سميراميس.. ملكة أحبها التاريخ وأسطورة ألهمت الفنانين والأدباء
لأسطورة الملكة سميراميس سطوة وهيبة رافقت ظهورها، والتي وصلت حد إلهام الأدباء والفنانين الأوروبيين لإنتاج أعمال مقتبسة من سيرتها.
أسطورة لملكة عراقية منذ 2800 عام تمثل الجمال والحكمة من ناحية، والقدرة على إدارة الدولة وخوض الحروب من ناحية أخرى، لعبت الأسطورة دورا في ولادتها ونشأتها وسيرة حياتها، وتدخل القدر لتحديد مصيرها كملكة عظيمة، ألهمت عقول الأدباء والفنانين والمؤرخين الأوروبيين طوال عدة قرون ماضية، وفرضت حضورها في الأدب والفن والتاريخ، هي الملكة "سميراميس" ملكة بلاد الرافدين.
إنها الملكة سميراميس، التي تقول الأساطير عن ولادتها إنها خرجت من بيضة كبيرة، وجاءت حمامة بيضاء كبيرة احتضنتها حتى فقست، وكانت أسراب الحمام تحيط بالطفلة طوال نشأتها الأولى، تقدم لها الطعام والحليب، ثم فجأة انقلبت حياتها إلى مرحلة جديدة من المعاناة، حيث اكتشف الرعاة سرقة الطيور للحليب والجبن، فراقبوها حتى عرفوا مكان الطفلة، وأنها هي التي كانت تشرب الحليب، وعقابا لها أخذوها إلى خيامهم، ثم قرروا بيعها في"سوق نينوى" الكبير، وأطلقوا عليها سميراميس، وتعني "الحمامة" في اللغة الآشورية.
في السوق، أعجب بها رجل عقيم لا ينجب، فاشترى الطفلة من الرعاة، وذهب بها إلى زوجته لتعتني بها وتصبح ابنتها.
كبرت سميراميس وصارت بارعة الجمال، وفي يوم ما عندما كان مستشار الملك "أوناس" يتفقد أحوال الناس رأى سميراميس، وأعجب بجمالها، فطلب الزواج منها، وبالفعل تزوجها، وأنجب منها طفلين وأسماهما "هيفاته" و"هيداسغه"، وعاشت سميراميس مرة أخرى حياة هادئة بجوار زوجها "أوناس"، وكانت بمثابة مستشار له، وعندما سافر زوجها بأوامر من الملك للعاصمة ليتابع إحدى معاركه أخذها معه، وهناك قامت بالإشراف على المعركة ووضع الخطط الحربية.
وعندما نجحت حملة الملك واستطاع اجتياح العاصمة، أعجب الملك بها كثيرا، وطلب من زوجها أن يتركها له، وهدده بقلع عينيه إذ لم يستجب، وبالفعل اضطر زوجها للتنازل عن سميراميس للملك بسبب خوفه، ومات فور زواجها من الملك، وأنجبت منه "نيناس"، وحكمت سميراميس مع الملك حتى توفي، وأصبحت حاكمة بلاد ما بين النهرين.
سميراميس الملكة
على الرغم من القصص الأسطورية التي تروى عن حياة سميراميس، إلا أنها ملكة آشورية حقيقية، فهي "سمورامات" أم الملك" أداد نيراري الثالث" الذي حكم العراق من 783-810 ق.م، وهي أيضا زوجة الملك" شمشي أدد الخامس" الذي حكم من 823-811 ق م، بعد وفاة زوجها أصبحت وصية على ابنها "أداد نيراني"، وحكمت لمدة 5 سنوات لحين بلوغ ابنها سن الرشد، إلا أنها كانت مشاركة في الحكم منذ أيام زوجها، وكذلك مع ابنها لسنوات طويلة.
إنجازاتها الحضارية والعسكرية
خلدت سميراميس فترة حكمها في التاريخ العراقي بالمسلة التي أقامتها في ساحة المسلات في معبد آشور، كما استطاعت سميراميس أثناء فترة حكمها القيام بمشاريع عمرانية ضخمة، أهمها بناء مدينة آشور بمعابدها وقصورها الضخمة، وإحاطتها بالأسوار العالية، كما قامت ببناء نفق مقبب من الحجر تحت مجرى نهر دجلة ليوصل طرفي المدينة، وإنشاء الجسور، والقنوات على نهري دجلة والفرات، وإنشاء المتنزهات، والنوافير المزخرفة في المدن التي دخلتها، وأقامت ضريحا ضخما وفخما تمجيداً لذكرى زوجها.
شهد العراق توسعات كبيرة خارج حدوده أثناء تولي سميراميس الحكم، فقد استطاعت أن تسيطر على مصر وجزء من الحبشة وبلاد الشام، وبلاد ميديا، إضافة إلى أنها قامت بحملة عسكرية على الهند لكنها فشلت وكادت تودي بحياتها، حيث طعنت هناك واضطرت إلى الانسحاب.
كما كانت مفكرة لها إسهامات دينية وثقافية، تتمثل في إدخال العديد من الروافد الثقافية البابلية للحضارة الآشورية في نينوي، تمثلت في إضافة بعض الروحانيات البابلية على الديانة الآشورية التي كانت تميل إلى تقديس فحولة الإله آشور، كما أبرزت بعض الآلهة الآشورية الثانوية مثل "نبو" إله الحكمة.
هيمنتها على الثقافة الأوروبية الحديثة
استطاعت سميراميس فرض نفوذها على عقول وقلوب ملكات أوروبا في العصر الحديث، فقد أطلق اسم سميراميس على الملكة "مارجريت" ملكة الدنمارك والسويد والنرويج التي حكمت من عام 1350 إلى عام 1412، والملكة "كاترين الثانية" قيصرة روسيا 1729-1769م، وقد وصفها الكاتب"ويفي ميلفيل" في روايته "ساركا دون-أسطورة الملكة العظيمة" أنها "كانت فائقة الجمال بلا شك، ذلك الجمال الذي تعجز الكلمات عن وصفه، إنه الجمال المنتصر، ليس بأقل من الجمال الذي يذعن له الآخرون مرغمين".
تأثر العديد من الأدباء والفنانين بأسطورة سميراميس وحياتها السياسية في العديد من الأعمال الأدبية والفنية، بداية من "دانتي" الذي استلهم سيرتها في كتابه الكوميديا الإلهية، والفيلسوف "فولتير" الذي ذكرها في مسرحيته، كما ظهرت في أوبرا "دومينيكو تشوميروسا"، وقام الموسيقار الإيطالي "روسيني" بتأليف أوبرا تحمل اسم سميراميس، كما ظهرت في عدة أفلام منها سميراميس عام 1973، إضافة لاستلهام اسمها في سلسلة من الفنادق حول العالم.