عام على التنحي.. أسرار الأيام الأخيرة لبوتفليقة في الحكم
"القصة السرية لسقوط بوتفليقة" كتاب كشف الأيام الأخيرة لبوتفليقة في الحكم ومن سعى لإنقاذ نظامه
تمر، اليوم الخميس، الذكرى الأولى لاستقالة الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة "القسرية" عقب مظاهرات مليونية لم تشهدها الجزائر طوال تاريخها، مهدت لانتخاب ثامن رئيس في تاريخ البلاد.
- الجزائريون واستقالة بوتفليقة.. فرحة يشوبها غموض المرحلة المقبلة
- بالصور.. الاحتفالات تعم الجزائر ابتهاجا باستقالة بوتفليقة
صاحب شعار "جزائر العزة والكرامة" لم يترك له شعبه مجالاً للانسحاب من السلطة باختياره بعد أن فوّت له ولايته الرئاسية الرابعة وهو على كرسي متحرك، قبل أن يتحرك الشارع مطالبا بـ"إسقاط نظامه".
تساؤلات كثيرة طُرحت عقب تنحيه: هل كان بوتفليقة يعلم "أنه استقال"؟ مثلما ظهر أنه لم يكن يعرف بأنه ترشح لولاية خامسة، كما ورد في رسالة "العدول عن الترشح" في 11 مارس/آذار 2019، عندما قال أو "قيل عنه": "لم أكن أنوي الترشح بسبب وضعي الصحي"، قبل أن يترك لـ"شعبه السابق" رسالة اعتذار و"تحسر" على التقصير.
"تجارب مع العزل وشبهات الفساد"
لم يعد لبوتفليقة "مجال للمناورة وهو يعيش حياة العزل السياسي"، كما كان متاحاً له من قبل، وهو السياسي الجزائري المخضرم الذي يملك تجارب من "الإبعاد عن طموحاته الجارفة" في "السلطة والتسلط" وفق شهادات سياسيين جزائريين.
وبعد أن كان "الرجل المدلل" في عهد الرئيس الأسبق هواري بومدين (1965 – 1978) حينما كان وزيرا للخارجية، أخرجه رجال النظام آنذاك من "أضيق الأبواب" عقب رحيل "زعيم الجزائر" كما يسميه الجزائريون، بعد أن عرف خصومه نواياه لخلافة بومدين.
في ذلك الوقت، أخرج الخصوم من الأدراج المغلقة "ملفات فساد" لـ"الوزير الشاب"، وعُرض على مجلس المحاسبة "لـ"المحاكمة" عن شبهات سرقة موازنة وزارة الخارجية، قبل أن ينفيها بوتفليقة وهو في الحكم، ويحاسب من "لفق له الحقيقة أو الكذبة" بـ"دهاء سياسي" نادر في نظام الحكم الجزائري.
ولأنه كان معتادا على "عدم البقاء في بلاده" وهو "ركن من أركانه" وفق شهادات مسؤولين سابقين عندما كان وزيراً للخارجية، اختار بوتفليقة "المنفى الاختياري" بين سويسرا والخليج العربي، حاملاً معه "مرارة الإقصاء" و"تولدت حينها في داخله الرغبة في الانتقام".
وبوضعية "المراقب والمترقب"، بقي "عبدالعزيز بلزعر" (وهو اسمه الحقيقي وفق ما انفردت به "العين الإخبارية" العام الماضي، نقلاً عن مصادر أمنية وسياسية مطلعة) يترصد الفرصة السانحة للعودة إلى "الحكم" وليس إلى الجزائر.
وبعد استقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في يناير/كانون الثاني 1992 ثم اغتيال رئيس المجلس الأعلى للدولة الأسبق محمد بوضياف في يونيو/حزيران من السنة ذاتها، وجد النظام الجزائري نفسه في ورطة "لن يُخرجه منها إلا داهية الحكم عبدالعزيز بوتفليقة" وفق شهادة وزير الدفاع الأسبق خالد نزار.
ولأنه يعرف كل خفايا وخبايا النظام من مسؤولين وسياسات، رفض عبدالعزيز بوتفليقة "في اللحظة الأخيرة" تولي قيادة البلاد عقب انتهاء الولاية الدستورية للمجلس الأعلى للدولة سنة 1994، خشية أن يلقى مصير المغدور بوضياف.
عاد إلى "عزلته الخارجية" ملتزماً "الصمت والحياد"، قبل أن يعود للنظام الجزائري "من أوسع أبوابه" في انتخابات الرئاسة لعام 1999، "مرشحاً للإجماع" والمقصود به "إجماع أجنحة النظام وما وراء البحار" كما أكدته شهادات سياسيين ومؤرخين.
