أزمة الشرق الكونغولي.. معادلة جديدة أم طبول حرب إقليمية؟

المتمردون يزحفون جنوبًا بالشرق الكونغولي وعينهم على بحيرة كيفو، وسط مخاوف من فرض معادلة داخلية جديدة أو إشعال فتيل حرب إقليمية قد تقلب جميع التوازنات.
سيناريوهات مفتوحة ترسمها التطورات في منطقة مضطربة، هناك حيث سيطر، مؤخرًا، متمردو حركة «إم 23» المعروفة اختصارًا بـ«إم 23»، على بوكافو، عاصمة إقليم جنوب كيفو.
- «إم23» وسط بوكافو بلا مقاومة.. والاتحاد الأفريقي يحذر من تفكك الكونغو
- الكونغو الديمقراطية بـ«القمة الأفريقية».. حضر الشرق وغاب الرئيس
جاء ذلك بعد تقدم خاطف تمكنوا خلاله من الاستيلاء على غوما، وهي مدينة كبيرة ومركز اقتصادي شمال كيفو، في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
وتتهم كينشاسا جارتها رواندا بأنّ لديها «أطماعًا توسعية» في أراضي الكونغو الديمقراطية، وبالرغبة في نهب الموارد الغنية في هاتين المحافظتين.
وتنفي كيغالي هذا الأمر، حتى إنها لم تؤكد وجودها في الجارة، وتقول إن أمنها يهدده متمردو «قوات تحرير رواندا الديمقراطية» التي أنشأها زعماء سابقون متوارون عن الأنظار ينتمون إلى قبائل الهوتو.
ومع تزايد نفوذ متمردي «إم 23» وسيطرتهم على مناطق جديدة، تبرز تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في الإقليم المضطرب، وما إذا كانت هذه التطورات سترسم معادلة داخلية جديدة أم أنها ستقود إلى حرب مفتوحة بشرق أفريقيا؟
وفي هذا الإطار اتفق خبراء تحدثت إليهم «العين الإخبارية» على أن توسع «حركة 23 مارس» يهدد استقرار شرق الكونغو، لكنه لا يعني حربًا إقليمية وشيكة، مشددين على أن تدخلات دول الجوار قد يؤدي إلى تصعيد محدود، وأن الحل الأمثل يكمن في جهود دبلوماسية مدعومة دوليًا لمنع تفاقم الصراع.
معادلة داخلية جديدة؟
لا أحد يعرف بالضبط التوازنات الحالية على الأرض في ظل عدم وضوح الرؤية وتداخل البيانات، فكلما أعلن المتمردون السيطرة على مدينة، يقول الجيش الكونغولي إنه لا يزال منتشرًا في بعض مواقعها.
لكن الثابت، وفق مراقبين، هو أن المتمردين يتمركزون بشكل كبير في المدن الرئيسية لشمال كيفو وجنوبه، وأن الاستيلاء على مدينة غوما لوحده يمنحهم أسبقية في صراع يعود لـ3 عقود.
وتشهد المنطقة الشرقية الغنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية صراعًا يمتد منذ الإبادة الجماعية في رواندا المجاورة عام 1994.
وهذه المدينة الاستراتيجية تقع على الحدود مع رواندا وعلى ضفاف بحيرة كيفو، وهي مركز حيوي للتجارة والنقل يقع على مقربة من مدن التعدين.
وهذه المدن تقوم بتزويد المعادن ذات الطلب المرتفع، مثل الذهب والقصدير والكولتان، وهو مكون رئيسي للهواتف المحمولة والبطاريات للسيارات الكهربائية، وهذا ما يفسر احتدام الصراع حولها.
ففي حال حقق المتمردون تقدمًا إضافيًا بالفترة المقبلة، فهذا سيعني حتمًا أنهم باتوا على أبواب السيطرة على بحيرة كيفو، ما يمنحهم مفاتيح الشرق الكونغولي، وهذا السيناريو سيفرض آليًا -حال تحققه- معادلة سياسية جديدة يخرج فيها كيفو بشقيه من سلطة كينشاسا.
توسع غير مسبوق
سيطرة المتمردين على مدينة بوكافو يشكل - حال تأكيده - أكبر تقدم لهم منذ بداية تمردهم الجديد عام 2022.
ويرى الدكتور رامي زهدي، الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، أن خطر التصعيد في المنطقة لا يزال قائمًا، لكنه ليس أمرًا حتميًا بعد.
