مدنيو الرقة.. من نار داعش لجحيم المخيمات
مع تصاعد نيران الحرب داخل الرقة، تزداد الأوضاع الإنسانية تعقيدًا على سكان المدينة بين الحصار وسوء الأحوال داخل المخيمات
مع تصاعد وتيرة الحرب داخل قرى وبلدات مدينة الرقة السورية، تزداد الأوضاع الإنسانية تعقيدًا، وتصبح حياة السكان مليئة بمخاطر الحصار والفرار لسوء الأحوال المعيشية داخل المخيمات منذ انطلاق المعركة في الـ6 من يونيو/حزيران الماضي.
وعلى أرض الواقع، تتقدم قوات سوريا الديمقراطية المكونة من تحالف كردي عربي بشكل منتظم نحو قرى وبلدات الرقة، لتفرض القوات المدعومة من التحالف الدولي سيطرتها على أكثر من 60% من مساحة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم "داعش" الإرهابي بعد شهرين من انطلاق المعركة.
وفي كل نجاح جديد تعلنه قوات سوريا الديمقراطية على العناصر المسلحة، يواصل داعش أعماله الإجرامية، مستخدمًا المدنيين كدروع بشرية كسلاح أخير يمتلكه التنظيم أمام زحف القوات، ما يجبر هؤلاء المدنيين على الفرار ومواجهة شبح الموت من جديد داخل المخيمات.
حصار داعش
بلا ماء ولا دواء.. هكذا تصبح الحياة اليومية لمدنيي الرقة منذ بدء الاشتباكات على أطراف المدينة. وتعود معاناة مدنيي الرقة إلى أشهر عديدة منذ بدء عملية درع الفرات والحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة تمهيدًا لمعركة تحرير الرقة؛ حيث أدت الاشتباكات والحروب المستمرة إلى انقطاع شبكات المياه والكهرباء وتوقف العديد من المستشفيات ومراكز الخدمة الصحية عن العمل، ما ضاعف المأساة لدى سكان المدينة منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ورغم توغل قوات سوريا الديمقراطية داخل الرقة، وفرض سيطرتها على 70% من البلدة القديمة أهم النقاط الرئيسية بالمعركة، وإعلان أحد القادة الميدانيين اقتراب تحرير البلدة القديمة بالكامل خلال أيام، لم يتوقف داعش في ممارساته الإجرامية بحق المدنيين العالقين داخل المدينة لتزداد معاناة نحو 40 ألف مدني محاصر على أيدي مسلحي التنظيم.
ووفقًا لتقارير دولية، أصبحت الرقة مدينة بلا مواد غذائية أو طبية، فضلًا عن تهدم جميع المستشفيات وفقدان كل الطرق الطبية الممكنة لعلاج الأطفال وتضميد جراح المدنيين والعسكريين الذين يسقطون جراء مقذوفات داعش، وبعد أن فر عشرات الأطباء من المدينة، لم يتبق سوى 4 أطباء مسؤولين عن الحالة الصحية لـ40 ألف مدني محاصر.
وفي الوقت نفسه، تتفاقم المعاناة الإنسانية لدى هؤلاء الأطباء، إذ لم يعد لديهم الإمكانيات والأجهزة الطبية والمستشفيات لعلاج المرضي والجرحى، ولا طريق آمنا للخروج من المدينة وجلب الأدوية المناسبة للإصابات التي يأتي أغلبها نتاج قذائف ورصاص حي من عناصر التنظيم الإرهابي.
وطوال فترة حصار داعش لسكان المدينة، زادت المخاطر على المدنيين بعد أن نفد مخزون الطعام من البقوليات، لتتعالى صرخات الأطفال جوعًا بعد حصار دام أكثر من شهر، وتوقف حركة إرسال المساعدات الغذائية والأطعمة عن الرقة لانقطاع طرق الإمدادات بين الحدود السورية العراقية لاحتدام الاشتباكات، بالإضافة لتعرض كل الأفران بقرى الرقة لقصف مباشر ما أدى لتوقفها عن العمل.
رحلة الفرار والعيش بالمخيمات
وطوال الاشتباكات، يحاول المئات الفرار هربًا من من شبح الموت على أيدي عناصر داعش، ليطاردهم شبح موت جديد أثناء رحلة الهروب المليئة بالعقبات والصعاب، راغبين في مكان آمن يحمي أطفالهم من الحرارة المرتفعة ويوفر لهم أبسط متطلبات الحياة.
وفي المخيمات لم يكن الوضع الإنساني على ما يرام، وبات لاجئو الرقة داخل الخيم على حافة كارثة إنسانية؛ حيث تواصلت الأعداد النازحة من الرقة منذ مايو/آيار الماضي نحو 200 ألف نازح لشدة المعارك وقسوتها على أطراف المدينة وداخلها.
ورغم توجيه المفوضية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة نحو 299 مليون دولار فقط من أصل 153 مليون دولار مطلوب لتغطية الاحتياجات الإنسانية من مواد غذائية وطبية لنازحي الرقة، لم تصبح الأوضاع داخل المخيمات أفضل بل يزداد الأمر سوءًا كل يوم.
وتتضاعف أعداد النازحين في كل أسبوع؛ حيث تخطت أعداد النازحين في الأسابيع الأولى من سير المعركة 7 آلاف سوري، وفي المقابل كانت الحياة داخل المخيمات غير آدمية، نظرًا لسوء تجهيزاتها وتكدس أعداد النازحين بداخلها مع تفاقم درجات الحرارة التي تصل لـ50 درجة مئوية.
وداخل مخيم عين عيسى الموجود شمال محافظة الرقة، يعاني الأطفال النازحون من سوء الخدمات الصحية وندرة الغذاء والمياه، حيث يصطف عشرات الأطفال في طابور طويل انتظارًا للحصول على كوب من المياه، وبداخل المخيم يتواجد نحو 8400 نازح داخل 1080 خيمة مهترئة سيئة التجهيز.
ويصعب نقل المؤن والمساعدات الإنسانية لداخل المخيم الذي تأسس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لوقوعه بالقرب بمنطقة قريبة من الاشتباكات، ما يزيد من مأساة الأطفال والنساء بداخله.
ولم يختلف الوضع الإنساني داخل مخيم الطويجينة شمال غرب ريف الرقة؛ حيث تنعدم كل أشكال الحياة الآدمية ومقومات العيش البسيط، لشدة درجات الحرارة وسوء تجهيز الخيم التي تزيد من معاناة 5 آلاف نازح، ومع تكدس الفارين وندرة الأدوية تحول المخيم لموطن للأوبئة والأمراض المزمنة المهددة لحالات الأطفال وكبار السن.
ومع تزايد الأعداد الهاربة من جحيم داعش ونيران الحرب، يتوزع آلاف النازحين على مناطق بأرياف الرقة جنوبًا وشرقًا وقرب الطبقة وبلدة الكرامة وقرى الحمرات، بعد حصار أعداد من عناصر التنظيم للطرق المؤدية للمخيمات القريبة من هذه المناطق.
aXA6IDMuMTQ3LjYyLjk5IA== جزيرة ام اند امز