في الوقت الذي لا تزال فيه المعركة ضارية على أرض سيناء مع التنظيمات الإرهابية، تخرج بعض الأصوات تنادي بالمصالحة مع "الإخوان".
في الوقت الذي لا تزال فيه المعركة ضارية على أرض سيناء مع التنظيمات الإرهابية، تخرج بعض الأصوات في الداخل تنادي بأنه ربما حان الوقت للمصالحة مع "الإخوان"، الذين لم تتلوث أياديهم بالدماء،
يعن لنا أن نتساءل بداية: "من هو الإخواني"؟ تقول أدبيات جماعة "الإخوان" إن الفرد "الإخواني" يتوجب أن يكون بين يدي مرشده كما الميت بين يدي من يغسله، والمعنى الواضح هنا، هو أننا أمام شخص مسلوب الإرادة مغسول الدماغ لا يجرؤ على التفكير من تلقاء نفسه.
"الإخواني" يظل جزءاً من المنظومة الفكرية الأكبر للجماعة، ولا يمكنه أن يتجاوز خطوطها، أو ينسج له خيوطاً غير خيوطها، ما يعني أنه ملتزم بتعليمات المرشد وماضٍ في درب مكتب الإرشاد، ولهذا فإن مسألة وجود عدد منهم لم يرتكب جرائم ولم تتلوث أيادية بالدماء لا تعني الشهادة بالبراءة، بل ربما أن دوره لم يأتِ بعد في تنفيذ مخططات الجماعة الجهنمية. أحد الأسئلة التي طرحت على الذين نادوا بالتصالح مع "الإخوان": "هل أنتم واثقون من سرائرهم ودواخلهم، وأنهم تابوا وأنابوا وطرحوا عنهم كل مكر وخبث ورياء، وما تلقنوه طوال عقود انتمائهم للجماعة الإرهابية؟".. الجواب يقودنا إلى المؤسس حسن البنا الذي تعلم مبدأ "التقية" الشيعي على يد أساطين الغش والخداع من الإيرانيين قبل أكثر من ثمانية عقود، وهاكم القصة: في كتابه "أئمة الشر.. الإخوان والشيعة أمة تلعب في الخفاء"، يشير ثروت الخرباوي "الإخواني" السابق الذي نفض عنه الغبار الذي لحق برجليه من جراء انتمائه قديماً للجماعة، أن البنا وحتى عُمْر السابعة عشرة كان يطوف باحثاً عن المعرفة إلى أن تلقفه في محافظة الإسماعيلية معلم وضع له معالم الطريق، كان ذلك هو الشيعي الشهير "حسن بن محمد الصباح" الإسماعيلي المذهب، وقد كان الأخير منتمياً في صغره - كأهله - للاثني عشرية، ثم لاحقاً التقى شيخين كبيرين فأقنعاه بأن يحط رحاله في المذهب الإسماعيلي، فتفقه فيه، ثم أنشأ جماعة "جماعة الدعوة"، التي عرفت تاريخياً باسم «الحشاشين»، ومنها أنشأ فرقة الاغتيالات، التي قامت باغتيال الكثيرين.
لا يحمل «الإخوان» الشر لمصر فقط، وإنما لعموم العالم العربي، ولهذا فإن دعوة المصالحة المهترئة هذه وجدت رفضاً عقلانياً ومنطقياً في عواصم عربية شقيقة عرفت مبكراً جداً المكر الذي عليه «الإخوان» ونواياهم السيئة في السيطرة على مقدرات العالم العربي
لماذا هذه القصة؟
بلا شك نوردها لإيضاح أمرين الأول أن مذهب "التقية" الشيعي كامن بقوة وجذوره ضاربة عمقها في كل نفس "إخوانية"، ما يعني أن الذي يبدو أمامك اليوم بريئاً كل البراءة، إنما هو في حقيقة الحال من المرجح جداً أنه يبطن بخلاف ما يظهر، ويضمر بخلاف ما يعلن.. هل مصر لها تجربة تؤكد صدقية ما نقول به؟ خذ إليك على سبيل المثال، نفراً عريضاً من الجماعة الإسلامية المسجونين في سجون مصر فترة التسعينيات، وقد بدوا وقتها وكأنهم استغفروا المولى أولاً، وتالياً اعتذروا لجموع الشعب المصري بسبب الأذى الذي تسببوا فيه للمصريين، وما أحدثوه من فتنة وقتل، وأخرجوا وثائق المراجعات في كتب ومقالات.
غير أن هؤلاء وبمجرد وصول "الإخوان" عام 2012 إلى كرسي الحكم ارتدوا إلى جذورهم الأولى مرة أخرى، وزايدوا على عتاة "الإخوان"، الأمر الذي كشف زيف قصة الندم وتهافت تلك المراجعات، وعليه فكيف يضمن المنادون بالمصالحة مع تلك الفئة من "الإخوان" حسن نواياهم الباطنة لا الظاهرة؟
الأمر الآخر في قصة تتلمذ البنا على يد رجل ينتمي أيديولوجياً إلى جماعة "الحشاشين" الدموية التاريخية هو دالة "الإخوان" على الدم والغدر والقتل دون مراعاة، لأي أبعاد إنسانية، فالرحمة مفهوم مغاير لما يؤمنون وما يعتقدون، وهذا ما يؤكده الشعار الرئيسي الذي كان وربما لا يزال يحرك الجهاز السري أو التنظيم الخاص لـ"الإخوان"، وهو "شهداؤنا في الجنة... وقتلاهم في النار". والشاهد أن بعض كبار المؤرخين لتاريخ حركة "الإخوان" في مصر يذهبون إلى أن الجهاز السري الذي ترأسه "عبدالرحمن السندي" ضالع بشكل أو بآخر في اغتيال البنا نفسه، ناهيك باستمراره حتى الساعة، وقد لعب برئاسة "الإخواني" أسامة ياسين قائد ما يسمى الفرقة 95 في زمن ما أطلق عليه ثورة يناير 2011 دوراً كبيراً في إشاعة العنف الدموي.
ضمن التساؤلات وعلامات الاستفهام التي نطرحها على القائلين بالتصالح مع "الإخوان" كيف يستقيم قبول أفراد ضمن كيان لا يزال يخطط للإضرار بمصالح مصر والمصريين سواء في الداخل أو الخارج؟ وكيف يغيب عن أعين الداعين للتصالح المكذوب صولات وجولات التنظيم الدولي لـ"الإخوان" في عواصم الإمبريالية الغربية للكيد لمصر ولتدبير المؤامرات، التي من شأنها تعويق مسيرة التنمية واستدعاء الأعداء واختصام الخصوم ضد مصر المحروسة في الحال والاستقبال؟
لا يحمل "الإخوان" الشر لمصر فقط، وإنما لعموم العالم العربي، ولهذا فإن دعوة المصالحة المهترئة هذه وجدت رفضاً عقلانياً ومنطقياً في عواصم عربية شقيقة عرفت مبكراً جداً المكر الذي عليه "الإخوان" ونواياهم السيئة في السيطرة على مقدرات العالم العربي، ومن عجب فهو مكر يتلاقى طولاً وعرضاً مع نظيره الشيعي الذي نظر له الخميني حين حلم برفع علم الثورة الإيرانية في عواصم عربية. لا للمصالحة مع فصيل دموي إرهابي خائن للإنسان وللأوطان اليوم وغداً، وإلى ما شاء الله.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة