مدنيو البلدة القديمة.. بين وحشية داعش وشراسة المعركة بالموصل
تنحصر أمنيات مدنيي الموصل في الفرار من نيران الحرب، والوصول إلى مكان آمن يوفر لهم أبسط متطلبات الحياة، ويحمي صغارهم من رصاص داعش.
مصير مجهول لا يستطيع أحدهم تخيله، لتنحصر كل أمنياتهم الحالية في إمكانية الفرار من نيران الحرب، والوصول إلى مكان آمن يوفر لهم أبسط متطلبات الحياة من المياه والغذاء، ويحمي صغارهم من رصاص داعش الإرهابي، واشتباكات الحرب الدائرة غربي الموصل، هكذا تصبح الحياة اليومية لسكان البلدة القديمة التي لاتزال تحت حصار مسلحي داعش، وفي انتظار اقتحام القوات العراقية التي تطوقها منذ بداية يونيو/ حزيران الجاري.
أصبحت اختيارات مدنيي غرب الموصل المحاصرين بين سيء وأسوأ، فالاختيار الأول هو البقاء في منازلهم مكتفين بتأمينات الشرطة الاتحادية إحدى القوات المشاركة بالمعركة ضد داعش، يجعلهم عرضه للموت أو الإصابة جراء الاشتباكات التي وصفتها التقارير الدولية أنها أشرس الاشتباكات تشهدها معركة الموصل التي انطلقت في الـ 17 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى الإيذاء النفسي الذي يشعر به الأطفال من غياب الأمان ونقص المياه والغذاء لحصار داعش السافر على المدينة، وجرائمهم المستمرة بحق المدنيين كوسيلة لإجبار القوات العراقية للتراجع عن التقدم بـ المعركة.
أما الاختيار الثاني فيشوبه الكثير من المخاطر، فاختيار الفرار والهروب من المنازل متجهين إلى المخيمات الموجودة على أطراف الموصل وأربيل وكردستان، يعرضهم أيضًا إلى الموت فربما تصيبهم رصاص داعش أو ينتهي بهم الحال كأسري حرب أو دروع بشرية يستخدمها مقاتلو التنظيم بالمعركة، ليصبح مدنيو البلدة القديمة أمام مصير غير معلوم مليء بالمخاطر.
استهداف المدنيين.. سلاح داعش الإجرامي بالمعركة
يستيقظ سكان البلدة القديمة على أصوات رصاص وانفجارات ناجمة من أسلحة وألغام تنظيم داعش الإرهابي، التي يلجأ لها كمحاولات لإثبات الوجود بأرض الواقع، خاصة مع فقدانهم السيطرة على أكثر من 95% من مساحة غرب الموصل، لتتضاعف معاناة المدنيين مع استمرار الحصار والتنكيل بهم من قبل مسلحي داعش.
وتظهر وحشية التنظيم الإرهابي في إعدام عشرات المدنيين أمام منازلهم، وإلقاء الجثث في الشوارع والأزقة، لتنتشر جثث القتلى بشوارع حي الزنجيلي وهو آخر الأحياء التي فقد داعش سيطرته عليها، وقبل أن يسترده الجيش العراقي وأثناء محاولة السكان الفرار من الزنجيلي إلى حي النجار المحرر في الشهر الماضي، قتل داعش العشرات من النازحين، بينما تمكنت أعداد قليلة من الفرار.
كما لقي أكثر من 200 مدني حتفه غرب الموصل، عقب تصويب قناصة التنظيم الرصاص من فوق الأسطح نحوهم، ليسقط من بينهم أطفال ونساء، بالإضافة لبقاء أعداد كبيرة من العائلات العراقية تحت الأنقاض بعد القصف الجوي والمدفعي المستمر بين الجانبين بالمعركة، ليسقط 15 مدنيا جراء القصف الجوي.
وخلال الأسبوعين الماضيين نزح أكثر من 28 ألف عراقي، لتستقبل المخيمات الكيارة والمدرج وقري الحاج 14 ألف نازح، لتتضاعف معاناة أهالي البلدة القديمة بتكدس أعدادهم داخل نقاط الانتظار والتفتيش على حدود المدينة كمرحلة انتقالية للوصول للمخيمات خارج الموصل.
ولم تتوقف ممارسات داعش بنشر القناصة والسيارات المفخخة وانتحاريين بالبلدة القديمة، بل استعانوا بالنساء والأطفال للقتال الإجباري معهم، كما أصبح الحصار والتجويع ومنع وصول المياه والغذاء إلى المدنيين سلاحا آخر يستخدمه داعش بالمعركة.
وخلال الفترة من 5 إلى 14 يونيو/ حزيران الجاري، تعرض 100 ألف طفل للموت جوعًا والقصف الجوي، مع حصار 50 مدنيا عراقيا تحت الأنقاض، ليواجه المدنيون بغرب الموصل معاناة إنسانية حقيقة لا تنتهي، بعد حرق المسلحين عشرات المنازل بهدف حجب الرؤية عن طائرات التحالف وانتقامًا من المدنيين.
اشتباكات المعركة.. خطر يهدد 100 ألف عراقي
ورغم طمأنة القوات العراقية للمدنيين، ونشر منشورات على المنازل بهدف التنبيه لموعد بدء الاشتباك، حيث يتواجد 100 ألف عراقي محاصر بالبلدة القديمة، يصل أعداد الأطفال بينهم إلى أكثر من النصف، إلا أن الحصار المستمر، ومخاطر الاشتباك وشدة وتيرة المعركة لا تزال مخاطر تهدد حياة المدنيين.
وتضمنت رسالة قادة المعركة للعراقيين العالقين غرب الموصل رسالة طمأنة قالوا فيها "نحن قادمون إلى المدينة القديمة، القوات الأمنية على وشك إنهاء معاناتكم، شرق الموصل وغربها سيتحدان قريبًا"، ولم يدرك القادة العسكريون بالرغم من محاولاتهم المبذولة للحفاظ على حياة المدنيين، المعاناة الحقيقة التي يعيشها سكان البلدة القديمة من حصار ورصاص ونيران الحرب.
ومع تقدم القوات العراقية ناحية البلدة القديمة الجزء المتبقي تحت سيطرة داعش، ونظرًا لصعوبة المعركة من ضيق الأزقة والشوارع، تصبح احتمالية تعرض المدنيين العالقين غربي الموصل للموت قائمة، خاصة مع دخول الأسلحة الثقيلة وكثافة القصف الجوي واشتداد القتال البري، واستمرار القتال من منزل لآخر، ومن ثم تصبح معركة تحرير البلدة القديمة أكثر المعارك شرسة من الجانبين، خاصة وأنها المعقل الأخير لتنظيم داعش بالموصل، ما يمثل خطورة على أمن وحياة المدنيين العالقين بالبلدة القديمة غربي الموصل.