منذ بداية عام 2017، تعالت الأصوات داخل بعض الدول الأوروبية لتعلن رفضها لاستقبال المزيد من اللاجئين.
مع تصاعد وتيرة الحروب في سوريا والعراق، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في جنوب السودان وبعض الدول الإفريقية، ترتفع أعداد النازحين واللاجئين إلى المناطق المجاورة لهذه الدول ودول الاتحاد الأوروبي. ولكن تبدو الأوضاع ليست على ما يرام خلال العام الحالي بالنسبة لاستقبال اللاجئين كما كان الحال في عام 2016.
فمنذ بداية عام 2017، تعالت أصوات داخل بعض الدول الأوروبية، لتعلن رفضها لاستقبال المزيد من اللاجئين، وطالبت أصوات أخرى بضرورة إخلاء جميع المخيمات ومركز الإيواء الحالية من اللاجئين المتواجدين بها، كتمهيد لفض جميع المهاجرين واللاجئين الفارين من نيران الحرب وآلام الجوع خارج بلادهم، كما دخلت المخيمات ضمن دائرة الاستهداف الأولى لتنظيم "داعش" الإرهابي، ليواجه لاجئو العالم أزمات متتالية.
أوروبا.. تراجع الأمن وتزايد الانتحار بالمخيمات
ورغم النداءات الأممية بضرورة استيعاب أعداد اللاجئين والفارين من معارك الموصل بالعراق والمعارك في سوريا وتحديداً على حدود مدينة الرقة، وانعقاد مؤتمر في بروكسل خلال شهر مارس/آذار الماضي، من أجل مناقشة أوضاع النازحين، وتحسين أوضاعهم الإنسانية، وتأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والمواد الطبية داخل مراكز استقبال ومخيمات الإيواء، وتخصيص أموال قدرت بحوالى 6 مليارات دولار لدعم النازحين السوريين، ودعم الدول المستقبلة لهم منذ الـ6 سنوات الماضية عندما بدأت الحرب في سوريا، إلا أن بلجيكا انضمت لقائمة الدول الرافضة لاستقبال لاجئين جدد.
"يجب ألا يقبل الاتحاد الأوروبي دخول لاجئين ومهاجرين أفارقة، يدفعون لمهربي البشر لعبور البحر المتوسط، ويجب إعادتهم للقوارب نفسها التي جاءوا بها"، خرج ثيو فرانكن، وزير الهجرة البلجيكي بهذا التصريح، الأسبوع الحالي، متحدثاً عن حالات اللجوء والهجرة عبر القوارب بمياه البحر المتوسط.
وأعلن فرانكن رفضه لاستقبال لاجئين جدد، مشيراً إلى أن سياسة استقبال اللاجئين يجب أن تكون واضحة، وعدم السماح بدخول هؤلاء بتذكرة مجانية للقارة الأوروبية، خاصة أن الأعداد وصلت بين عامين 2014-2016 حوالى 1.6 مليون لاجئ ومهاجر لشواطئ أوروبا.
وشدد وزير الهجرة البلجيكي، على دول الاتحاد بضرورة إعادة هؤلاء لبلادهم بنفس القوارب التي حملتهم إلى أوروبا، مؤكداً أن عملية استقبالهم تمثل جريمة وعملاً غير إنساني، لإنعاش شبكات المهربين المستغلين لحالة اللاجئين ونقلهم في قوارب غير آدمية.
وخلال الربع الأول في العام الحالي، قطع أكثر من 50 ألف رحلة هجرة عبر البحر المتوسط لمجموعة من اللاجئين الأفارقة، وفي الوقت نفسه لم يستطع جميع المهاجرين الحصول على حق اللجوء بدول الاتحاد الأوروبي.
وفي إيطاليا كان الوضع غير مستقر للاجئين، حيث تعرض أكثر من مخيم ومركز استقبال للاجئين لعملية سرقة واستيلاء على الأموال المخصصة لرعاية القادمين من دول الشرق الأوسط.
وقد أعلنت الشرطة الإيطالية، قيام إحدى عصابات المافيا في مدينة كاتانزارو الإيطالية، بالاستيلاء على أموال مراكز استقبال اللاجئين، وداهمت العصابات مركز إيزولا كابو ريزوتو، الذي يتسع لأكثر من 1200 لاجئ ومهاجر، أكثر المخيمات استقبالاً للاجئين بإيطاليا، حيث خصصت الحكومة الإيطالية حوالى 16 مليون يورو سنوياً للمواد الغذائية والأدوية.
ويمثل الوضع الأمني في إيطاليا تهديداً آخر لحياة اللاجئين، لانتشار عصابات المافيا المنتشرة أقصى جنوب البلاد، والمستهدفة لأموال اللاجئين، حيث تعد إيطاليا من أوائل الدول استقبالاً للاجئين منذ 2014 حوالى نصف مليون لاجئ عبر قوارب وزوارق من السواحل الليبية.
ومع فقدان الأمل واليأس، وتراجع طموحاتهم وأحلامهم في إيجاد ملجأ جديد أكثر أمناً بعيداً عن مشاهد الدمار والحروب، ارتفعت نسب الانتحار بين اللاجئين في ألمانيا، أكثر الدول استيعاباً لحالات اللجوء خلال الأعوام الخمسة الماضية.
وتحدثت عدة وسائل إعلام ألمانية، عن تزايد حالات الانتحار في ولاية ساكسونيا السفلى مقارنة بالعام الماضي، موضحة أن الولاية رصدت 50 محاولة انتحار العام الحالي، بينما شهد العام الماضي 19 حالة انتحار في ولايات مختلفة.
وأرجعت السلطات الألمانية إلى أن الأسباب النفسية وسوء أوضاع المعيشة هي أسباب رئيسية لقدوم هؤلاء على هذا الفعل وعمليات الانتحار، خاصة أن في نفس ولاية ساكسونيا طبقت عدة إجراءات مشددة أدت لتفريق شمل عائلات اللاجئين، ما أثر سلباً على نفسية اللاجئين هناك.
وبحلول نهاية عام 2016، تعرضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لضغوط عديدة لوضع شروط استقبال اللاجئين، بهدف الحد من تدفق المهاجرين واللاجئين لبلاده، حيث استقبلت ألمانيا نحو مليون لاجئ خلال 2015.
ويبدو أن الانتخابات الألمانية المقبلة المرتقبة في سبتمبر/ أيلول المقبل، أدت لرضوخ ميركل لمطالبات الأحزاب لوقف استقبال لاجئين وبناء مخيمات جديدة، وتوزيع هذه الأعداد بين مصر وتونس، فضلاً عن فرض رقابة مشددة على الحدود ووضع شروط معقدة لعملية استضافة اللاجئين.
إيقاف الدعم للاجئين والمخيمات
كما قررت وزارة الخارجية الأمريكية إيقاف التمويل المقدم من أمريكا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إحدى الهيئات المساندة للاجئين بالعالم، والداعمة للدول المستضيفة لهم، والمقدمة للدعم النفسي للاجئات الناجيات من الحروب وممارسات العنف بدول منطقة الشرق الأوسط.
وبقرار إيقاف دعم الصندوق، يتراجع دوره في دعم اللاجئين والدول المستقبلة، ما يزد من نبرة رفض هذه الدول لاستقبال مزيد من النازحين والفارين من الحروب والمجاعات.
إخلاء المخيمات.. مصير مجهول للاجئين
كما أقر الجيش اللبناني وجوب إخلاء جميع المخيمات الموجودة بمنطقة الدلهيمة، ليواجه آلاف السوريين المتواجدين بهذه المخيمات مصير مجهول منذ إبريل/ نيسان الماضي، وجاء قرار إخلاء المخيمات من قبل السلطات اللبنانية تخوفاً من موقع الخيام بالقرب من مطار عسكري، ما يشكل خطورة على حياة اللاجئين داخل الخيام.
ولم يختلف الوضع في فرنسا، حيث بدأت السلطات إخلاء مخيمين، دون توزيع اللاجئين المتواجدين بهما بمراكز استقبال مؤقتة، ما يزيد من أزمات المهاجرين هناك، ففي نهاية إبريل/ نيسان الماضي، أعلنت الشرطة الفرنسية خطتها لإخلاء مخيم جراند سانت، شمال فرنسا، الذي يضم 1500 لاجئ منذ إنشائه في مارس/ آذار 2016، وجاء القرار عقب نشوب حريق دمر أكثر من 70% من المخيم.
