راكم خامنئي، الذي بدأ حياته مستضعفا ومحروما، إمبراطورية اقتصادية حولته إلى أغنى أغنياء إيران بثروة فاقت ما قيمته 200 مليار دولار.
واكبت الترشيحات لخلافة الخميني بيئة استراتيجية متقلبة ومعقدة تميزت على الخصوص بنهاية الحرب الإيرانية-العراقية والمرض الذي ألم بمرشد الثورة، وصعوبة إيجاد خليفة في قيمة وقامة الخميني. هذا الأخير حاول الانضباط للبنية السلوكية التي تحكم المذهب الجعفري من خلال محاولة تعيين خليفة له، قادر على المحافظة على نفس النسق السياسي والأيديولوجي في إيران، حيث قام بدعم آية الله العظمى حسين علي منتظري لخلافته، إلا أن الانتقادات التي وجهها هذا الأخير للنظام الإيراني واتهامه له بانتهاك حقوق الإنسان وعدم احترام المنهجية الديمقراطية، دفعت بالخميني إلى الانقلاب عليه ووضعه تحت تدابير الإقامة الجبرية حتى وفاته سنة 2009.
على هذا المستوى، راكم خامنئي إمبراطورية اقتصادية حولت هذا الشخص، الذي بدأ حياته مستضعفا ومحروما، إلى أغنى أغنياء إيران بثروة فاقت ما قيمته 200 مليار دولار حسب ما أفادت به مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والتي صرحت بأن لديها قائمة كاملة بأسماء 146 شركة يمتلكها المرشد الأعلى الإيراني
وقبل سنوات من وفاة الخميني، استطاع خامنئي أن يجمع حوله شعبية كبيرة في غفلة من الأجنحة التي كانت تتصارع لفرض المرشد الأعلى الجديد. ولعل أولى الخطوات التي استغلها خامنئي ليتسلق من خلالها سلم السلطة ارتبطت بالدعوى التي قدمها في البرلمان الإيراني ضد أول رئيس جمهورية منتخب أبو الحسن بني صدر بسبب ما اعتبره تقويضا لنفوذ رجال الدين. وكانت هذه الدعوى، سببا في عزل الأخير من طرف البرلمان الإيراني، ودفعت ببني صدر إلى الاختفاء والهرب خارج إيران بعدما أحس بأنه لم يعد مرغوبا فيه من طرف رجال الدين في إيران وعلى رأسهم الخميني.
بعد مقتل محمد علي رجائي، ثاني رئيس جمهورية لإيران، إثر التفجير الذي استهدف مكتب الرئاسة الإيرانية سنة 1981م - الذي اتُهمت في ضلوعه منظمة مجاهدي خلق، خاصة بعد اعتقال مسعود كشميري الذي يُعتقد أنه العقل المدبر للعملية- أقدمت "القوى الثورية" على ترشيح علي خامنئي لمنصب رئيس الجمهورية، حيث نجح في تولي هذا المنصب بعد أن حصل على أكثر من 16 مليون صوت من مجمل 17 مليون صوت مسجل في اللوائح الانتخابية !
سيواصل خامنئي شق طريقه بثبات نحو أعلى هرم السلطة، خصوصا أن الخميني كان ينظر إليه بعين الرضا وهو ما جعله يعينه ممثلا له في المجلس الأعلى للدفاع الوطني، وكذلك تزكيته لتولي منصب نائب وزير الدفاع، ومسؤول قوات الحرس الثوري الإيراني، وإمام جمعة طهران، بالإضافة إلى منصب رئيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية ورئيس مجلس سياسات البلاد العليا.
