الجماعة وعبر تاريخها الطويل غير معتادة على الاعتراف بالخطأ وتصحيحه، فلم نرها يوما تتبرأ من جرائمها الإرهابية منذ الأربعينيات وحتى الآن.
صدرت دعوات عدة من شخصيات إخوانية سابقة ككمال الهلباوي وأخرى مستقلة كسعد الدين إبراهيم وحسن نافعة والدكتور عمرو دراج، بالإضافة إلى أعضاء سابقين ومجموعة من شبابها لإجراء مراجعات فكرية في إطار مصالحة شاملة مع النظام.
عوضا عن سيناريو المراجعة تراهن جماعة الإخوان، من خلال تبني سياسة النفس الطويل والصبر، على استنزاف النظام ونزع الشرعية منه حتى يقبل بشروطها، وذلك من خلال استغراقها في سرديتها الخاصة عن الشرعية المغتصبة والطابع غير الشرعي للنظام الحالي وشهيد الثورة "في اعتقادها" محمد مرسي، بالتالي ترفض المشاركة في العملية السياسية الراهنة
والسؤال هنا بوضوح، هل تستطيع الجماعة إجراء مراجعة شاملة لفكرها وأنشطتها منذ النشأة عام 1928 مع تركيز خاص على مرحلة ما بعد 2011؟ وهل تقبل بالتحول السياسي ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 والابتعاد عن تخوين الأحزاب والتيارات الأخرى؟ وهل تستطيع التمييز بين فقه الدولة وفقه الدعوة وعدم الخلط بين الجماعة والدولة، والكف عن احتكار النصوص الدينية؟ وهل تلتزم أيضا بعدم عمل تحالفات خارجية، أو تلتزم بقطع علاقتها بتركيا وقطر؟
الحقيقة من المستبعد قيام الإخوان بهذه المراجعات استنادا إلى عوامل عدة؛ أهمها أن العقلية الصفرية هي التي تحكم فكر قادة الإخوان (إما الفوز بكل شيء أو خسارة كل شيء)، فقيادات الصفين الأول والثاني يفتقرون تماماً إلى البُعد الفكري والعقل النقدي الذي يستطيع أن يقنع زملاءه بجدوى المراجعات وأهميتها، لأن من يسيطر الآن هو العقل التنظيمي الحركي والسياسي المناور البراجماتي في صفوف القيادات، والعقل الذي تسيطر عليه لغة الحماس في صفوف الأعضاء.
كما أن المخاوف الوجودية على مستقبل الجماعة كانت أحد أهم الأسباب لصد أي دعوة جادة لمراجعة فكرية شاملة مع رفض مطلق للاعتراف بانتهاج خطاب ومواقف وسياسة تحريضية وعمليات إرهابية أدت إلى سقوط أفراد من المجتمع المدني والأجهزة العسكرية والشرطية، واعتراف كهذا قد تكون له كلفة تاريخية كبيرة. من ناحية أخرى ترفض الحكومة المركزية عقد أي تسوية مع الإخوان تشمل إطلاق سراح القادة المعتقلين، بل تصرّ على تقديم الذين يتحمّلون المسؤولية عن أعمال إجرامية أو إرهابية إلى العدالة وهذا ما يرفضه التنظيم.
الجماعة وعبر تاريخها الطويل غير معتادة على الاعتراف بالخطأ وتصحيحه، فلم نرها يوما تتبرأ من جرائمها الإرهابية منذ الأربعينيات وحتى الآن، كما أنها لم تدن العمليات الإرهابية لتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية بل كانت تطلق على قاتل الرئيس السادات خالد الإسلامبولي لقب "الشهيد". ولم يحدث في يوم أن أدانت عمليات القاعدة، وكانت تعتبر أسامة بن لادن أحد الأبطال المجاهدين. وكل من حاول إرساء هذا المنهج في بنية الجماعة الفكرية تم طرده كالدكتور مصطفى كامل ومحمد البهي والباقوري وصولا لمختار نوح وثروت الخرباوي وعبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد حبيب وكمال الهلباوي وآخرين. كما أن ما قام به حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان والدكتور عمر التلمساني المرشد الثالث في السبعينيات من القرن الماضي من مراجعات فكرية ضمنها كتاب "دعاة لا قضاة" لم تكن سوى مواقف تكتيكية وليست لإصلاح بنية الجماعة الداخلية والاعتراف بالأخطاء السابقة.
كما يستبعد الهيكل التنظيمي للإخوان اعتماد نهج معتدل ومن ثم إجراء مراجعات فكرية، فالجماعة تنظيم مغلق ونفعي مشابه على غرار الطراز البلشفي للقيادة والسيطرة، فاعتنقت قياداتها مفهوم الولاء المطلق والإيمان الكامل والطاعة العمياء كأسلوبٍ للتعامل فيما بينهم مع حدود قاطعة وفكر لا يقبل الاختلاف أو التعددية!
ويسيطر منهج سرديات الإنكار والتمسك بالشرعية المتوهمة والصراع التاريخي على كل قيادات الجماعة بما يمنعها من احتواء غيرها والتوافق معه، وهذا ما أثبتته تجربتهم في مرحلة ما سُمي "الربيع العربي"، فهي تعتبر نفسها مجتمعاً مضاداً ومؤهّلاً لتمثيل الشعب وقيادته إلى عالم جديد، بحيث تستبدل الدولة الحديثة القائمة بأخرى جديدة ترتبط بالخلافة التي يسعى لتشكيلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
جماعات الإسلام السياسي في مصر بشكل عام وبلاد أخرى كالجزائر وليبيا وتونس وسوريا وأفغانستان وماليزيا والخليج تتعامل بشكل انتقائي مع الديمقراطية كأدوات فقط، وأهمها العمليات الانتخابية للوصول إلى السلطة. وفي حقيقة الأمر هي غير راغبة أو غير قادرة على تحمّل مسؤولية إجراء تغييرات كبيرة في أيديولوجيتها، لا سيّما مفاهيمها عن الهوية والمواطنة والحرية الدينية والحريات العامة والخاصة والمساواة بين الرجل والمرأة وغيرها، بل إنهم لا يمتلكون نظرية واضحة عن الدولة يمكن ترجمتها إلى سياسة.
وعوضا عن سيناريو المراجعة تراهن جماعة الإخوان، من خلال تبني سياسة النفس الطويل والصبر، على استنزاف النظام ونزع الشرعية منه حتى يقبل بشروطها، وذلك من خلال استغراقها في سرديتها الخاصة عن الشرعية المغتصبة والطابع غير الشرعي للنظام الحالي وشهيد الثورة "في اعتقادها" محمد مرسي، بالتالي ترفض المشاركة في العملية السياسية الراهنة بهدف نزع الشرعية عن حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ومع عودة وانتشار الخطاب التكفيري على مدى أعوام الثلاثة الماضية، تراهن الجماعة على تكرار سيناريو 25 يناير وترفض أي دعوات للمراجعة أو تقدّيم أي تنازلات للسلطة الحاكمة أو داخل التنظيم، وتلجأ إلى حرب دعائية من خلال وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية لتحقيق هذا الهدف، ولا شك أن قطر وأدواتها كالجزيرة والعربي الجديد لها دور كبير في ذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة