مفاجأة.. البحر الأحمر ارتفع يوما إلى مستوى مبنى من 4 طوابق (خاص)
في مشهد يكاد يصعب تخيله، كشفت دراسة جديدة عن أن البحر الأحمر كان يوما أعلى بـ12 مترا من مستواه الحالي، أي بارتفاع مبنى من 4 طوابق.
هذا الاكتشاف المذهل، الذي تنشره الشهر المقبل دورية "كوترنري ساينس ريفيوز"، التي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، لم يأت من فراغ، بل من دلائل صامتة حملها الساحل المصري على امتداد 450 كيلومترا، حيث ترقد طبقات الشعاب المرجانية ورواسب الشواطئ القديمة كصفحات محفوظة من تاريخ طويل نسيه الزمن.

وتبدأ القصة عندما قرر فريق من الباحثين من معهد الجغرافيا بجامعة بوتسدام بألمانيا، تتبع ما تخبئه هذه الطبقات الجيولوجية، معتمدين على نظام عالمي دقيق يعرف باسم "WALIS"، وهو نظام وقاعدة بيانات عالمية طُوِّرت لتجميع وتوحيد كل الأدلة الجيولوجية الخاصة بمستوى سطح البحر خلال آخر فترة دافئة مرّ بها كوكب الأرض قبل نحو 125 ألف عام.
وخلال رحلتهم العلمية الممتدة من خليج السويس شمالًا وحتى مرسى علم جنوبًا، كان كل موقع يروي فصلا مختلفا من حكاية ارتفاع البحر خلال آخر عصر دافئ مر به كوكب الأرض قبل نحو 125 ألف عام، الفترة المعروفة علميًا بمرحلة "MIS 5e ".
ومع تحليل الشعاب المرجانية التي توقفت عن النمو منذ عشرات الآلاف من السنين، والرواسب التي تركتها أمواج قديمة لم يعد لها وجود، ظهر المشهد كاملًا، وهو أن البحر الأحمر كان أعلى مما نظنه بكثير، يتقدم نحو اليابسة، يغمر مناطق كانت قاحلة، ويصنع سواحل جديدة تختلف تمامًا عما نعرفه اليوم.

ومن خلال هذه السجلات تبين أن مستوى البحر لم يرتفع مرة واحدة فحسب، بل ربما مر بذروات متعددة، صعودا وهبوطا، وهو ما يكشف حالة من الاضطراب المناخي السريع في تلك الحقبة.
وتزداد الحكاية تعقيدا عندما تمت المقارنة بين مناطق الساحل. ففي الشمال، قرب خليج السويس، ارتفعت الأرض نفسها بمرور الزمن، ما جعل الشعاب القديمة تظهر على ارتفاعات شاهقة، بينما احتفظ القطاع الأوسط، بين الغردقة والقصير، بسجل أكثر هدوءًا يكشف مراحل متتالية من امتلاء البحيرات الساحلية ثم جفافها. أما الجنوب، الممتد نحو مرسى علم، فكان الأكثر استقرارا ولكنه بدوره احتفظ بأدلة تشير بوضوح إلى أن البحر وصل إلى مستويين مرتفعين على الأقل.
هذا التنوع في السجلات يعكس تحديا كبيرا للعلماء الذين يحاولون إعادة بناء خط زمني دقيق لتلك الارتفاعات، إذ إن التأريخ الإشعاعي المتاح ما يزال غير دقيقا بما يكفي مقارنة بالدقة المطلوبة لتقصي أحداث سريعة حدثت على مستوى مئات السنين.
ومع ذلك، تكشف هذه النتائج عن حقيقة لا مفر منها، وهي أن العالم شهد في الماضي ارتفاعا كبيرا في مستوى البحر خلال فترة دافئة تشبه إلى حد بعيد الظروف الحالية الناتجة عن الاحتباس الحراري.

وتنتهي القصة بفتح العلماء لقاعدة بياناتهم كاملة أمام العالم عبر منصة "Zenodo" في خطوة تهدف إلى دفع المزيد من الدراسات، لأن من يريد فهم مستقبل السواحل لا بد أن يبدأ أولًا من قراءة هذا الماضي البعيد الذي شهد بحرا يعلو كجدار مائي بارتفاع مبنى من أربعة طوابق.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTAg جزيرة ام اند امز