وقد تم تتويج هذا المسار المهني الحافل بعد وفاة الخميني بثلاثة أيام والانتهاء من مراسيم الدفن، حيث قام مجلس خبراء القيادة بتعيين آية الله السيد علي خامنئي مرشدا أعلى للثورة، رغم أن البعض أشار آنذاك إلى عدم تمتع هذا الأخير بالمؤهلات الدينية والشخصية التي تؤهله لهذا المنصب الخطير مقارنة بسلفه. وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى الدور الذي لعبه هاشمي رفسنجاني في عملية اختيار خامنئي عندما ادعى بأن روح الله الخميني أخبره بأن خامنئي هو "أفضل من يحمل عبئه بعد وفاته".
استطاع خامنئي أن يحافظ على التوجه العام للسياسة الإيرانية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ونجح في فرض ديكتاتورية حقيقية على إيران، إلى درجة أنه نجح في وضع يده على تشكيلة مجلس خبراء القيادة والذي يُفترض أنه يقوم بممارسة دور رقابي على قرارات المرشد الأعلى. من جانب آخر حاول خامنئي أن يحيط سلطته ونفوذه بهالة من القداسة وصفها بأنها امتداد لسلطة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم و"الإمام" عليّ "عليه السلام"، بتعبير أتباع المرشد الأعلى.
وفي سياق السعي إلى تركيز أدوات السلطة السياسية بين يدي علي خامنئي، اعتمد الأخير على بناء مؤسساتي أخذ شكل مثلث متساوي الساقين على رأسه السلطة الدينية التي يمثلها خامنئي ورجال الدين، فيما الزاوية الثانية تمثلها السلطة العسكرية والزاوية الثالثة تمثلها السلطة الاقتصادية.
على هذا المستوى، راكم خامنئي إمبراطورية اقتصادية حولت هذا الشخص، الذي بدأ حياته مستضعفا ومحروما، إلى أغنى أغنياء إيران بثروة فاقت ما قيمته 200 مليار دولار حسبما أفادت به مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والتي صرحت بأن لديها قائمة كاملة بأسماء 146 شركة يمتلكها المرشد الأعلى الإيراني، وهو ما أكده الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد والذي قال إن المرشد الإيراني يتربع على ثروة قدرها 190 مليار دولار، لعبت مؤسسة "سيتاد" دورا مركزيا في مراكمتها وتضخيمها.
وحسب استطلاع غير مسبوق نشرته وكالة رويترز للأنباء، فإن منظمة "سيتاد"، وهي اختصار لـ"سيتاد إجرائي فرمان حضرت إمام" (بالعربية مركز تنفيذ أوامر الإمام)، هي واحدة من أهم مفاتيح تحكم خامنئي في دواليب السلطة في إيران، بل هي مَن حافظت له على مكانته القوية على هرم الحكم في جمهورية الولي الفقيه. ولا غرابة في ذلك إذا ما تحدثت بعض المصادر على أن قيمة "سيتاد" تتجاوز 100 مليار دولار، وهو ما يفوق عائدات إيران السنوية من النفط.
وحسب تقرير رويترز، فإن هذه المنظمة تتحكم في مفاصل جميع القطاعات المرتبطة بالاقتصاد الوطني، والمالية والبترول والاتصالات، في ظل بنية هيكلية وسياسة تسييرية يغلب عليها التعتيم والسرية. وتقول رويترز في دراستها إن "المنظمة تمنح علي خامنئي، الوسائل المالية للعمل باستقلال عن البرلمان وعن الميزانية الوطنية، ما يحميه من الصراعات المعقدة على السلطة التي تهز الجمهورية الإسلامية".
كانت هذه بعض معالم شخصية علي خامنئي وظروف وصوله إلى السلطة والأدوات والوسائل، بالمفهوم الاستراتيجي، التي ساعدته على ترسيخ سلطته في بلد يبقى مستقبله السياسي مفتوحا على جميع الاحتمالات. هذا المدخل للبيئة السياسية الإيرانية يفسح المجال أمام الباحثين للتنقيب حول مراكز القوى التي تتحكم في منظومة صنع القرار في إيران والتي يلعب فيها الضلع العسكري، حتما، دورا محوريا في ترسيخ سلطة الولي الفقيه في إيران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة