الجزائريون واستقالة بوتفليقة.. فرحة يشوبها غموض المرحلة المقبلة
رغم استقالة بوتفليقة فإن كثيرا من الجزائريين يرون أن نظامه ما زال قائما، كما أن هواجس أخرى تطغى عليهم نظرا لطبيعة المرحلة الانتقالية.
انتهى عهد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، وتحقق المطلب الأول للحراك الشعبي الذي ينادي برحيل نظامه، وخرج آلاف الجزائريين إلى الشوارع، معبرين عن فرحتهم بنجاح حراكهم السلمي الذي أذهل العالم.
خروج الجزائريين ليل الثاني من أبريل/نيسان إلى شوارع العاصمة ومختلف محافظات البلاد كان مختلفاً عن خروجهم طوال 6 جمعات كاملة، خرجوا حاملين "رايات الجزائر"، ودوى معها "شعار النصر" المفضل عند الجزائريين "1.2.3. Viva L’algerie"، معتبرين أن 2 أبريل/نيسان "يوم تاريخي" و"ثاني يوم للنصر" في تاريخهم بعد 19 مارس/آذار 1962 الذي أعلن فيه عن وقف لإطلاق النار بين جيش التحرير الجزائري والاستعمار الفرنسي.
- بوتفليقة: استقالتي جاءت لتجنب الانزلاقات الوخيمة
- بالصور.. الاحتفالات تعم الجزائر ابتهاجا باستقالة بوتفليقة
لكن الجزائريين أنفسهم يقولون إن "نشوة الانتصار لم تكتمل، وإن استقالة بوتفليقة كانت معركة ناجحة من حرب سلمية لم تكتمل فصولها"، ويقولون إن "عهد نظام بوتفليقة لم ينته بعد"، بحسب ما رصدته "العين الإخبارية" عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
انتصار "عكّر" نشوته بحسب الجزائريين غموض المرحلة المقبلة، وكثير منهم تساءل: "ماذا بعد استقالة بوتفليقة؟"، حاول البعض الإجابة عن ذلك عبر منصات التواصل من خلال منشوراتهم، فوجدوا من يطرح لهم تساؤلات من خلال التعليقات: من سيحكم؟ هل هو بن صالح الذي يرفضه المتظاهرون؟ أم الجيش؟ وإن كان الجيش، فهل سيكون مرافقاً و"ناصحاً" لهيئة انتقالية كما يطالب بذلك الحراك؟ أم "آمراً" وحاكماً فعلياً لها كما يخشى ذلك كثير من المعارضين؟ وما دلالات خروج الآلاف دون الملايين إلى الشوارع فرحاً؟
الجيش والشعب.. إخوة
مع بداية الحراك في 22 فبراير/شباط الماضي، لم تنقطع شعارات وهتافات الجزائريين المتظاهرين عن "جيش شعب.. خاوة خاوة (إخوة)"، و"نحي الكاسكيطة وأرواح معانا" (انزع القبعة وانضم إلينا).
- الفريق أحمد صالح.. من ثورة التحرير إلى جنرال الجزائر القوي
- الجيش الجزائري يتبنى مطالب الحراك.. ومحللون: الحل الأمثل للأزمة
وإذا كانت مظاهرات الجزائريين عفوية، فإن شعاراتهم لم تكن كذلك بحسب المتابعين، الذين اعتبروا أنها كانت رسائل حضارية وقوية "لكل من يرفضونه ومن يقبلونه"، ومنهم من وصف تلك الشعارات "بقرارات فخامة الشعب".
في تلك الشعارات، طالب الجزائريون من المؤسسة العسكرية بالتدخل "لإنقاذ البلاد" مِن "العصابة"، معتبرين أنها (المؤسسة العسكرية) "العمود الفقري للدولة الجزائرية التي بإمكانها الدفاع وضمان مطالب الشعب".
وإن كان قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، قد وصف في أول موقف له من الحراك الشعبي المتظاهرين بـ"المغرر بهم"، سرعان ما تغير موقفه بعد توسع رقعة المطالبين برحيل نظام بوتفليقة، الذين اتفقوا أيضاً على "أن الجيش والشعب واحد".
تفاعل الجيش الجزائري مع مطالب الجزائريين جاء عبر بياناته المتتالية التي سارت في اتجاه الحراك ذاته، وأعلن أن "الجيش هو الحصن الحصين للوطن والشعب"، ووعد قائد أركان الجيش بـ"الوقوف مع إرادة الشعب".
دخلت قيادة أركان الجيش الجزائري مرحلة "الحزم في مواقفها" "لوقف تمديد الأزمة" كما قالت في بيانها الأخير، وأعلنت "تبنيها" مطالب الجزائريين بإسناد المادتين 7 و8 من الدستور مع المادة 102 التي تنص على شغور منصب الرئيس.
لكن الجزائريين بحسب ما رصدته "العين الإخبارية" "لم يتوقعوا أن تستعمل المؤسسة العسكرية نفس مصطلحات الحراك"، عندما وصف قائد أركان الجيش الجزائري "المتخندقين في مقر الرئاسة" بـ"العصابة".
مصطلح كان شائعاً في الجزائر منذ 2013، أي منذ غياب بوتفليقة عن المشهد، بسبب وضعه الصحي، حتى إن ناشطين "عوقبوا بالسجن" في السنوات الأخيرة، لاستعمالهم كلمة "العصابة"، إلى أن جاء اعتراف المؤسسة العسكرية بأن من "يحكم البلد عصابة نهبت المال العام وكونت ثروات هائلة".
ولم تمضِ ساعتين عن اجتماع وبيان وزارة الدفاع الجزائرية الذي ضم "لأول مرة" منذ التسعينيات جميع كبار قادة الجيش الجزائري، حتى جاءت استقالة بوتفليقة بعد عشرين سنة من الحكم، وترشح لولاية خامسة ثم تمديد للرابعة ثم تسريع في الاستقالة.
ماذا بعد نهاية عهد "بوتفليقة"؟
وضع الشعب يده في يد الجيش الجزائري أو العكس، فكانت النتيجة بداية انتهاء ما يُطلق عليه الجزائريون "العهد البوتفليقي"، غير أن مراقبين ذكروا لـ"العين الإخبارية" أن موقف الجيش واستقالة بوتفليقة "هدّأت هواجس الجزائريين مؤقتاً" ولم "تُشفها"، وبأن ظروف استقالة بوتفليقة حملت معها مخاوف جديدة تغذيها مجموعة من المعطيات.
أول تلك المعطيات بحسب المراقبين، هو ظهور بوتفليقة مقدماً استقالته، بشكل "صدم" كثيراً من الجزائريين، وامتلأت معها مواقع التواصل الاجتماعي بـ"الدعوات بالشفاء لبوتفليقة" بعد أن تعودا على رؤيته يصول ويجول في البلاد وخارجها، وهو ما يفسر بحسبهم "تفضيل كثير من الجزائريين البقاء في منازلهم احتراماً لرئيس حكم الجزائر 20 عاماً بكل ما فيها وما عليها، وتأكيداً على أن قوى خفية حكمت الجزائر باسمه".
- المجلس الدستوري الجزائري يثبت شعور منصب الرئيس بعد استقالة بوتفليقة
- بوتفليقة.. 20 عاما في رئاسة الجزائر تنتهي باستقالة مثيرة
بوتفليقة الذي كان يجيد مخاطبة الجزائريين ويتقن انتقاء الكلمات التي يفضلونها طوال أكثر من 10 أعوام، بحسب المقربين منه، بات ظهوره صورة دون صوت، استفز ذلك الجزائريين، غير أن ظهوره الأخير وهو يقدم استقالته على كرسي متحرك وبجسم نحيف أنهكه المرض "دغدغ مشاعر الجزائريين".
وذكر جزائريون عبر مواقع التواصل، أن مشكلتهم لم تكن مع شخص بوتفليقة، بل مع المحيطين به، "الذين تاجروا باسمه ورشحوه لولاية خامسة وحكموا باسمه وشوهوا تاريخه".
عند بداية حكمه، كان الجزائريون يخرجون بالآلاف إلى الشوارع لاستقبال بوتفليقة، ويهتمون بخطاباته الكثيرة التي كانت شبه يومية عبر وسائل الإعلام الرسمية، لكن شاءت أقدار بوتفليقة أن يخرج الملايين في نهاية عهده مطالبين برحيله.
وبين الترحيب والرحيل، بقي كثير من الجزائريين يحترمون مسار الرجل، وأعاد عدد منهم عبر مواقع التواصل التذكير بما حققه من استعادة الأمن بعد أكثر من عشرية دامية، وأسقط "الدولة العميقة" التي يقول العارفون بها "إنها كانت تصنع الأزمات وحلولها".
صراع في السلطة
ثاني المعطيات، تلك البيانات المزورة المنسوبة للرئاسة الجزائرية والتي زعمت "إقالة قائد أركان الجيش"، ذكّرت الجزائريين بـ"الصراع بين السلطة" في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وهو الصراع الذي يقول العارفون بحقيقته "إنه نُقل للشارع لحسمه وكانت نتيجته عشرية سوداء".
- مصادر لـ"العين الإخبارية": الجيش الجزائري يبحث التعجيل بإعلان شغور منصب الرئيس
- مصادر لـ"العين الإخبارية": إمهال شقيق بوتفليقة ساعات لإخلاء مقر الرئاسة
فرغم تطمينات المؤسسة العسكرية الجزائرية للحراك الشعبي وتبنيها مطالبه وانتقالها من الأقوال إلى الأفعال، إلا أن إصرار محيط بوتفليقة على البقاء في الحكم في مقابل ظهور "جنرالات الجيش" عبر وسائل الإعلام ولّد مخاوف لدى الجزائريين من "احتمال احتدام الصراع بين الجناحين"، خاصة مع الأنباء التي تحدثت عن وجود مخطط لمحيط بوتفليقة بدعم فرنسي "لفرض الأمر الواقع أو فرض الفوضى".
