الإرهاب يتمدد.. «داعش» يصب الزيت على نار الشرق الكونغولي

في وقت كان فيه كل الاهتمام منصبا على تقدم المتمردين بالشرق الكونغولي، كان تنظيم داعش الإرهابي يتمدد بالمنطقة نفسها، مستثمرا فوضى لطالما منحته قبلة الحياة.
فحتى وقت قريب، انصبت الأنظار على متمردي حركة «23 مارس» المعروفة اختصارا بـ«إم 23»، وسط مخاوف من تداعيات أزمة منحتهم تقدما باتجاه الجنوب في إقليمي شمال وجنوب كيفو شرقي الكونغو الديمقراطية.
لكن تحركا من جانب القوات الأوغندية المنتشرة في إقليم إيتوري الكونغولي المجاور كان كفيلا بإعلان وجود طرف آخر، ليدق بذلك ناقوس الخطر ليس في هذين البلدين فقط، وإنما في وسط أفريقيا بأكملها.
- لصد متمردين مرتبطين بـ«داعش».. قوات أوغندية في «إيتوري» الكونغولية
- أزمة الشرق الكونغولي.. معادلة جديدة أم طبول حرب إقليمية؟
ومساء أمس الثلاثاء، أعلن الجيش الأوغندي أنّه نشر قوات في مدينة بونيا في شرق الكونغو الديمقراطية لمحاربة مليشيات محلية.
وبونيا هي عاصمة إقليم إيتوري، حيث يوجد لأوغندا آلاف الجنود الذين ينشطون في المقام الأول، جنبا إلى جنب، مع القوات الكونغولية ضد فصيل مرتبط بداعش.
وفي الواقع، كان هدف كمبالا الوحيد هو «القوات المتحالفة الديمقراطية»، الفصيل المتمرد الذي بات مرتبطا بتنظيم داعش الإرهابي، وتخشى تمدده إلى أراضيها عبر المناطق الحدودية الرخوة انطلاقا من الشرق الكونغولي.
و«القوات المتحالفة الديمقراطية»، ظهرت شمال شرقي أوغندا في تسعينيات القرن الماضي، وبدأت هجماتها في شكل حركة مسلحة متمردة استهدفت المدنيين وموظفي الأمم المتحدة قبل أن تعلن ارتباطها بالتنظيم الإرهابي.
معادلات معقدة
في ظل الديناميكيات المعقدة للغاية التي تحكم المنطقة التي مزقتها الحرب، اتهم خبراء الأمم المتحدة وآخرون أوغندا بالعمل ضد مصالح الكونغو الديمقراطية عبر دعم متمردي «إم 23» والسيطرة على بعض مصالح التعدين القيّمة في المنطقة، وهو ما تنفيه كمبالا بشدة.
والسبت الماضي، هدد قائد القوات المسلحة الأوغندية موهوزي كينيروغابا بمهاجمة المجموعات المسلحة في بونيا ما لم تستسلم.
وقال كينيروغابا على منصة "إكس": "أعطيت 24 ساعة بالضبط لكل القوات في بونيا لتسليم أسلحتها، وإذا لم يفعلوا ذلك فسنعتبرهم أعداء ونهاجمهم".
ويعرف كينيروغابا بمنشوراته التحريضية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تضمنت تهديدات بغزو الدولتين المجاورتين كينيا والسودان، على رغم أنه ييقول إن بعض رسائله كانت بمثابة مزاح.
وفي خضم كل ذلك، يعتقد خبراء أن المصالح الرئيسية لأوغندا في الكونغو الديمقراطية اقتصادية، لكنها مرتبطة أيضًا بشكل وثيق بالمصالح السياسية والأمنية، معتبرين أن فهمها هو مفتاح لفهم الصراع في المنطقة.
كما أن التمركز العسكري الأوغندي يهدف أيضًا لحماية البنية التحتية النفطية، حيث تمتلك أوغندا رواسب نفطية مهمة في منطقتها الغربية المتاخمة للكونغو الديمقراطية.
