل الدولتين».
ويتفق السياسيون الفلسطينيون على أن عدم وجود نص واضح وصريح في الاتفاق على وقف الاستيطان، كان أحد عيوبه الأساسية، لكنها ليست الوحيدة.
ففي أحاديث خاصة، أشار أحمد قريع "أبو علاء"، القيادي الذي قاد الفريق الفلسطيني في مفاوضات أوسلو، إلى أن أحد الأخطاء الرئيسية في الاتفاق هو عدم وجود نص على الاحتكام الدولي في حال انتهاكه من قبل أحد الطرفين.
أما أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، فقد اعتبر أن الخطأ الأساسي في اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير مع إسرائيل عام 1993، هو عدم وجود اعتراف متبادل بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل على حدود 1967.
وأضاف عريقات، في تصريحات إعلامية: لم يكن الخطأ في توقيع اتفاق أوسلو، إنما بالممارسات الإسرائيلية، اعتقادا منهم باستبدال خيار الدولتين بدولة عنصرية».
وتابع: «طلبنا في حينه اعترافا إسرائيليا بالدولة الفلسطينية، لكن الجانب الإسرائيلي أصر ورفض، وكان هذا هو الخطأ الأساسي، والآن لابد من تعليق الاعتراف بإسرائيل لحين الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما جاء في قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير".
وتعتزم القيادة الفلسطينية عقد اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني، نهاية الشهر الجاري، أو مطلع الشهر المقبل، ومن المنتظر أن تكون مسألة تعليق الاعتراف بإسرائيل البند الأهم على جدول أعماله.
الموقف الأمريكي يفاقم اليأس الفلسطيني
ما زاد الطين بلة بالنسبة للفلسطينيين هو وجود رئيس أمريكي (دونالد ترامب) أقدم على ما لم يقدم عليه أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، بالإعلان عن شطب القدس من طاولة المفاوضات، والسعي العلني لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، بعد أن امتنع عن انتقاد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
معطيات انعكست على منسوب الآمال الفلسطينية فقلصتها إلى أدناها، وهو ما تجلى بالكاشف من خلال نتائج استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، مطلع الشهر الجاري، وشمل عينة من 1270 فلسطينيا، مطلع الشهر الجاري.
وأظهر الاستطلاع الذي أعلنت نتائجه مساء أمس، الأربعاء، أن معظم الفلسطينيين (73%) يرون أن الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه قبل التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993.. فيما اعتبر 13 % أنه أفضل، بينما رأى 10 % أن الوضع اليوم شبيه بما كان عليه قبل اتفاق أوسلو.
36 % من الفلسطينيين أرجعوا السبب الرئيسي الأول لفشل اتفاق أوسلو لعدم التزام إسرائيل بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان.. فيما قال 35 % إن السبب يكمن في أن المجتمع الدولي لم يضغط على إسرائيل، بينما رأى 27 % أن سبب الفشل الأول يعود للفلسطينيين أنفسهم.
ومع أن النتيجة الأبرز لاتفاق أوسلو كانت قيام السلطة الفلسطينية على أجزاء من الأرض، إلا أن الاستطلاع أشار إلى أن نصف الفلسطينيين يعتقدون أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبئا على الشعب الفلسطيني، مقابل 44 % ممن يرون فيها إنجازا للشعب الفلسطيني.
وفي ظل تلاشي الآمال في قيام دولة فلسطينية، انخفضت نسبة المؤيدين لحل الدولتين إلى نصف الفلسطينيين، مع ارتفاع مطرد للفلسطينيين الذين يؤيدون حل دولة واحدة يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بمساواة، وإن كانت إسرائيل ترفض أيضا هذا الحل بشكل مطلق.
aXA6IDMuMTQ1LjE3Ny4xNzMg جزيرة ام اند امز