وبعد عقدين من الحكم، لم يسبقه في ذلك الرؤساء الـ6 الذين سبقوه، يعيش عبدالعزيز بوتفليقة "منعزلاً" ومسجوناً في كرسيه الذي لازمه منذ 2014، وترك وراءه "بلداً مقعداً سياسياً واقتصادياً" لنحو عام، وما زالت الجزائر "تدفع الثمن الباهض" جراء سياسات نظامه وحاشيته، كما قال الرئيس الجزائري الحالي عبدالمجيد تبون.
نظام متهاوٍ
قد يكون عبدالعزيز بوتفليقة الوحيد الذي لم "يدخل سجن الحراش أو البليدة العسكري"، لكن أركان نظامه و"كل من حكموا باسمه" من أقوى الشخصيات وأكثرها نفوذاً "نقلتهم السيول البشرية وحزم المؤسسة العسكرية وسيف العدالة إلى غياهب السجون"، فاق عددهم الـ40 مسؤولاً، وسط توقعات بأن "يلتهم السجن المزيد من عناصره".
بعد استقالته، فُتحت ملفات الفساد والسجون على مصراعيها، وشهدت الجزائر في سابقة غير معهودة "الزج بنظام بأكمله" بين القضبان، وظهر من كان "يحكم ويتحكم" "مذلولاً" يترجى "العفو" أو "يدافع عن ثرائه وثرواته بأنها من عرق الجبين وليس عرق البلاد"، ولسان حالهم جميعا ينطق: "ليتني لم أكن مسؤولاً".
وفي رسالة استقالته يوم 2 أبريل/نيسان 2019 برر قراره بـ"تجنيب البلاد انزلاقات خطرة"، لكنه ترك الجزائر في مأزق سياسي وهو الذي نسج الدستور والقوانين على المقاس، وربط مصير بلد كامل بـ"مصير شخص واحد"، كادت معه الجزائر تنهار "لولا سلمية الحراك الشعبي وقدرة المؤسسة العسكرية على تجنيب البلاد فخ الفوضى والانهيار كما انهار نظامه" وفق المراقبين.
أسرار تتكشف
وفي أطوار محاكمة رموزه، تكشف جزء من الحقيقة عن السنوات الخمس الأخيرة من حكمه، بعد اعتراف شخصيات متهمة بالفساد بينها رئيس حكومة بوتفليقة الأسبق عبدالمالك سلال ووزراء سابقون، والتي أفادت بأن "بوتفليقة لم يكن يعلم ما يحدث، ولم يكن الآمر الناهي، بل شقيقه ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة".
وتأكد معها بأن ترشيح الرئيس السابق لولاية خامسة لم يكن "إلا ولاية ثانية للسعيد بوتفليقة بعد أن حكم الجزائر من وراء الستار منذ 2014".
وكشفت العدالة الجزائرية عن حجم فساد كبير استشرى في عهد النظام السابق، وكيف تأسست نحو 15 عائلة متحكمة في ثروات البلاد من رجال أعمال ومسؤولين سياسيين وأمنيين، واختلطت "أرقام نهب المال العام" على القضاة، وبعضهم وجد صعوبة في قراءتها أو استيعاب "هول حجمها"، والتي يقول الخبراء إنها تفوق الـ"500 مليار دولار" خسائر تكبدتها الجزائر في ولاية بوتفليقة الرابعة.
وفي مارس/آذار الماضي، صدر كتاب بعنوان "القصة السرية لسقوط بوتفليقة" للمؤلف نوفل إبراهيم الميلي، كشف في صفحاته الـ250 حقيقة ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، أو كما أسماها "حقيقة رئيس طريح الفراش متشبث بالسلطة".
وفي ملخص الكتاب، روى الكاتب نقلاً عن شهادات ومصادر مختلفة، أن قضية الإبقاء على نظام بوتفليقة "نسجت في فرنسا التي كانت على علم بكل تفاصيل العملية، وكلفت رئيس جهاز المخابرات الأسبق الفريق المتقاعد محمد مدين بإنقاذ نظام بوتفليقة من الانهيار".
وربما هذا ما يفسر سرعة تدخل الآلتين الأمنية والقضائية ضد "الجنرال توفيق" كما يسمى إعلامياً وشقيق بوتفليقة، إذ ذكر المرجع أن الجنرال القوي استنفد كل أوراقه، كان من بينها محاولة إشراك الرئيس الأسبق اليامين زروال لكنها باءت بالفشل".