أولى الخطوات التي من الضروري الانتباه لها في معرض الاشتغال على معالجة أسباب الإرهاب والتطرف والعنف والغلو الديني في صفوف الشباب في عالمنا المعاصر، هو الانتباه لدور المرجعيات الدينية
لاشك أن من أهم المحفزات المؤثرة في التحولات التي تطرأ على ممارسات وسلوكيات الشباب، بما قد يجعلهم عرضة للتأثر أفكار الإرهابيين أو الحركات الدينية التي تتبنى خيار العنف وتنفيذ الاعتداءات الإجرامية، هو محفز المرجعية الدينية المؤثرة في سلوك هذا الشباب، حيث إن الشباب الذي كان يبحث سابقاً عن المعلومة الدينية، أصبحت اليوم تأتي إليه طوعاً، عبر بعض القنوات الإعلامية المنخرطة في إثارة الخطاب الديني بشكل لا يخضع لضابط ولا يقف عند حدّ، ولا يأخذ بمنهاج واضح، حتى أصبحت بعض هذه القنوات لسان حال تلك الجماعات وزعمائها لنشر خطابها المتطرف، بل وخططها لزعزعة أمن المجتمعات والناس.
والواقع أن الأمر لا يتعلق فقط بالقنوات الإعلامية والفضائيات الدينية الناطقة باللغة العربية، التي تخطى عددها الـ 200 قناة: السنية: أكثر من 60 قناة، أو الشيعية: أكثر من 155 بعضها يبث عن طريق القمر الإسرائيلي «آل البيت، الأنوار، فدك، الحسين، العالمية، الغدير»، حيث تبث جميعاً من القمر الإسرائيلي «أموس»، عبر شركة «أر. أر. سات». وإنما يتعلق الأمر أيضاً بالعديد من المواقع الإلكترونية التي يصعب حصرها حتى على المؤسسات البحثية أو الأجهزة الأمنية، وهناك أبحاث حديثة الإصدار تؤكد في خلاصاتها التأثير الواضح للمواقع الإلكترونية، وتوظيفها في استقطاب بعض الشباب لتنفيذ اعتداءات إرهابية.
وهناك إجماع من طرف الباحثين على أنه في أغلب الدول العربية والإسلامية، نجد أن للدولة والمجتمع ومؤسسات البلد مرجعية واحدة، وهي الإسلام كمصدر أساسي للتشريع، والمذهب الواحد لممارسة الشعائر التعبدية، وربما أن الإسلام الذي تتبناه الدولة غير محدد بقوانين واضحة في كل شأن، ولكن مع ذلك فالإسلام، يبقى بشكل أو بآخر، موجوداً في البيت وفي المدرسة وفي حياة الناس وجوداً تلقائياً وأحياناً حتى في اللاوعي. والمتطرف عندما يتطرف لا يبدأ من الصفر في تعلم الإسلام، لأن الدولة من خلال المدرسة والمسجد علمته مبادئه، وإنما يبدأ من قراءة جديدة منحرفة في تفسير الإسلام، مناهضة ومعادية لما يسمّى القراءة الرسمية. ولأنه يبحث عن قراءة مغايرة، يبحث هذا الشاب عن «هوية ثالثة» قد يجدها في إسلام بعض المساجد التي يديرها أئمة مشهورون، أو إسلام بعض المواقع على الإنترنت، وقد يصبح هذا الإمام أو هذا الموقع هو المرجعية الجديدة لهذا الشاب في تعلم الإسلام، بما في ذلك أبجدياته. وأخطر ما في هذا المصدر للمرجعية الجديدة أنه «مريح» وبسيط بشكل سطحي لأنه يقسّم كل شيء إلى ثنائيات متضادة، إلى أبيض وأسود، والعالم المعقد إلى «دار إسلام» و«دار كفر»، والناس إلى مسلم و«كافر»، ويختزل التاريخ في غزوات وحروب وفتوحات و«جهاد» بالمعنى العسكري، أي أنه يوفر قراءة جديدة، ويسبغ معنى تسطيحياً لجميع الظواهر المعقدة!
أولى الخطوات التي من الضروري الانتباه لها في معرض الاشتغال على معالجة أسباب الإرهاب والتطرف والعنف والغلو الديني في صفوف الشباب في عالمنا المعاصر، هو الانتباه لدور المرجعيات الدينية
إننا نرى أن أولى الخطوات التي من الضروري الانتباه لها في معرض الاشتغال على معالجة أسباب الإرهاب والتطرف والعنف والغلو الديني في صفوف الشباب في عالمنا المعاصر، هو الانتباه لدور المرجعيات الدينية، وطبيعة خطابها ومدى تأثيرها، والتفريق بين المرجعيات الإسلامية المعتدلة، والمرجعيات الإسلامية المتشددة، مع وضع ضوابط وحدود وفوارق فاصلة بين الخطابين، حتى يكون الجميع على بيّنة، سواء كنا نتحدث عن الدولة أو عن المؤسسات الإسلامية أو عن الكتاب والباحثين في الحقل الديني، أو عن الدور المنوط برجال التربية والتعليم. وإن إعداد منهج إسلامي نستطيع من خلاله حماية شريحة الشباب والأطفال من التشدد، يمر عبر التربية، والتربية تعني التنمية، والتأديب يعني الترشيد، واستئناساً بألفاظ الأثر الشريف فكل مولود يولد على فطرة الخير، على التيسير والتوسط والاعتدال، ليس فيه تشدد أو تطرف، ثم أبواه «يشددانه» أو «يطرفانه»، لأنه يولد بصفات كلها خير تعينه على الانتفاع بالحياة هو ومن حوله والسعادة فيها، كصفات المحبة والتعاون والتراحم والتسامح والتشاور ونحوها، ثم على البيت والمجتمع تنميتها. فالحب الفطري ينمو ثم يزداد أكثر فأكثر باستخدامه عند التعامل مع الجيران والأقارب والزملاء والأصحاب. وصفة التشاور تنمو بالحوار المنزلي ثم المدرسي ثم الجامعي ثم العملي في الحياة العملية، والتكامل ينمو بالتعاون، والتراحم ينمو بالتكافل، والتيسير ينمو بالرفق، والتوازن ينمو بالاعتدال.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة