دير الربان هرمزد.. رمز لصمود المسيحية في العراق
شهد دير الربان هرمزد دخول وخروج الغزاة على مدى تاريخ المسيحية المضطرب في هذا الركن من بلاد ما بين النهرين.
والدير قابع على سفح صخري شديد الانحدار وسط الجبال النائية في شمال العراق.
وتعاقب المغول والفرس والعرب والأكراد والعثمانيون على المنطقة فنهبوا أو حاصروا أو احتلوا الدير، الذي يرجع تاريخه للقرن السابع الميلادي، وبلدة القوش المسيحية التي يطل عليها قرب الحدود مع تركيا وسوريا وإيران.
لكن المسيحيين هناك أفلتوا من أحدث هجمة.. وهي التي شنها هذه المرة تنظيم داعش الإرهابي الذي سيطر على أكثر من ثلث أراضي العراق في الفترة من 2014 إلى 2017 بما في ذلك مدينة الموصل الواقعة على مسافة 32 كيلومترا فقط باتجاه الجنوب.
ومن حسن الحظ أن مقاتلي التنظيم لم يصلوا لأبعد من بضع قرى شمالي الموصل فنجت القوش من الأعمال الوحشية التي تعرضت لها الأقليات الدينية في العراق. وفرت بعض الأسر من هذه القرى ولجأت للقوش بحثا عن الأمان.
وقال سعد يوحنا وهو راهب عراقي يعمل في دار للأيتام بالمنطقة "أعتقد أن هذه ستظل بلدة مسيحية. يجب أن نبقى على هذه الأرض".
وأضاف: "يعيش عدد أقل بكثير من الناس هنا هذه الأيام- ربما ألف أسرة من 3 آلاف قبل بضع سنوات لكنها تظل وطنهم".
ويتسلق السكان والمسيحيون في المنطقة الجبل بانتظام للصلاة في الدير أو بحثا عن السكينة.
ويعتبرون البلدة وأديرتها وكنائسها ملاذا للعيش والعبادة في بلد يقولون إن وجود المسيحيين فيه بات مهددا.
فمن بين 1.5 مليون مسيحي كانوا يعيشون في العراق قبل الغزو الأمريكي عام 2003، لم يتبق سوى الخُمس وفر الباقون من العنف الطائفي أولا على يد تنظيم القاعدة ثم على يد تنظيم داعش الإرهابي.
وسيحظى النازحون المتبقون على فرصة نادرة لتسليط الضوء على وجودهم في العراق هذا الأسبوع، حينما يزور البابا فرنسيس البلاد في الفترة من الخامس إلى الثامن من مارس/ آذار.
وأقرب مكان من الدير سيصله البابا في جولته هو مجموعة من الكنائس المهدمة في الموصل التي كانت ذات يوم العاصمة الفعلية لتنظيم داعش الإرهابي.
رمز الصمود
كان يوحنا ضمن الذين تركوا القوش عندما سيطر تنظيم داعش الإرهابي على الموصل وعدة بلدات مسيحية إلى الجنوب. وعاد بعد بضعة أسابيع حينما نجت القوش من الهجوم.
واتخذت بعض الأسر القادمة من المناطق المجاورة من القوش مستقرا لها إذ أصبحت قراهم الآن تحت سيطرة فصائل شيعية عراقية ساعدت الجيش في هزيمة مقاتلي تنظيم داعش في 2017.
وقالت ميسون حبيب وهي أم لسبعة أبناء جاءت من منطقة تلكيف المجاورة "الناس فتحوا لنا أبوابهم كأشقاء مسيحيين فارين من داعش، وساعدونا على جمع شتات حياتنا".
وأضافت: "القوش محمية وغير معرضة للخطر ولا تسيطر عليها ميليشيات".
ولم تحسم بعد مسألة السيطرة على القوش نفسها فهي تقع في منطقة متنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد وبين إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي.
ورغم أنها تقع في نطاق محافظة نينوى التابعة للحكومة المركزية فهي تحت سيطرة القوات الكردية التي ساعدت في طرد تنظيم داعش الإرهابي.
وأسرة ميسون حبيب من بين نحو مئة أسرة من المناطق المجاورة تأتي للصلاة في كنائس القوش وأحيانا في مذبح داخل الدير.
وينظرون للدير القابع على سفح الجبل كرمز نادر على صمود المسيحية بعد ما نجا من هجمات تنظيم داعش كما حدث في أجزاء أخرى من شمال العراق.
وكان دير مار إيليا، أقدم أديرة العراق، الواقع قرب الموصل قد لحقت به أضرار أثناء الصراع عام 2003 قبل أن يدمره تنظيم تنظيم داعش بعد ما يزيد قليلا على 10 سنوات.
وبني دير الربان هرمزد، المسمى على اسم مؤسسه، عندما كانت جيوش المسلمين تفتح بلدان الشرق الأوسط، وتحصن الدير على مر السنين.
وتحيط بجدرانه الحجرية العالية كهوف كان الرهبان ذات يوم يلوذون بها للتأمل والصلاة.
وأصبح الدير مركزا مهما لرجال الدين الكاثوليك الشرقيين من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر لكن الرهبان خرجوا بالتدريج ساعين لأماكن يسهل الوصول إليها منها دير آخر في البلدة.
وهو مفتوح الآن للزوار والمصلين والرهبان ولكن ليس للإقامة.
ولخصت شذا توفيق، وهي امرأة انتقلت للعيش في القوش، مشاعر مسيحيي المنطقة تجاه أول زيارة باباوية للعراق، قائلة: "وضعنا في العراق ليس جيدا ولكنني أشعر أنني في وطني هنا".