تعامل خلالها الجزائريون بحذر مع كل ما يحدث، وبات "أشد المعارضين" لأي دور قد يقوم به الجيش "من أكثر الداعين له" بعد أن استشعروا خطورة ما يحدث، مؤكدين أن "الأوضاع تتجه لمزيد من التعقد وأن الجيش الجزائري هو المؤسسة الدستورية الوحيدة القادرة على وأد الخطر في مهده".
المرحلة الانتقالية.. المعركة الثانية
بعد تقديم استقالته لرئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ظهر بوتفليقة برفقة الرجل الثاني في هرم الدولة الجزائرية وهو عبدالقادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، الذي تخوله المادة 102 رئاسة الدولة مؤقتاً بعد استقالة الرئيس.
- حقوقي مقرب من بوتفليقة: الاستقالة تعني تولي بن صالح رئاسة الجزائر
- عبدالقادر بن صالح.. ثاني رئيس مؤقت بتاريخ الجزائر
ظهور الرجلين الأول والثاني في الجزائر، كان مؤشراً على تسليم بوتفليقة السلطة لبن صالح، وتأكد ذلك في رسالة استقالته عند حديثه عن "العمل بصلاحيته الدستورية وبما تقتضيه ديمومة الدولة أثناء الفترة الانتقالية".
وقال بوتفليقة في رسالته "لقد اتخذت، في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملا بصلاحياتي الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية".
وذكر خبراء في القانون الدستوري في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" أن "المجلس الدستوري الجزائري مجبر على تطبيق المادة 102 من الدستور بحذافيرها، خاصة أن سبب شغور منصب الرئيس هو الاستقالة"، وهو ما يعني بحسبهم أن "الدستور يمنع منح رئاسة الدولة لأي جهة أخرى غير رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح".
من هنا، يقول المراقبون إن "عقبة جديدة ظهرت أمام حل الأزمة السياسية في الجزائر"، فالحراك الشعبي سبق له في الجمعتين الأخيريتين أن رفض تولي بن صالح رئاسة الدولة أو أن يشرف على المرحلة الانتقالية والانتخابات الرئاسية، وأصر المتظاهرون على رحيل "كل رموز نظام بوتفليقة الذي يعتبر بن صالح أحدها".
كما أن تولي بن صالح رئاسة الدولة، سيصطدم "بتبني المؤسسة العسكرية مطالب الحراك"، ولم يتوقف ذلك عند الدعوة لضرورة تفعيل المادة 102، بل على المادتين 7 و8 التي كانت من أبرز مطال بها الحراك، والتي تقر بأن "الشعب هو مصدر السلطة".
فُهم من المادتين أن المرحلة الانتقالية ستكون بمجلس انتقالي ترأسه شخصيات لم تشارك في نظام بوتفليقة وتحظى بموافقة الحراك الشعبي، لكن الخبراء القانونيين يقولون إنه "لا يمكن تطبيق المادتين 7و8 دون التطبيق الحرفي للمادة 102، كما تتضمن المادتين مبادئ وليس إجراءات ولا يمكن تطبيقهما دون استفتاء شعبي أو اقتراع عام، والأجل السياسي الموجود الآن والجاهز هو الانتخابات الرئاسية من خلال المادة 102 التي تحدد حالات الشغور"، كما ذكر الدكتور عامر رخيلة، الخبير القانوني، في وقت سابق لـ"العين الإخبارية".
ومن هنا طرح متابعون تساؤلات، إن كان الجزائريون سيواصلون حراكهم "لعزل رموز نظام بوتفليقة وإنهاء عهد بالكامل"، أم أن الكرة باتت اليوم في ملعب المؤسسة العسكرية التي تعهدت "بحماية البلد ومطالب الحراك"؟
ومن خلال اللافتات التي حملها الجزائريون، الثلاثاء، بعد استقالة بوتفليقة، فقد أظهرت "اعتزامهم الخروج، الجمعة المقبل، في مظاهرات جديدة "لإسقاط العصابة" كما أبرزته لافتاتهم، ما يوحي بحسب المراقبين أن "الأزمة متجهة لشوط ثانٍ لن يقبل فيها الحراك إلا ضمان نقاط الصدارة وليس الفوز فقط"، وهو ما يعني أيضاً "تخوفهم من لعبة الكواليس التي قد يلجأ إليها رموز نظام بوتفليقة".
ومن خلال ما سبق، ورغم تباين ردود فعل المراقبين حول سيناريوهات "ما بعد بوتفليقة" بين من يرى انفراجاً للأزمة بعد استقالته، وبين من يعتبر أن "الأزمة بدأت ولم تنته، خاصة إذا تولى رئاسة البلاد شخصية من نظام بوتفليقة"، لكنهم التقوا عند قاعدة تحليلية واحدة، وهي أن "ختم الحراك الشعبي بات ضرورياً لتمرير أي قرار أو تعيين سياسي"، كما أن المؤكد بحسب المتابعين هو "التقاء الجزائريين مع الجيش خول مصلحة واحدة، وهي حماية البلد من سيناريوهات سوداء على مستقبل الجزائر، وبأن عهد الجزائر الجديد الذي بدأ بمظاهرات سلمية حضارية واستمر مع استقالة قيصرية بحاجة إلى مواكبة الجيش لبزوغه".