وهذه العائدات النفطية الموعودة مهمة لنظام يوري موسيفيني، وتحاول كمبالا حماية مصالحها في نقطة توازن صعبة، بالحفاظ على مصالحها مع كينشاسا، في وقت تغريها المعادن الغنية في الشرق الكونغولي وعلى رأسها الذهب.
«توقيت حساس»
من جانبه، يرى الخبير المصري في الشؤون الأفريقية رامي زهدي أن نشر قوات أوغندية في بونيا الكونغولية يأتي في «توقيت حساس للغاية».
ويقول زهدي في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «هذا التطور يعيد خلط الأوراق في مشهد أمني معقد يشهد تصاعد نفوذ متمردي إم 23 التي تُتهم أوغندا نفسها بدعمها».
كما يشير إلى «التصريحات الأخيرة لنجل الرئيس الأوغندي بشأن التدخل ضد المليشيات في الكونغو الديمقراطية»، مضيفا أن هذا التطور يعكس نهجين متباينين من كمبالا.
ويوضح أنه «من ناحية، تحاول أوغندا تقديم نفسها كشريك رئيسي في محاربة الإرهاب، وهو أمر يلقى قبولًا دوليًا، ومن ناحية أخرى، تواجه اتهامات بالتورط في دعم بعض الفصائل المسلحة، ما يضع علاقاتها مع كينشاسا ودول الجوار أمام اختبار صعب».
وبحسب الخبير ذاته، فإن «توقيت هذا التدخل يثير تساؤلات حول أهدافه الحقيقية، خاصة أن كينشاسا تخوض مواجهات شرسة مع متمردي إم 23».
بيئة خصبة
بخصوص داعش، يعتبر الخبير المصري أنه من المؤكد أن أي تصعيد أمني داخل الكونغو الديمقراطية يخلق بيئة خصبة لتمدد التنظيم، خاصة أنه يستغل الفوضى والصراعات الداخلية لإعادة التمركز وتوسيع نفوذه.
ويقول إنه «في ظل هذه الظروف، فإن الحرب الجديدة في الكونغو الديمقراطية قد تكون سلاحًا ذا حدين، فمن جهة، قد تؤدي إلى تفكيك بعض الخلايا الإرهابية».
لكن في الوقت ذاته، يستدرك: «قد توفر لداعش فرصة لضرب التحالفات الإقليمية وتوسيع نطاق تهديده، خاصة إذا ما أدى تعدد الفاعلين على الأرض إلى غياب التنسيق الأمني الفعّال بين دول المنطقة».
وحذر من أن «التحدي الأكبر هو ضمان أن يكون أي تدخل عسكري منسقًا وشفافًا، وذلك يتم بالتركيز على محاربة الإرهاب بمعناه الحقيقي، لا أن يتحول إلى غطاء لتصفية الحسابات الإقليمية، لأن الفوضى الأمنية هي الوقود الأساسي لتمدد الجماعات الإرهابية مثل داعش».
تنامي الصراع
من جهته، قال الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين إن نشر قوات أوغندية بالتنسيق مع القوات الكونغولية يأتي في ظل تنامي الصراع وتقدم المتمردين.
وأضاف تورشين لـ"العين الإخبارية"، أن "ذلك يعني أن الشرق الكونغولي بأقاليمه الخمسة مقبل على تحديات وتعقيدات كبيرة"، موضحا أن "هذه المحاولة من موسيفيني (الرئيس الأوغندي) حتى يضع الأوضاع في نصابها".
وتابع أن "أي تقدم من متمردي إم 23 في شمال وجنوب كيفو يعني أن المجموعات المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي ستجد مساحة وهي موجودة في الشرق الكونغولي وكذلك في موزمبيق".
وخلص المحلل السوداني إلى أن "هذا تطور خطير، وسيعقد المشهد"، معتبرا أن "رواندا من جانبها تسعى بشكل أو بآخر لتشكيل المشهد سياسيا وأمنيا".