وبمشاركة 350 شرطي تم إخلاء مخيم بورت دولاشابيل، شمال شرق باريس، الذي يتسع لـ1000 لاجئ إفريقي وأفغاني، بنهاية الشهر الماضي، لتنضم فرنسا لقائمة الدول الطاردة للاجئين والنازحين.
ورغم أن السويد كانت ضمن المدن الأوروبية الأكثر استقبالًا للاجئين القادمين من الحروب خلال عام 2015، تعرض اللاجئون لأزمات عديدة بالسويد خلال العام الحالي، بدأت في 14مارس/ آذار الماضي، حينما تعرض أطفال لاجئون بإحدى المخيمات بمرض نادر لم يحدد أسبابه ونتائجه المتوقعة، وكانت أعراض المرض أشبه بحالة غيبوبة، والشعور بعدم الاتزان والقدرة على الحركة وممارسة أي نشاط، وفقدان المخ القدرة على الاستيعاب بشكل سريع، ما عرض هؤلاء الأطفال اللاجئون لتهديد من قبل السلطات السويدية لإمكانية الترحيل بشكل مفاجئ، منعاً لانتشار المرض بمدنهم.
وبعد حرائق متعددة شبت في عدد من المخيمات، أعلنت الشرطة السويدية إجلاء أكثر من 300 طالب لجوء من مقر إقامتهم واستضافتهم بالسويد، كما أخلت القوات نفسها مخيمات بمدينة فاكسيو، وقامت بترحيل 200 طالب لجوء من مقر استضافتهم، بالإضافة إلى أن الحريق الذي لحق بمدينتي ماليلا وبوربي، أدى إلى إجلاء أكثر من 100 لاجئ، فضلاً عن تعرض 6 لاجئين منهم للإصابة بجروح.
المخيمات في دائرة داعش الإرهابية
كما دخلت المخيمات ضمن دائرة استهداف داعش الإرهابي، ليقع تفجيران خلال أسبوعين متتالين في مخيم الركبان، الواقع بمنطقة منزوعة السلاح بين الحدود السورية الأردنية، والذي يستوعب 75 ألف لاجئ من شرق سوريا.
وفي 4مايو/ أيار الجاري، قتل 4 لاجئين في هجوم داعشي بسيارة مفخخة بالقرب من المخيم، كما وقع في الـ16 من الشهر نفسه، تفجير آخر بسيارة ملغومة في المخيم أسفر عنه 6 قتلى وجريحين.
كما استهدف داعش مخيم "رجم صليبي" الموجود بالقرب من الحاجز العسكري وسط الصحراء بالحسكة السورية، والذي يتسع لـ 5600 لاجئ من دير الزور والرقة شمال سوريا والموصل العراقية، وأسفر التفجير الذي وقع في 2 مايو/أيار الجاري، عن مقتل 22 لاجئ نتيجة هجوم بالسيوف والأسلحة النارية.
البحر المتوسط.. مقبرة لللاجئين والمهاجرين
كما كانت مياه البحر المتوسط أكثر قسوة على اللاجئين، لتبتلع مقبرة المتوسط حوالى 250 لاجئاً بين قتيل ومفقود، عقب غرق مركب بمياه البحر خلال الأسبوع الماضي، كما أعلنت مفوضية شؤون اللاجئين، الثلاثاء الماضي، سقوط نحو 163 لاجئاً، بعد تحطم قارب خشبي على الشواطئ الليبية، بالإضافة لفقد أكثر من 80 مهاجراً بالقرب من جزيرة صقلية في الفترة نفسها.
ولم تكن هذه الحادثة هي حادثة الغرق الأولى لقوارب اللاجئين، بينما سقط 12 لاجئاً سورياً عقب غرق زورق مطاطي نقلهم من نيران الحرب بسوريا، بحثاً عن ملجأ جديد، كما شهد جنوب غري ساحل تركيا وتحديداً في منطقة كوشاداسي مأساة غرق جديدة لسقوط 12 لاجئاً من أصل 22 لاجئاً سورياً انتقلوا للسواحل التركية، تمهيداً لنقلهم إلى مخيمات بأوروبا.