بالصور.. نازحو الموصل.. معاناة ممتدة لما بعد داعش
مع إعلان القوات العراقية هزيمة تنظيم "داعش" ارتفع سقف توقعات سكان الموصل بشأن توقف حركة النزوح وعودة الفارين من المعركة.
"حتماً سنوعد يوماً" عبارة يرددها آلاف العراقيين، الذين تركوا ديارهم خوفاً على صغارهم من نيران الحرب بمعركة الموصل التي انطلقت منذ 9 أشهر، باحثين عن مأوى آمن يوفر لهم أبسط احتياجات الحياة الأساسية.
ومع إعلان القوات العراقية هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي بتحرير جامع النوري الكبير والتقدم بشكل أكبر داخل المدينة القديمة في الـ29 من يونيو/ حزيران الجاري، ارتفع سقف توقعات سكان الموصل، ليس فقط بشأن توقف حركة النزوح من منازلهم الواقعة غربي الموصل، بل امتدت التوقعات إلى إمكانية عودة الفارين من المعركة إلى المناطق المحررة بالمدينة العراقية.
ولكن بالرغم أن المشهد ميداني وسياسي يبدو في صالح القوات العراقية بإعلان هزيمة داعش بالموصل، والدخول في مرحلة تمشيط الشوارع والأزقة الضيقة من الخلايا النائمة للمسلحين، وبدء مهاجمة الجيوب الأخيرة للدواعش غربي المدينة، إلا أن حركة نزوح مدنيي الموصل لم تتوقف، كما أن حلم العودة إلى المنازل أصبح ليس سهلاً كما توقعت الأسر العراقية.
المرحلة النهائية.. مأساة للمدنيين
ويتبقى أمام القوات المكونة من الجيش العراقي وقوات الشرطة الاتحادية وقوات البيشمركة وجهاز مكافحة الإرهاب والفرقة 9 مدرعة والفرقة 15 المدعومة من التحالف الدولي، تحرير أقل من 1% غربي الموصل، حيث تتواجد بقايا وفلول داعش داخل مناطق الميدان، والكوازين، وباب الشط، والشهوان، وسوق الصغير، والقليعات بالإضافة لدكة البركة، ليشتد الحصار على قاطني هذه الأحياء والمناطق، الذين لم يتمكنوا من الفرار في الأيام الماضية، للحصار المسلح الذي فرضه داعش نحو المدنيين كسلاح لإيقاف زحف الجيش العراقي بالبلدة القديمة.
ومع ملاحقة فلول داعش، تندلع الاشتباكات بمناطق النجفي والمنطقة الشمالية بالبلدة القديمة، بعد تحرير أطراف الجنوب ووسط المدينة، لتبدأ القوات العراقية في تفكيك الألغام والسيارات المفخخة التي زرعها التنظيم الإرهابي مستهدفاً بها أمن المدنيين أثناء عملية النزوح، ليفقد العشرات من الأطفال والنساء حياتهم أثناء الفرار من منازلهم إلى المخيمات الحكومية والأممية، ليصبح خطر داعش قائماً يحيط بالمدنيين منذ 3 سنوات ماضية.
"رحلة العودة لا تختلف عن رحلة الفرار" عبارة تكررت في أحاديث وشهادات المدنيين العائدين إلى منازلهم بالمدينة العراقية آخر معاقل داعش، ليربط بعضهم بين المخاطر التي تعرضوا لها أثناء رحلة النزوح نتيجة محاصرة المسلحين لهم واستخدامهم كدروع بشرية وإعاقة حركتهم، والخطورة التي يتعرضون لها في عودتهم مرة أخرى لوطنهم، فضيق الأزقة والشوارع جعل من طريقة إدارة الحرب والسلاج المستخدم خطراً يهدد حياة المدنيين.
ليصبح القصف الجوي بالطائرات هو سبيل وحيد للقوات العراقية لاستكمال مرحلة تطهير المناطق الواقعة جنوب ووسط البلدة القديمة، وخطراً يهدد عودة آلاف النازحين، نظراً لتعرض مئات المنازل والبيوت إلى القصف الجوي لاختباء الدواعش بداخلها، لتصبح منازل متهالكة غير صالحة للعيش، لانقطاع المياه والكهرباء عن بعضها، وتدمير أساسات البعض الآخر منها.
وخلال المرحلة الحالية، فقد مئات المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن حياتهم، لسقوطهم أثناء الاشتباكات المتبادلة داخل الأزقة والمنازل الموجود بأطراف غربي الموصل، خاصة مع اشتداد المعركة داخل المناطق والأحياء المحررة مؤخراً في باب الطوب والفاروق الثاني وباب البيض وباب جديد وباب لكش، ليلجأ العراقيون المحاصرون إلى الاختباء داخل سراديب المنازل، ليتعرض بعضهم للموت من نيران الحرب، ويموت آخرون من نقص المياه والغذاء تحت الأنقاض دون أن يعلم عنهم أحد.
بينما عاش عشرات المدنيين المحاصرين خلال الأسبوعين الماضيين ومنذ اقتحام البلدة القديمة، أياماً من الرعب والخوف، قبل وصول قوات الشرطة الاتحادية لإنقاذهم من تحت الأنقاض، نتيجة القصف الجوي ورصاص الحرب، لتتمكن القوات المنوطة بهذه المهمة من إنقاذ 550 مدنياً أثناء تحرير حي الشفاء بالكامل وباب جديد والجسر القديم.
ووفقاً لتقارير من قادة المعركة، فإن وجود التنظيم الإرهابي بات محدوداً للغاية داخل الموصل، لتقدر أعداده بـ200 عنصر مسلح أغلبهم من المقاتلين الأجانب وغير العراقيين، الذين لا يزالون يتركبون جرائم بحق سكان الموصل، كقتل وإعدام عشرات المدنيين أمام أسرهم ومنازلهم، وإلقاء الجثث بالشوارع، انتقاماً من القوات العراقية التي بات تقدمها يوماً بعد يوم نجاحاً جديداً واستعادة أحياء، وكانت مناطق النبي جرجس وعبد خوب وسوق الشعارين آخر المناطق التي حررت من داعش.
المخيمات.. وجه آخر لمعاناة النازحين
كما تضاعفت أعداد الفارين من غربي الموصل خلال الـ5 أيام الماضية، نظراً لشدة الاشتباكات بمرحلتها الأخيرة، لينزح نحو 1400 مدني بشكل يومي من مناطق تواجد بقايا داعش، متوجهين إلى مخيمات على أطراف محافظة الأنبار، ليستقبل مخيم السلامية بالأنبار أكثر من ألف مدني خلال أيام قليلة، الذي يعود تاريخ افتتاحه إلى مايو/ أيار الماضي، بهدف استيعاب 60 ألف مدني.
وقبل أن يتم إغلاقه، استقبل مخيم الكيلو 60 بالرمادي آلاف النازحين منذ بدء معركة شرق الموصل في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، وجاء قرار الإغلاق عقب وقوع تفجير انتحاري داخل المخيم أودى بحياة 14 نازحاً، لينقل نازحي المخيم إلى مخيم الكيلو 18 غربي الرمادي، نظراً لوفرة المساعدات والغذاء والماء المقدمة للمخيم.
ومنذ انطلاق معركة الموصل نزح أكثر من 900 ألف عراقي من شرق وغربي الموصل، ليتم توزيع أعداد اللاجئين من الموصل بين مخيمات حكومة وأممية، حيث تمكن 566 ألف نازح الوصول والتوطين بمخيمات موزعة بين نينوي وأربيل وكردستان، ليعود ما يقرب من 200 ألف نازح إلى المناطق المحررة شرق الموصل، لتصبح معاناة العودة بمناطق غربي الموصل التي فر منها أكثر من 450 ألف شخص خلال 5 أشهر.
ورغم المجهود المبذول من قبل الأمم المتحدة والحكومة العراقية لتجهيز المخيمات قبل بدء المعركة، إلا أن معاناة لاجئي الموصل ظلت مستمرة لنقص المساعدات الإنسانية، لترتفع توقعات دولية بزيادة معاناة 700 ألف نازح خلال فترة الحرب بعد فرارهم للعيش بالمخيمات.
واستقبل مخيم الخازر الموجود بين الموصل وأربيل أكثر من 600 نازح من قرى شرق الموصل، بتجهيزات خيم مزودة بأغطية وطعام ومياه، ليتعرض عشرات الفارين من الموصل لحالة تسمم في منتصف الشهر الجاري من أصل 800 لاجئ بالمخيم.
بينما وزعت وزارة الهجرة العراقية أكثر من 3500 نازح على خيام بـ"مخيم الجدعة" الواقع بـ"القيارة" بمحافظة نينوي، لتؤسس مخيماً بإقليم كردستان مزود بـ800 وحدة كاملة لاستقبال 7 آلاف شخص، ليستوعب المخيم بداخله بين 100- 150 عائلة يومياً منذ تأسيسه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وتستمر استعدادات استقبال نازحي المعركة، بإقامة 5 مخيمات بمحافظة دهوك بكردستان، وإنشاء 21 مخيماً حول مدينة الموصل، ليتسع لـ195 ألف شخص، فضلاً عن افتتاح مخيم تشاماكور جنوب الموصل ليتسع لـ11 ألف نازح.