وقال زهدي لـ«العين الإخبارية» إن دول الجوار، مثل رواندا وأوغندا وبوروندي، لديها تاريخ طويل من التدخل العسكري في الكونغو، سواء بشكل مباشر أو من خلال دعم جماعات مسلحة مختلفة.
وأضاف أن توسع نفوذ المتمردين، خاصة حركة «إم 23»، قد يدفع الدول المتضررة إلى رد فعل عسكري أوسع، خصوصًا مع الاتهامات الكونغولية لرواندا بدعم الحركة، وهو ما تنفيه كيغالي.
وأشار زهدي إلى أن هناك قوات إقليمية، مثل القوة التابعة لمجموعة شرق أفريقيا، تحاول الحفاظ على الاستقرار، إلا أن فشلها في الحد من نفوذ المتمردين قد يدفع بعض الدول إلى التدخل منفردة، ما قد يشعل حربًا إقليمية محدودة في البداية، لكنها قد تتطور إذا لم يتم احتواؤها دبلوماسيًا.
أسباب توسع المتمردين
أرجع زهدي توسع سيطرة المتمردين إلى عدة عوامل، أبرزها الدعم الخارجي، حيث إن استمرار تقديم الدعم السياسي أو العسكري غير المباشر من جهات إقليمية ودولية قد يساعد الجماعات المتمردة في تعزيز مواقعها.
كما أن ضعف الجيش الكونغولي، الذي يعاني من مشكلات في التسليح والانضباط مقارنة بالمتمردين، يجعل استعادة المناطق الخاضعة لسيطرتهم أكثر صعوبة.
إضافة إلى ذلك، فإن التوازنات الإقليمية تلعب دورًا حاسمًا، حيث إن أي تحرك عسكري مباشر من دول الجوار ضد المتمردين قد يحد من تقدمهم، لكن في حال وجود دعم لهم أو انقسام داخل القوات الإقليمية، فقد يزداد نفوذهم، وفق الخبير.
كما أن فشل الجهود الدبلوماسية واستمرار تهميش بعض المكونات السياسية والعرقية في شرق الكونغو الديمقراطية قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب وتعزيز الحركات المسلحة.
بين الدبلوماسية والتصعيد العسكري
يرى زهدي أن المنطقة تقف على حافة تصعيد خطير، وأن الحل الأمثل يكمن في الجهود الدبلوماسية المدعومة من الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي للضغط على الأطراف المتنازعة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة.
لكنه حذّر من أنه في غياب هذا المسار، فإن سيناريو الحرب الإقليمية يظل احتمالًا واقعيًا، خاصة إذا تصاعدت المواجهات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، أو تدخلت أطراف جديدة بشكل مباشر.
أما الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية، الدكتور محمد تورشين، فيرى أن توسع الحركة من شمال كيفو إلى جنوبه يعني أن الحرب قد تتجه نحو مناطق أخرى، لكنه اعتبر أن التطورات لا تشير بالضرورة إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة.
وأوضح أن شمال وجنوب كيفو من المناطق القريبة من رواندا، التي تتمتع فيها بنفوذ كبير، لكن إذا انتقلت المعارك إلى مناطق أخرى في شرق الكونغو الديمقراطية المحاذية لبوروندي وتنزانيا، فقد تصبح الأمور أكثر تعقيدًا، وربما تتجه المنطقة إلى مواجهة إقليمية.
وأضاف تورشين أن «رواندا لا يمكنها الدخول في حرب مفتوحة مع كل دول شرق أفريقيا، خاصة مع تنامي المخاوف البوروندية من تمدد المتمردين».
ولفت إلى أن «الحركة قد تسعى لفرض واقع سياسي جديد يمهّد للتفاوض حول حكم ذاتي في شمال وجنوب كيفو، دون محاولة التمدد أكثر».
واقع سياسي جديد؟
ويعتقد تورشين أن الحركة تسعى إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي والأمني في شرق الكونغو، إما عبر التفاوض وإما من خلال فرض سيطرة ميدانية مستدامة.
لكنه حذّر من أن أي محاولة لتوسيع نطاق السيطرة إلى أقاليم أخرى قد تؤدي إلى مواجهات مسلحة مع جماعات أخرى مدعومة إقليميًا، مما قد يغرق المنطقة في حرب إقليمية مفتوحة.
وختم حديثه بالقول إن رواندا تدرك خطورة هذا السيناريو، ولذلك فمن المرجح أن تكتفي الحركة بالسيطرة على المناطق التي فرضت سيطرتها عليها حاليًا، دون الدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبة العواقب.
aXA6IDMuMTM3LjIyMy4xOTEg جزيرة ام اند امز