واشنطن وأنقرة.. تصعيد على وقع إس-400 وكولن والأكراد
تركيا بدأت عملية عفرين في خضم تصعيد وتحد غير مسبوق لواشنطن يصعب التكهن بتداعياته.
بالنسبة لأغلبية المعلقين السياسيين فإن الهجوم التركي على عفرين يستهدف واشنطن أكثر مما يستهدف أكراد سوريا، في وقت تقترب فيه الروابط التاريخية بين الحليفين في التكتل الأطلسي من نقطة اللاعودة.
عندما بدأ القصف التركي، الجمعة الماضية، كان ذلك أحدث شرخا في العلاقات التركية الأمريكية الآخذة في التضعضع منذ عامين.
- على خطى رئيسه.. وزير خارجية تركيا يتهم حلفاءه بدعم الإرهاب
- مصر تعلن رفضها للعمليات العسكرية التركية في سوريا
والمفارقة أنه رغم تأييد البلدين للانتفاضة الشعبية التي أخذت طابعا مسلحا للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، كان الملف السوري هو الذي غذّى خلافاتهما.
وفيما كانت أنقرة داعم رئيس للفصائل التي تقاتل الأسد، إلا أنها عارضت بشدة تسليح الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية، التي سيطرت بالفعل على مناطق واسعة من الحدود التركية السورية.
ومع أن الأكراد كانوا الفصيل الأكثر ديناميكية في الحملة الدولية التي تقودها واشنطن وتضم أنقرة للقضاء على تنظيم داعش، لم تر الحكومة التركية فيه سوى امتداد لحزب العمال الكردستاني.
وفيما تقود هذه الجماعة تمردا كرديا في مناطق نفوذها بالجنوب الشرقي منذ 3 عقود، تخشى تركيا أن يفضي وجود قوة من ذات العرق، أكثر تنظيما وتدريبا، وتدير أراض واسعة متاخمة لها، إلى إذكاء النزعة الاستقلالية لدى مواطنيها الأكراد.
ومع أن واشنطن تتفق مع أنقرة في تصنيف حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية، إلا أنها لم تعتمد هذا الوصف إزاء أكراد سوريا، كما فعل الرئيس التركي رجب أردوغان.
وظهر الخلاف حول الموقف من الأكراد في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لكن مع انتهاء ولايته كانت أنقرة تأمل في انفراجة يحملها خلفه دونالد ترامب، لا سيما مع دحر داعش الذي كان حجة واشنطن الرئيسة في تسليح الأكراد.
وما عزز آمال أردوغان، الذي تصدر حملة حكومته ضد الموقف الأمريكي، إعلان واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني، أنها بصدد "مراجعة" تسليحها للأكراد.
لكن انتكست العلاقة عندما أعلنت الإدارة الأمريكية، الأسبوع الماضي، خطة لتدريب وتسليح قوة قوامها 30 ألفا من قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، لحراسة الحدود الخاضعة لسيطرتهم.
وتمتد المناطق التي يديرها الأكراد إلى الحدود مع العراق وتركيا، الأمر الذي سارع أردوغان للتنديد، متوعدا بإجهاض هذه القوة قبل أن تولد، ومتهما حليفته بعدم مراعاة أمنه القومي.
وأجج ذلك الخلاف القائم أصلا بين البلدين في قضايا أخرى، مثل رفض البيت الأبيض التجاوب مع مطالب أردوغان تسليمه الداعية فتح الله كولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير المحاولة الانقلابية التي وقعت في يوليو/تموز 2016.
ومن القضايا الخلافية أيضا، منظومة الدفاع الجوي الصاروخي إس-400 التي تتفاوض أنقرة لشرائها من روسيا، متجاهلة تحفظات شركائها في الحلف الأطلسي، بحجة أنهم لم يعرضوا عليها بديلا "فعالا من الناحية المالية".
ومعلقا على الاعتراضات الأطلسية، قال أردوغان في سبتمبر/أيلول الماضي، "جن جنونهم لأننا أبرمنا صفقة إس-400، ما الذي كان من المفترض أن نفعله؟ ننتظركم؟ لقد اتخذنا وسوف نتخذ كل الإجراءات الخاصة بنا على الصعيد الأمني".
ويُعتقد على نطاق واسع أن من دوافع أردوغان لهذه الصفقة، الرد على الدعم الأمريكي للأكراد. وبالمقابل، ربطت تقارير صحفية بيت منظومة إس- 400 ورفع وتيرة تسليح واشنطن للأكراد.
وبحسب تقارير الاستخبارات التركية، فإن ألفا و421 شاحنة حملت سلاحا وعتادا أمريكيا للأكراد منذ يونيو/حزيران الماضي.
وتفاقمت خلافات البلدين كذلك عندما أدانت محكمة أمريكية، في وقت سابق من الشهر الحالي، مصرفي تركي بالتورط في مساعدة إيران للالتفاف على العقوبات، وهو ما اعتبره أردوغان "ابتزازا" لن يخضع له.
ومن شواهد التوتر بين البلدين كذلك، إعلان واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقف إصدار التأشيرات في كل مقارها الدبلوماسية في الأراضي التركية، ردا على احتجاز أنقرة لموظف محلي في قنصليتها بإسطنبول، بحجة ارتباطه بجماعة كولن.
وترتب على الأمر اتخاذ تركيا إجراء مماثل، قبل أن يستأنف البلدان إصدار التأشيرات أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبهذه المعطيات، بدأت تركيا عملية عفرين، في خضم تصعيد وتحد غير مسبوق لواشنطن، يصعب التكهن بتدعاياته، لكن بحسب كثيرين قد خصم قدرا معتبرا من الثقة المفترض توافرها بين أي حليفين.