المحافظة على سلامة النيات من الشوائب تعد من التحديات في زمن الأضواء والظهور والشاشات
يتخرج الناس من مدرسة رمضان بالمغفرة والرحمات، وتنقية النفس من الآفات، وتحقيق القيم والعبوديات، ومن أخص خصائص الصيام تحقيق الإخلاص للملك العلام، فيأتي رمضان ليضعنا أمام حقيقة عظمى وقيمة كبرى من قيم عبادة الصيام، تتمثل في كونها العبادة التي يمكن أن تخلُص تماما من آفة الرياء والسمعة، لأن المرء يستطيع أن يفطر بعيدا عن أنظار الناس! ولكنه يحافظ على صومه لله تعالى مخلصا محتسبا الثواب، ولعل هذا السر في جعل تقدير ثواب الصيام لله تعالى دون سائر الأعمال، كما في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".
ومن يوفق لتحقيق الإخلاص في شهر الصيام مستحضرا نية نقية صافية، فإنه يستحق موعودا كريما بالمغفرة؛ ففي الصحيح: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
والإخلاص أحد شرطي قبول العمل الصالح، والثاني هو المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "أخلصه وأصوبه".
الإخلاص منظومة كاملة يستحضرها الإنسان في فرائضه وعباداته، وفي أخلاقه وتعاملاته، كما يستحضرها المرء في مسجده وبيته ومقر وظيفته
والمحافظة على سلامة النيات من الشوائب تعد من التحديات في زمن الأضواء والظهور والشاشات، ولذلك حرص الأخيار على تجريد الإخلاص لله، وإخفاء العمل، والبعد عن الشهرة، وفي شهر رمضان تكثر الأعمال الصالحة، ومنافسات البر النافعة، فما أحوجها للنوايا الصادقة الخالصة.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أهمية استحضار احتساب النية فيما يزاوله الإنسان من يومياته وحياته المعيشية، حتى تصير العادات عبادات، فقد زار نبينا صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في مرضه فقال له: "حتى ما تجعل في فيّ امرأتك صدقة"، وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل".
والإخلاص منظومة كاملة يستحضرها الإنسان في فرائضه وعباداته، وفي أخلاقه وتعاملاته، كما يستحضرها المرء في مسجده وبيته ومقر وظيفته، فالأب يستحضر النية في تربية الأبناء، والمعلم يستحضر النية في تعليم الطلبة، والإمام يستحضر النية في صلاته بالناس، والطبيب يستحضر النية في علاج المرضى، ورجل الأمن يستحضر النية في حفظ الأمن والاستقرار، وهكذا سائر الأعمال والوظائف.
ومن المواطن التي يحتاج المرء فيها إلى الإخلاص أكثر من غيره أوقات الأزمات، وما يمر بالعالم اليوم من وباء كورونا المستجد محطة لتعزيز الإخلاص، فالوطن بحاجة إلى القلوب المخلصة، والسواعد الفتية، وإن مما يثلج الصدر تلكم الجهود الحثيثة، والتضحيات الفريدة من صف الدفاع الأول في مثل هذه الأزمة، فالأزمات تبرز الإخلاص والوفاء، والبذل والعطاء.
فلنحرص جميعا على تحقيق الإخلاص في عبادتنا وتعاملنا وعملنا الدؤوب لوطننا، ولنجعل من شهر رمضان شمعة وضاءة تنير لنا دروب الإخلاص.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة