لفهم بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، بشكل صحيح، ومن خلال ذلك فهم سياسات حكومته حيال الصراع في غزة، لا بد من البحث قليلًا في صفحات الماضي لهذا الرجل، وكذلك النهج العام لتوجهاته المرحلية والآنية.
وقتها فقط سنرسم خارطة معرفية للطرق التي قد يسلكها "أبو يائير" ابن الـ75 عامًا في الحكم والحياة السياسية المعقدة.
أولًا: نتنياهو هو ابن "بن صهيون نتنياهو"، المؤرخ والأكاديمي الصهيوني الشهير، أستاذ التاريخ في جامعة كورنيل الأمريكية، والناشط في الحركة الصهيونية التحريفية، والرجل الذي ضغط في الولايات المتحدة لدعم إنشاء الدولة اليهودية.
ثانيًا: نتنياهو، كما والده، تتلمذ فكريًا على يد "زئيف جابوتنسكي"، صاحب النظريات العنصرية الشهيرة ضد الفلسطينيين وتاريخهم. والد نتنياهو كان السكرتير الشخصي لجابوتنسكي، ولهذا السبب نجد نتنياهو متأثرًا بشكل مهول بكل أدبيات الفكر الصهيوني التحريفي.
ثالثًا: خبرة نتنياهو الطويلة في الحكم داخل إسرائيل جعلت منه أحيانًا ندًا للولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من كونه حليفًا لها. وهذا ما يظهر الآن من خلال خلافه السياسي بين الحين والآخر مع البيت الأبيض بقيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن وبقية أركان إدارته الديمقراطية.
رابعًا: يصف نتنياهو نفسه بأنه "حفار قبور" التسويات مع الفلسطينيين، والسياسي الذي أجهض اتفاق أوسلو، وانقلب على إرث سلفه إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الشهير، الذي تم اغتياله في نوفمبر عام 1995، على يد متطرف يهودي يسمى إيجال أمير.
خامسًا: يطور نتنياهو بين الحين والآخر من خططه في التعامل مع التبعات الكارثية على إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويرى فيها طوق نجاة له إن استطاع حسم المعركة عسكريًا ضد حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
سادسًا: من الواضح أن عملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة رفح بقطاع غزة، ستشكل منعطفًا خطيرًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ككل، وحتى في المنطقة بشكل عام، لأن معركة رفح المرتقبة أضحت تُسمى "أم المعارك"، والضحايا من الفلسطينيين - لا قدر الله - سيكون عددهم كبيرًا، والملاذات الآمنة منعدمة بشكل كامل.
سابعًا: يمكن القول إن الرواية الرسمية الإسرائيلية التي سرد فصولها وزير الدفاع نتنياهو "غالانت" في البيت الأبيض، كانت ترتكز على حيثيات وجود 18 كتيبة عسكرية لحماس، وأن المهمة البرية الإسرائيلية قضت على 14 كتيبة، وتبقى 4 كتائب للقسام، تتخذ من مدينة رفح مقرًا لعملياتها.
ثامنًا: الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية حيال رفح تميل أيضًا إلى أولوية السيطرة المباشرة على المعبر مع مصر، وبالتالي فرض معادلة جديدة على الأرض لا يمكن لأحد أن يتخيل فصولها إذا حصلت. وفي الوقت نفسه، هناك سيناريوهات قائمة وقاتمة في توقعاتها بشأن مستقبل الحلول السياسية.
تاسعًا: هناك الكثير من الحذر في الشروع بعملية عسكرية في رفح، لكن تل أبيب تفضل أن تقوم بها بشكل يشابه ذلك النموذج السابق في غزة عمومًا، حين دخل الجيش الإسرائيلي بريًا إلى غزة بهدوء بعد أحداث السابع من أكتوبر، أي دون ضجيج إعلامي وبيانات عسكرية رسمية مباشرة، أو ساعة صفر يتم تحديد موعدها بشكل معلن.
وخلاصة القول في هذا الصدد، ترتبط كمًا وكيفًا بمدى صعوبة الحرب الانتخابية الأمريكية، ومن الجيد تسميتها كذلك، لأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والمرشح الجمهوري الحالي، يرى في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين ورقة رابحة له، كي يوجه رسالة واضحة لناخبيه، بأن بايدن فاشل وسياسته حيال الشرق الأوسط مترهلة وغير قابلة للتطبيق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة